ملخص
نوادي الموسيقى في تونس تملأ فراغ الروح وتسهم في الحد من الاضطرابات النفسية وحالات الانتحار لدى الشباب تحت ضغط الواقع
في مدينة حفوز الواقعة في ولاية القيروان التونسية (غرب تونس) تهز الأهازيج مدرسة محلية، إذ يردد التلاميذ (الطلاب) أغاني تراثية وغيرها في سياق نشاط مستمر لنادي من نوادي الغناء التي باتت تجتذب الشباب الذي يسعى إلى الخروج من حالة اليأس التي انزلقت نحوها قطاعات واسعة من التونسيين بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وولاية القيروان واحدة من أكثر الولايات التونسية تأثراً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إذ تشهد معدلات انتحار مرتفعة علاوة على تفاقم نسب الانقطاع عن الدراسة وارتفاع معدل الأمية.
وفي العام الماضي سجلت القيروان 26 حادثة انتحار أو محاولة انتحار من أصل 147 عرفتها تونس، وهي أرقام تعكس حجم الإحباط الذي باتت تعانيه البلاد في ظل أزماتها.
وقال المشرف على نادي الموسيقى في حفوز يوسف سالمي إن "النادي أضحى مصدر إلهام للشباب في المدينة بما أنه رافد من روافد النجاح في الميدان الموسيقى لما يحمله من معاني التضامن والعمل الجماعي ودعم للموسيقيين الذين لا يجدون فضاءً للنشاط واكتشاف مواهبهم".
إقبال كبير
على رغم التهميش والأزمات التي تحاصرهم فإن كثيراً من الطلاب في ولاية القيروان أصبحوا يميلون إلى الانخراط في نوادي الموسيقى من أجل النأي بأنفسهم عن هذه الأزمات.
وقال سالمي إنه "نظراً إلى الضغوط النفسية الكبيرة التي يعانيها شباب المدينة جراء أسباب عدة أهمها التوقيت المدرسي الذي سبب كثيراً من الاستياء في صفوف التلاميذ الذين عبروا عن ضجرهم من التعامل السلبي مع التوقيت والبرامج المدرسية التي تتسم بالكثرة وقلة النجاعة، إضافة إلى ذلك نلاحظ معضلة كثرة أوقات الفراغ التي من شأنها أن تخلق اضطرابات نفسية لدى الشباب لأن المدينة تعاني نقصاً حاداً في الفضاءات الثقافية والترفيهية التي من شأنها أن تخفف وتيرة الضغط والاضطرابات".
وأضاف سالمي أنه "لاحظنا أيضاً في الآونة الأخيرة إقبالاً كبيراً من شباب المدينة للانخراط في النادي لما تكتسبه من أهمية داخل المعهد وفي دار الثقافة أين وجد النادي إشعاعاً كبيراً انعكس إيجاباً على الشباب وخفف وتيرة التأزم ونسب الانقطاع المبكر عن الدراسة، وبخاصة ظاهرة الانتحار". وشدد على أن "في فترة إشعاع النادي تمكنا من كتابة أغنية وتلحينها وتصويرها في مدينة القيروان، مما زاد في عدد المنخرطين واستقطاب عديد من الأطفال، وما لاحظناه أن بعد هذا النجاح أن الموسيقى مساهمة بدرجة كبيرة في علاج الظواهر الخطرة، وبخاصة الضغوط والاضطرابات النفسية التي يعانيها الشباب".
تجربة فريدة
من جانبها، قالت مسؤولة النادي آية مخلوفي "بكل المقاييس النشاط في نادي الغناء تجربة فريدة وممتعة أشجع كل التلاميذ على الانخراط فيها، تجربتي جعلتني أكتشف ذاتي وقدرتي على الإبداع في مجال الموسيقى، كما مكنتني من رسم أهداف واضحة وعقلانية لما أريد فعله إضافة إلى الانسجام داخل المجموعة والقدرة على الحوار والتفاهم''.
تضيف مخلوفي بينما كانت تقود فريقها وهو يردد أغاني تراثية تونسية "تجربة النادي ملأت حياتي فلم أشعر بالفراغ ولا بالعبثية، بل بوجود هادف، بل أصبحت أقدر على مساعدة الآخرين من أجل اكتشاف ذواتهم بعيداً من روتين الحياة وبعيداً من الإحساس بالملل". ولفتت إلى أن "الأنواع الموسيقية التي نشتغل عليها التونسية، الشرقية والغربية، وذلك من أجل التنوع وإعطاء فرصة لكل الأعضاء في العزف والغناء".
ومع تزايد شعبية نوادي الغناء الموجهة إلى الطلاب في تونس استعانت السلطات بمسابقات من أجل تحفيز هؤلاء على مزيد من العطاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المساواة مطلوبة
وعلى رغم أن تونس تضم الآن نحو 600 ناد موسيقي موجه إلى الأطفال والشباب، فإن كثراً يرون ضرورة عدم حصر هذه النوادي في مناطق محددة واستثناء المناطق التي توصف بالنائية كونها تعاني فقراً مدقعاً، وغير ذلك.
واعتبر الباحث في علم الاجتماع زهير العزعوزي إن "نوادي الغناء في الفضاء المدرسي تشكل فرصة مهمة جداً لتدريب التلاميذ على التعايش مع بعضهم بعضاً والقيام بعمل جماعي، وغير ذلك من أجل تهيئتهم للفضاء العام والمجتمع من طريق المدرسة. ويمكن اعتبار أن نوادي الغناء صمام أمان أمام الأخطار في محيط المدرسة من عنف ومخدرات، وغير ذلك".
وأردف العزعوزي أن "هذه النوادي تعد أيضاً إطاراً تعليمياً لا نظامياً لها أثر مهم في شخصية التلميذ لاكتساب قدرات من أجل تحسس الطريق نحو المواطنة وفهم حقوقه وواجباته والإبداع أيضاً على مستوى خاص، فالأنماط الموسيقية التي تردد تنعكس على سلوك الشباب وتساعدهم على صقل مواهبهم".
وشدد المتحدث على أنه "يجب أن يكون هناك مساواة على مستوى توزيع وانتشار نوادي الغناء من خلال عدم حصرها في أماكن ومدن راقية وتهميش المدن النائية. كل الأطفال في حاجة إلى أطر تحميهم من الشارع ومن محاولات اصطيادهم لامتهان التسول أو الجريمة المنظمة".