ملخص
يغلب على مجتمع غزة أنه محافظ ويتبع عادات وتقاليد صارمة، وبما أن غالب السكان يتبعون الديانة الإسلامية، فإن أكثر نسوة المجتمع محجبات ويرتدين لباساً محتشماً وطويلاً، ولهذا السبب تعتمد النسوة إسدال الصلاة "زياً للحرب".
ممازحاً زوجته يقول أسامة، "يا سيدتي الجميلة، لقد مللت كثيراً من رؤية إسدال الصلاة عليك، ما رأيك أن ترتدي بيجامة أو بنطال جينز"، ضحكت عفاف وهزت رأسها وخاطبته، "ألا تسمع صوت أزيز طائرات الاستطلاع الإسرائيلية؟ أنسيت أننا نعيش في غزة، وأن هذه الحرب دامية وكل لحظة يموت فيها أشخاص؟".
تعيش عفاف في منزلها وسط محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، ولم تختبر بعد النزوح، ولم تعش أياماً طويلة في معسكر خيام مكدس بالأشخاص، وعلى رغم ذلك فإنها تلتزم ارتداء "زي الحرب" الرسمي.
زي رسمي
و"زي الحرب" بالنسبة إلى نساء غزة هو إسدال الصلاة الذي يوجد منه نوعان، إما ثوب كامل من قطعة واحدة، أو لباس من جزأين يغطيان الجسم بالكامل، وما إن تبدأ أي عملية عسكرية في القطاع ترتدي النساء هذا اللباس ولا يخلعنه إلا عند إعلان وقف إطلاق النار.
منذ اليوم الأول للحرب على غزة، أعلنت عفاف الطوارئ في منزلها، ومن بين الإجراءات الطارئة التي تتبعها السيدة، أنها تغير لباسها بالكامل، وتعتمد على إسدال الصلاة كهندام رسمي لها ولبناتها البالغات.
تقول عفاف، "تعتاد النساء أن لكل مناسبة أزياءها الخاصة، وكذلك الأمر في قطاع غزة، في أوقات الحرب تجبر الظروف الصعبة السيدات على اختيار ملابس كزي رسمي لهن، ويرتدين لباس الصلاة ليس من باب التزين أو متابعة صيحات الموضة، لكن لاستقبال الغارات والصواريخ الإسرائيلية، وليكن على استعداد لمواجهة الموت والنزوح بكل ستر واحتشام".
"ليكن جاهزات"
يلغب على مجتمع غزة أنه محافظ ويتبع عادات وتقاليد صارمة، وبما أن غالب السكان يتبعون الديانة الإسلامية، فإن أكثر نسوة المجتمع محجبات ويرتدين لباساً محتشماً وطويلاً، ولهذا السبب تعتمد النسوة إسدال الصلاة "زياً للحرب".
في منتصف الليل، بدأت الطائرات الإسرائيلية تقصف في كل أنحاء القطاع وتصاعدت ألسنة اللهب في كل مكان. وتقول عفاف "عندما أشاهد منظر الغارات تكون القيامة حينها قامت فعلاً بالنسبة لي، لكن كيف سأموت؟ الأفضل أن أموت وأنا محجبة، ربما سيتم انتشالي من تحت الأنقاض، أو ربما تتطاير جثتي، لا يهم ذلك، المهم أن أكون بملابسي".
تعتقد عفاف أنها عندما ترتدي لباس الصلاة تكون على جاهزية تامة، بخاصة في ما يتعلق باللباس، وتطلب من بناتها إحضار "زي الحرب"، وهذا مصطلح معروف في غزة وأي سيدة في القطاع تفهم أن المقصود منه إسدال الصلاة.
وتتابع عفاف أن "طائرات الجيش عندما تبدأ بالقصف لا تعطينا مهلة للتفكير في ما سنرتديه، قد نضطر للهرب أو النزوح في حالة من الخوف والهلع من حمم الصواريخ، لذلك يجب أن نغطي أجسادنا بهذا الزي الرسمي".
لباس موحد
وعلى اختلاف المستويات الثقافية والاجتماعية والجمالية يعد ثوب الصلاة زي جميع نساء غزة، وعادة ما يكون مصنوعاً من قماش الديولين، وفي الغالب يكون لونه أسود تغطيه نقاط مختلفة الألوان أو رسوم صغيرة لزهور أو حيوانات.
تلبس عفاف كما باقي نسوة غزة إسدال الصلاة 24 ساعة، وتؤكد أنها لم تخلعه منذ بدء الحرب، وأنها تنام فيه وتستيقظ فيه، وتقول إن "هذا الزي يرمز إلى العفاف والطهارة والستر لأنه فضفاض".
وتحرص النساء على ارتداء الثوب حفاظاً على أجسادهن من الانكشاف وإخفاء أجسادهن في حال اضطررن إلى الاندفاع إلى الخارج بحثاً عن مكان آمن في حال وقوع حادثة، ولأنه فضفاض ولا يعوق أي حركة قد تضطر المرأة للقيام بها إذا شعرت أن حياتها في خطر، فإن إسدال الصلاة يمكن السيدات من الحركة بسهولة، لا سيما الركض والقفز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في كل مكان
أمام خيمتها كانت نادية تجلس لغسل مواعين المطبخ وتقوم بذلك وهي ترتدي إسدال الصلاة، تقول "هذا الثوب يعد الأفضل للنساء خلال أيام الحرب، هو ساترنا، ولا نحد غيره ونضعه بجانبنا دائماً". لكن لدى نادية سبباً آخر يدفعها لارتدائه، توضح أنها تلبسه لقلة الملابس وعدم توفرها بصورة كبيرة في القطاع بعد قصف المحال التجارية.
مشهد السيدات اللاتي ترتدين إسدال الصلاة، موجود في كل أنحاء قطاع غزة في المنازل، والطرقات، ومراكز الإيواء، وحتى المستشفيات، وتحته يخفي أجساداً مرهقة من أهوال الحرب.
وكانت ترتدي حنان إسدال الصلاة أثناء الطهي، وتقول، "عندما أرغب في النوم أثناء توتر الأوضاع، أرتدي إسدال الصلاة حتى لو كان الجو حاراً جداً، لا أريد أن أموت أو أغادر منزلي مرتدية الملابس القصيرة".
لكل طبقة اجتماعية نوع
وعلى رغم أن حنان ترتدي "زي الحرب" فإنها ما زالت تهتم بمظهرها أمام الناس، وتقول، "أضع خطاً من الكحل على عينيَّ، ولا يغيب عني أن أستخدم البودرة لوجهي وأقوم بوضع قليل من أحمر الشفاه، لكن بدرجة خفيفة".
اشترت حنان إسدال صلاة مميزاً ومخملياً، وتعتقد أن هذا النوع يوحي لمستواها الاجتماعي، وكلفها نحو 20 دولاراً، على رغم أن الأنواع العادية منه تباع بنحو خمسة دولارات فحسب.
تعتقد حنان أنه يمكن تخمين المستوى الاجتماعي لكل عائلة في وقت الحرب من نوع إسدال الصلاة لأنه الزي الموحد لكل الطبقات، وتشرح، "هناك أثواب صلاة أكثر فخامة يغلب عليها قماش القطيفة أو الساتان، وعندما ترتديها النسوة نفهم أنهن من طبقة اجتماعية راقية".
مراحل تطور أزياء الحرب
منذ القدم تتبع النساء الفلسطينيات ارتداء ملابس مختلفة في أوقات الحروب. يقول علاء السكافي مهندس تصميم الملابس وعضو نقابة مستوردي الملابس، "منذ ما يزيد على 70 عاماً، ولأوقات الطوارئ زي مختلف عن الحياة العادية المستقرة". ويضيف، "أثرت الحروب المتعاقبة في طبيعة أزياء النساء بغزة، وتطورت مراحل صيحات أزياء الحروب عبر الأجيال، وذلك لطبيعة الأحداث التي يمر بها القطاع بصورة مستمرة". وبحسب السكافي فإن النساء في فترة الثمانينيات، وقت اندلاع الانتفاضة الأولى، كن يرتدين الفساتين الملونة، وفي فترة التسعينيات أصبحن يلبسن التنورة السوداء الفضفاضة ويغطين رؤوسهن بالشال الأبيض المنسدل على أكتافهن.
ويشرح السكافي، "مع توالي السنين تغير هذا اللباس، وبات السائد لباس العباءة السوداء وحجاب الصلاة، وهذا يتماشى مع طبيعة الظروف التي تعيشها النساء في الحروب، إذ يبتعدن عن اللباس المزركش أو غير المحتشم، حتى في منازلهن، فهن يشعرن أنهن أمام مسؤولية كبيرة. ومع بداية عام 2014 بات إسدال الصلاة دائماً زي الحرب".