تلك حكايات حدثت بالفعل، والأدلة على وقوعها دامغة؛ فهذا رئيس دولة سمح لمصوره الشخصي بأن يدخل معه حمامه الخاص، وأن يلتقط له صوراً وهو يحلق ذقنه، بينما يرتدي ملابسه الداخلية.
وهذا زعيم، سمح لمصورين بأن يصوروه خلال عطلة يقضيها مع أسرته، وأن تُمعن عدساتهم في التقاط الصور، التي توضح مدى لطفه والتزامه العائلي.
أما هذه، فرئيسة وزراء في دولة ديمقراطية، وقد سمحت لبعض مصاحبيها بالتقاط الصور لها، بينما كانت تلهو وترقص في حفل خاص.
ولدينا أيضاً داعية ديني، لديه مريدون وأتباع بالملايين، وقد سمح لمساعديه، بأن يصوروه أثناء تأدية فرائضه الدينية، وأن يظهروا القدر الكبير من «التقوى وعلامات الورع» البادية عليه، ثم يبث ذلك على وسائط «السوشيال ميديا»، ليحصد الإعجابات، ويعزز صورته.
وهذه أستاذة جامعية، تعمل في جامعة حكومية، لكنها ارتدت ملابس رقص، وراحت ترقص أمام عدسة الكاميرا، قبل أن تبث ذلك على أحد حساباتها بمواقع «التواصل الاجتماعي»، عادة أن هذا أمر خاص لا يجب أن يتناوله أحد بالنقد أو بالمحاسبة.
أما هذا اللورد، الذي يحتل مكانة مميزة في إحدى غرفتي البرلمان في بلاده، التي تجسد ديمقراطية عريقة بكل المقاييس، فقد أمضى ليلة ماجنة بصحبة فتاتي ليل، حيث استنشق مسحوق الكوكايين على صدر إحداهن، وعندما تم نشر الصور في الصحافة، انفجرت الفضيحة التي أطاحت به من منصبه المهم.
ومثله، هناك هذا الوزير، الذي كان مسؤولاً بالذات عن إنفاذ معايير «التباعد الاجتماعي» في أثناء جائحة «كوفيد - 19»، لكن شريط فيديو أظهره في وضع حميمي مع مساعدته، في مكتبه، تم نشره في الصحف وعلى المنصات الإلكترونية، وأفضى إلى طلاقه واستقالته.
وعلى شواطئ مختلفة، انفجرت قضايا عديدة بين الصحافة والمشاهير، حين تم تصوير أميرة في صحبة «صديق» ضمن علاقة حميمة، بينما هي زوجة لولي عهد، أو أميرة أخرى تنعم بأشعة الشمس، بعدما تخلت عن القطعة العلوية من رداء السباحة.
في كل تلك الحالات، توسّل المشاهير بالخصوصية، وتوسّلت الصحافة بحرية الرأي والتعبير، وسعى هؤلاء الذين تم «اختراق» خصوصياتهم، أو استخدموها لبناء صورتهم، إلى تسويغ مواقفهم والدفاع عن حقهم في أن يعيشوا كما الآخرين... من دون مطاردة «الباباراتزي» والمتطفلين والصحافيين المواطنين، بينما استند نقادهم إلى أن ما ينطبق على العامة لا يسري على المشاهير والنجوم وأصحاب السلطان في هذا الصدد.
وفي الأسبوع الماضي، كان الأمير هاري على موعد جديد في هذا السجال الذي لا ينتهي، حينما أدلى بشهادته أمام المحكمة العليا في لندن، في قضية رفعها ضد وسائل إعلام بريطانية، متهماً إياها بأنها اخترقت هاتفه، وقرصنت بياناته، واخترقت بريده الإلكتروني.
وقد عبّر بمرارة عن شعور قاسٍ إزاء الصحافة التي وجدها في «الحضيض»، مُذكراً بأنها كانت وراء حادث مقتل والدته في 1997، وأنها سعت إلى وضعه في صورة «الغبي» و«الغشاش» و«السكير القاصر»، لكي تزيد من عدد النسخ التي تبيعها.
للأمير هاري قصة طويلة مع الصحافة الشعبية أو «صحافة الفضائح»، وهي قصة بدأت منذ استهدافها حياة والدته الأميرة ديانا، وتطورت حين نشرت «ذا صن» صورته وهو عارٍ تماماً بصحبة فتاة في أحد فنادق «فيغاس» في عام 2012.
والواقع أن الخصوصية قيمة حيوية لا يجب انتهاكها بزعم حرية الرأي والتعبير أو حق الجمهور في المعرفة، طالما أن السلوك الذي يأتيه الشخص المشهور أو العام لا يتقاطع مع المصلحة العامة في شيء ولا يسبب لها أي ضرر. كما أن لجوء الصحافيين إلى أعمال مُجرمة، للوصول إلى قصص، لتسلية الجمهور بشأن المشاهير، هو عمل غير قانوني وغير أخلاقي، ويستوجب مساءلة وعقاباً.
لكن في المقابل على الأمير هاري أن يسأل: لماذا يعاني هو من تلك الضغوط من الصحافة الشعبية والصحافيين، بينما لا يعاني مثلها كثير من الأمراء والسياسيين في بريطانيا وغيرها من دول الغرب؟
وعليه أيضاً أن يدرك أن تبوء منصب معين، أو التصدي لمسؤولية أو خدمة على المستوى العمومي، يُلزم من يفعل ذلك بأنماط سلوك خاصة معينة، وأن هؤلاء الذين يستمتعون بالقدر الأكبر من السلطة أو الشهرة، التي تجلب المال في معظم الأحوال، إنما يتنازلون عن قدر من الخصوصية في الوقت نفسه.
يريد معظم القادة والفنانين والمشاهير والأثرياء أن يحافظوا على صورتهم نشطة ولامعة وبراقة، ويبذلون جهوداً وموارد لضمان ذلك، ويفرطون في بعض خصوصيتهم أيضاً، لكنهم في المقابل لا يريدون لتلك الصورة أن تتلطخ، حتى لو كان ذلك من نتاج تصرفاتهم.