انتهت لجنة تحكيم الدراما الرمضانية التابعة للجنة الحقوق الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان إلى اختيار مجموعة من الأعمال الدرامية الناجحة لتكريم القائمين عليها.
ورأت اللجنة أن الأعمال التي تم اختيارها تتمتع بقيمة فنية رفيعة، وتعمل في نفس الوقت على إقرار منظومة من القيم والمعايير الحقوقية التي يرغب المجلس القومي لحقوق الإنسان في إقرارها والإلحاح عليها ويرى أن الدراما التلفزيونية بفضل تأثيرها الجماهيري الواسع تساعد في تحقيق ذلك الهدف.
- مسلسل "بدون سابق انذار":
جاء في حيثيات اختيار لجنة التحكيم لمسلسل"بدون سابق إنذار"الآتي:
استعاد المسلسل قدرًا من الإيمان بالمشاعر الإنسانية المنّزهة عن السعي المادي المحموم،وانحاز للاختيارات الفطرية بعيدًا عن ضغوط المجتمع وتوجيهاته تحت مسمّى العادات والتقاليد.
لم يسمح المسلسل للمشكلات الزوجية بأن تطغى على المصلحة الفضلى للطفل المريض، وإن لم يكن هو الابن البيولوچي للأبوين اللذين تربّى في كنفهما.
وعلى ذِكر الطفل المريض هنا لابد من الإشادة بهذه الموهبة المدهشة التي استطاعت بسلاسة متناهية تجسيد معاناة صغارنا المبتلين بهذا المرض الخبيث،فنقل إلينا مشاعرهم بصدق رغم تعقيدات الدور ومسّ بأدائه الطبيعي شغاف شغاف قلوبنا.
لقد وصلَت إلينا الفكرة واضحة وصريحة، وهى أن هناك أسرة وجدَت ابنها الوحيد يواجه وحش المرض الخبيث الذي لا يرحم.. لكن على الرغم من هول المفاجأة، إلا أن الأبوين غير البيولوچيين سرعان ما تعاملا مع هذه الأزمة بعقلانية شديدة واحتفظا بقدرتهما على التفكير المنطقي حفاظاً على الطفل ومصلحته الفضلى..وعلى نفس المستوى من الشعور بالمسؤولية جاء ردّ فعل الأم الحقيقية التي جسّدت ببراعة وفي مشهد واحد كل مشاعر التردد والارتباك والقلق والضعف، وانتهت إلى الانحياز لمشاعر أمومتها.ومثل ذلك أيضًا يقال عن الجدّة التي جسّدت باقتدار دور المرأة المصرية ابنة الطبقة الوسطى المستعدة للدعم والإسناد عند الضرورة.
- مسلسل " مسار إجبارى ":
تناول مسلسل "مسار إجباري" مفهوم الأسرة بشكل يختلف عن المعتاد في الأعمال الدرامية، ويتقاطع جزئيًا من هذه الزاوية مع مسلسل "بدون سابق إنذار" الذي سبق التعرّض له والذي يقدّم بدوره المعنى المعنوي الأعمق لمفهوم الأسرة بما لا يرتبط حصريًا برابطة الدم.ويبرهن"مسار إجباري"على إمكانية بناء علاقات سوّية بين الشخصيات التي اعتادت الدراما على جَعْل تفاعلها يتميّز بالخصومة والصراع،وبدا التناغم واضحًا بين أبطال المسلسل فبرعوا في أداء أدوارهم وأقنعوا المشاهد بأنهم بالفعل يمثلون أسرةً واحدة.
ويحتوي المسلسل على مجموعة من القيم التي تدور حول سيادة القانون والنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد وجميعها من أسس النظام الديمقراطي الذي يرتبط بمنظومة حقوق الإنسان برباط وثيق.كما ركّز المسلسل على قيمة الحق في الحياة التي هي أسمى حقوق الإنسان، وكذلك على قيمة المساواة في الكرامة الإنسانية بغض النظر عن الانتماء الطبقي والخلفية الاجتماعية.
- مسلسل "كامل العدد" ( جائزة لجنة التحكيم)
نجح المسلسل في إعادة الاعتبار للكوميديا الاجتماعية، ولم يتورط شأن غيره في الاستهانة بفكرة الضحك وشروطه.. وانتصر المسلسل لمبدأ البطولة الجماعية ، وأبرز سعي جميع أبطاله على اختلاف أعمارهم نحو خلق علاقات حب متكافئة، كما استعرض بطريقة مدهشة تنامي إحساس الحب في كل الأعمار والمراحل بطريقة عززت تصاعد التوترات الدرامية وخلقت إيقاعاً فريداً للمسلسل يندر وجوده في الأعمال ذات السمة الاجتماعية .
وتجلت كفاءة صناعة في بلوغ أعلى مستويات الأداء التمثيلي المحترف وأتاحت مشاهد التجمعات العائلية المتكررة المجال لتأكيد الروح المفعمة بالحياة والتي نجحت في لفت نظر الجميع.
- جائزة إنجاز العمر ( المخرجة / إنعام محمد على)
عندما يكرّم المجلس القومي لحقوق الإنسان المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي، فإنه إنما يكرّم واحدة من أبرز أعضائه في الفترة من أبريل 2011 إلى يناير 2012، ورئيس لجنة تحكيم الدراما الرمضانية به في الفترة من 2013 إلى 2021، وهذا يعني أنها من أهل البيت كما يقولون.. لكن التكريم ينبع أيضًا من أنارتباط إنعام محمد علي بقضايا حقوق الإنسان وبقيم حقوقالإنسان هو ارتباط مؤسسي بالإضافة إلى كونه ارتباطًا فنيّا.
اقترن اسم إنعام محمد علي بعدد من الأعمال التي صارت علامات مضيئة في تاريخ الدراما التلڤزيونية.. في حكايات الغريب عالجَت حالة التيه الذي عاشها الشعب المصري في الفترة الفاصلة ما بين هزيمة يونيو ونصر أكتوب، فكان هذا الغريب هوالسراب الذي يبحث عنه الجميع ولا يعثر عليه الجميع، لكن هذه الفترة من تاريخ مصر المعاصر كان لها وجهها الآخر، وهذا الوجه هو الاستعداد لتحرير أرض سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.. ومن هنا أخرجَت إنعام محمد علي فيلمها الرائع الطريق إلى إيلات الذي يجّسّد جانباً من بسالة الجيش المصري أثناء حرب الاستنزاف،وهي حرب قلّما يشار إليها باعتبارها التي مهّدت لنصر أكتوبر، فنصر أكتوبر ما كان له أن يأتي من فراغ.
ومن القضايا الوطنية إلى القضايا الاجتماعية، انحازت إنعام محمد علي لقيم المساواة والحرية والعدالة والعقلانية، ومن هنا كان من الطبيعي أن تأتي المرأة في صميم اهتمام مخرجتنا القديرة وعلى رأس أولوياتها.. ففي مسلسل "هي والمستحيل" دافعَت عن حق المرأة في التعليم، وفي مسلسل "آسفة أرفض الطلاق" تناولَت بعض أوجه الخلل في قوانين الأحوال الشخصية، وفي مسلسل "قاسم أمين" نبهّت إلى الدور الذييمكن أن يلعبه المفكّر المستنير في مجال تحرير المرأة.
ولأنها تؤمن بدور المرأة في التغيير، تحمّست لإخراج اثنين من المسلسلات التي لعبت فيها المرأة دورًا تغييرًا وإن يكن هذا الدور في اتجاهين مختلفين، فإذا كان مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، هو البوصلة الأخلاقية لبناء مجتمع سليم، فإن مسلسل "أم كلثوم" كان هوالبوصلة الفنيّة الموجهّة صوب الارتقاء بالذوق العام والتوحّد بين الفنان وقضايا الوطن.
وهكذا وعلى مدار تاريخها الطويل ظلّت إنعام محمد علي تشتبك مع قضايا وطنها ومجتمعها اشتباكًا فيه من العمق والذكاء بقدر ما فيه حساسية مفرطة تلفت الانتباه للسلبيات فترصد أثر التفاوت الطبقي على العلاقات الإنسانية في مسلسل "الحب وأشياء أخرى"، وتعظّم من النماذج الإيجابية فتقدّم شخصية تنويرية بامتياز للعالِم الدكتور مصطفى مشرّفة.
إننا إزاء شخصية نسائية فاخرة بكل المقاييس، شخصية حصدَت العديد من الجوائز عن أعمالها من داخل مصر وخارجها وكان من بينها جائزة المركز الكاثوليكي عن فيلميها حكايات الغريب والطريق إلى إيلات، ونحن نشرف اليوم بوجود الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي بيننا كعضو في لجنة تحكيم الدراما الرمضانية.
كما نالت إنعام محمد علي تقديرًا من أعلى مستويات الدولة المصرية لقيمة المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي قامت من خلال تكريمها باثنين من أرفع الجوائز: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزة الدولة التقديريةفي مجال الفنون.
إن اسم إنعام محمد علي هو اسم يقف وراءه تاريخ من العطاء الفني المتدفّق،كما أنه اسم يقترن برؤية مُحمّلة بكل قيم منظومة حقوق الإنسان، وليس أكثر تحقيقًا لرسالة المجلس القومي لحقوق الإنسان من تكريمك بجائزة إنجاز العمر.
- جائزة التميز ( الكاتب / أسامة أنور عكاشة):
تكريم اسم ومسيرة وأعمال الكاتب الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة اليوم من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان أمر طبيعي ومتوقع، هذا المبدع الراحل .. لكن الحاضر دائماً، ظل طيلة حياته مختلطاً بالناس.. مرتبطاً بالمجتمع.. واضعاً الماضي نصب عينيه حتى يتمكن من فهم الحاضر، والتعامل مع المستقبل.. لذلك جاءت أغلب أعماله من الناس وعنهم ولهم.
حكى أسامة أنورعكاشة قصص الناس وحكاياتهم اليومية .. فجاءت أعماله مرآة عاكسة لهمومهم وآمالهم وحقوقهم ، دقت "الراية البيضاء" جرس الإنذار، حذرت رائعته من صراع المال والمبادئ ، والجهل والعلم، ونفوذ الثراء وقوة الأصول والقيم والظلم والحق.
أرخ للتاريخ الحديث للمصريين في "ليالي الحلمية" والصراع بين البشوات والطبقات الشعبية وحقوق كل منهما، وثق في "زيزينيا" إنصهار الجنسيات والثقافات المختلفة في مصر في تناغم تام .. بحث عن "الهوية المصرية" في "أرابيسك".. رصد النفس الإنسانية وتناقضاتها في "الشهد والدموع.. سار مع "دون كيشوت" المصري الباحث عن المثالية في عالم أبعد ما يكون عنها في "رحلة أبو العلا البشري"، استعرض معركة الحق في مجتمع التبست قيمه ومبادئه في "ضمير أبلة حكمت".
وتوالت أعمال أسامة أنور عكاشة لتلقي لنا ضوءاً يساعدنا على فهم الصراعات النفسية والإحتقانات الإجتماعية ، وحروب القيم والمبادئ ، كل ذلك بسلاسة وكياسة ويسر.
لم يخدش حياء يوماً، أو يضحي بقيمة أو إبداع في سبيل الشهرة والنجومية.. فجاءته الشهرة، وتمكنت منه النجومية في كل بيت مصري وعربي.. إنها نجومية القيمة والمبدأ والأصالة، قيمة الإنسان في زمن صعب، وقيمة المجتمع في نظام عالمي قاس.
اليوم، يكرم "المجلس القومي لحقوق الإنسان" مَن وضع الإنسان نُصب عينيه وقلبه وعقله وقلمه في كل عمل كتبه.. لم يكن أسامة أنور عكاشة مبدع الغلابة، أو كاتب الفقراء، بل كان مبدع الجميع وكاتب كل العصور.
تحية خالصة إلى اسم ومسيرة وأعمال الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، الذي نحتفي أيضاً بمرور 14 عاماً على رحيله ، مع بقاء أعماله وأفكاره وإبداعاته لتثري حياتنا وقيمنا وأفكارنا.
جانب من الحضور