نموذج الأنوثة المعاصرة في الكتابات الاعترافية الإلكترونية

منذ 1 سنة 196

من المتعب أن تكوني امرأة شابة، بخاصة إذا كنت ذكية أو مبدعة، لا سيما في سياق علاقاتك مع الرجال على وجه التحديد. فهذه العلاقات هي معقل الإصابة بالألم، والسعي خلفها يحطّمك. وفي خضم الرحلة للملمة نفسك وترميمها، يجب أن يكون سرد قصتك وقول الحقيقة الخطوة الأولى والأهم للشفاء. أخبرينا بحقيقة المرارة التي عشتها. أفصحي عن كل أشكال الأذية التي تعرضت لها من العالم، ومن الرجال الموجودين فيه. إنه عمل نسوي. أو على الأقل، هذا ما تعلمناه من المقالات الشخصية الأكثر انتشاراً خلال السنوات القليلة الماضية.

خذي مثلاً المجموعات الواسعة من قصص "الاعتراف" النسائية المروية بألسنة صاحباتها التي انتشرت مثل النار في الهشيم أخيراً. قبل أقل من شهر، نشرت صحيفة "ذا غارديان" مقالاً بعنوان "حبيبي الكاتب هجرني لأنني كاتبة". تسرد الكاتبة الأميركية إيزابيل كابلان فيه كيف شعر حبيبها بأنه مهدد لأنها كانت تكتب يومياتها، ولاحقاً من نجاحها الأدبي. إنها تنتقد الأسلوب الذي كان يتحدث به "بسخرية عن وفرة الروايات التي تتناول النساء ومشاعرهن وكذلك طريقة حديث النساء بشكل عام عن المشاعر". كتبت أنه أطلق على هذه الظاهرة اسم "الهشاشة المحشودة". تقارن نفسها بـ نورا إيفرون، الأديبة البطلة في نظر حبيبها، وتصفها بأنها "شفيعة الهشاشة المحشودة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من العناصر الجوهرية في مقالة كابلان فكرة أن هذه القصة الشخصية لانهيار علاقتها لا تتعلق فقط بها وبشريكها السابق، ولكنها رمزية وبمثابة دراسة حالة لأدوار الجنسين. تذكر كابلان صراحةً في مقطع ما أن "قدرة المرء على الانحناء بقدر ضئيل في كل مرة بينما يبدو أنه يقف بشكل مستقيم هي مهارة مفيدة ومرتبطة بجنسه... معظم النساء اللواتي أعرفهن يفعلن ذلك بانتظام. إنهن ينحنين حتى يلتوين بالكامل مثل عجينة يتم تشكيلها ثم يلمن أنفسهن على آلامهن الجسدية".

عام 2019 رسم مقال آخر انتشر بشكل واسع أيضاً، هذه المرة في مجلة "ذا باريس ريفيو" الأدبية، صورة مشابهة بشكل لافت. كما في مقال كابلان، دار مقال "زوجة طائر الكركي" المترددة لـ سي جيه هوزر حول علاقة محطمة، وحرمان امرأة من حاجاتها ورغباتها، وامرأة تعلم نفسها إنكار حاجاتها ورغباتها. في جوهر المقال هناك قصة من الفولكلور الياباني عن "زوجة طائر الكركي"، عن أنثى طائر تخدع رجلاً ليصدق أنها امرأة عن طريق نتف ريشها بالكامل كل ليلة. تكتب هوزر: "كل صباح، تكون زوجة طائر الكركي منهكة، لكنها تكون امرأة مرة أخرى". بالنسبة للمؤلفة، فإن هذه المحتالة الفلكلورية وأنثى الطير البائسة، مثل نورا إيفرون في مقال كابلان، هي شفيعة أخرى للهشاشة المحشودة. إنها الروح المرشدة في المقال، تساعده على الانتقال برومانسية من الفردي والخاص إلى العام والهوية الجنسية العامة. تكتب هوزر: "أن تصبحي امرأة باستمرار هو جهد يمحو الذات إلى حد كبير... إنها لا تنام أبداً وتنتف ريشها بالكامل، ريشة تلو الأخرى".

في كلتا الحالتين، كان الرد العام على هاتين القصتين الشخصيتين عن الالتواء والنتف والألم ومحو الذات متملقاً. سارعت النساء عبر الإنترنت إلى إضفاء الكلمات الطنانة المعاصرة على المقالين: "ضروري". "شجاع". "هناك قاسم مشترك بيننا"، بينما أعلنت تغريدة واسعة الانتشار: "انسي قراءات الأبراج... أخبريني بأي مقطع من قصة "زوجة طائر الكركي" تحتفظين حتى أدلك فوراً على المعالج النفسي المناسب لك". من نواحٍ عدة، تعتبر هذه التغريدة ملخصاً متقناً للمرأة العصرية التي يبدو أن هذين المقالين يتحدثان عنها وإليها. إنها امرأة تنجذب إلى الروايات التي تشرح وتصنف شخصيتها وخبراتها وعواطفها؛ حضورها على الإنترنت مبالغ فيه، تحضر جلسات علاج نفسي، تسخر من المصطلحات العلاجية وتثمنها بنفس القدر. والأهم من ذلك، أنها تتواصل مع نساء أخريات من خلال الألم العاطفي المتبادل، إلى جانب الفهم المشترك بأن "الرجال قمامة".

على مدار العام الماضي، بدأ عدد قليل من النقاد في تفكيك وتحليل هذا النمط من الكتابة الاعترافية، ونموذج الأنوثة المعاصر الذي يتبناه. معظمهم نساء من جيل الألفية يعملن في مجالات إبداعية، الفئة ذاتها التي من المفترض أن ترتبط بهذه التصورات عن الفتيات الذكيات والناجحات ولكن الخاضعات بلا حدود. بدلاً من ذلك، يزداد عدد المنادين بوضع حد لهذا التصوير المفرط في تبسيطه لنوع الجنس والعلاقات.

في أغسطس (آب)، انتقدت الصحافية والمؤلفة ريتشيل كونولي مجموعة مقالات هوزر التي تحمل عنوان "زوجة طائر الكركي: مذكرات في مقالات". كتبت كونولي عن ميل المجموعة إلى استبعاد النزعة الذاتية لمصلحة "العموميات الكاسحة التي لا تبدو غير صحيحة تماماً، ولا سيما في المقولات المتعلقة بكيف تكون النساء وكيف يتصرفن، ومن ثم الشكل الذي تميل إلى اتخاذه العلاقات بين الجنسين". تطرقت كونولي إلى هذا الموضوع مجدداً في مقال نشرته مجلة "سليت" قبل أسبوعين، مشيرة إلى أن التوجه نحو كتابة مقالات من نمط ما كتبته هوزر وكابلان لا يشيد "بصدق المرأة... لكن بذل الإناث". تشير كونولي إلى أن الذل في مجتمع أبوي يسعد بخضوع المرأة ويطالب به، يعتبر "سلعة ثمينة للغاية".

كما كتبت الصحافية مويا لوثيان ماكلين في "ذا غارديان" مستنكرة ذائقة الثقافة المعاصرة للروايات التي تؤطر العلاقات من خلال الأدوار المختزلة للضحية والشرير. لوثيان ماكلين التي سمت هذا النوع من الكتابة بـ "إضفاء صفة الضحية بشكل رومانسي" قالت إن هذه القصص مبنية أيضاً على "العموميات الكاسحة... في ما يتعلق بكيف يكون الرجال وكيف يتصرفون في العلاقات الرومانسية". في كتابات الاعترافات المعاصرة هذه، إذا كانت المرأة تنحني وتلتوي، فإن الرجال يهينون ويهملون. بشكل أساسي، تتطلب قصة "العلاقة السيئة" القياسية تصوير الرجال على أنهم أنانيون بطبيعتهم وعديمو الشعور ومسيؤون، من أجل تكوين صورة عن الأنوثة على أنها نكران للذات ومعاناة طويلة الأمد. إلى أي مدى بالضبط تعتبر هذه الماهية الجنسية شجاعة أو جريئة أو راديكالية من الناحية السياسية؟

كشف نص شخصي آخر نشر في "ذا غارديان" هذه السنة عن الجوهر التقليدي للعديد من المقالات الشخصية الحديثة. تدور المادة التي كتبتها الصحافية فيبي ماكدويل حول "صدمتها وارتباكها" حيال كشف حبيبها آنذاك أنه متحول جنسياً. في نصها المكتوب بلسان المتحدث، تتحول تجربة شخص يتصالح مع هويته الجنسية بطريقة ما إلى نوع من الإساءة الزوجية. طوال المقال، لم تركز ماكدويل على تجربتها الخاصة فحسب، بل أشارت بطريقة خاطئة إلى جنس شريكها السابق وأظهرت غضباً واشمئزازاً واضحين من تغيير جنسه وصلا حد تمنيها أن يصبح عقيماً. كتبت ماكدويل: "إذا لم يكن بإمكاني إنجاب طفل منه، إذن ليس من المفروض أن يتمكن أحد من ذلك". هذه هي النتيجة التي يفضي إليها حقاً اختزال الماهية الجنسية الموجود في صميم هذه النصوص الشخصية الرائجة، إنها تؤدي إلى ذعر أخلاقي كاره للمتحولين جنسياً يعتمد على تخيل المرأة المتوافقة الجنس على أنها ضعيفة بشكل فريد وفطري.

ولأن هذا النوع من السرد الاعترافي يتمتع بشعبية واسعة، فإن محاولة انتقاده أو تفكيكه يمكن أن تكون شائكة. وكي يتمكن المرء من مناقشة هذه القصص أساساً، يبدو من الضروري توضيح أنها ليست عن سوء المعاملة. صحيح أنها تميل إلى كونها قصصاً تتضمن شريكاً رومانسياً يغش أو يكذب أو متجاهل وفظ عادة. إنها قصص عن العلاقات السيئة، حيث يشعر أحد الطرفين المعنيين على الأقل بأنه غير مدعوم وغير محبوب. لكنها ليست قصصاً من نمط "مي تو" #MeToo على رغم الطريقة التي يتم تلقيها بها غالباً. في عصر الصدمة والشهادة الراهن، يبدو أن الأمور هذه قد اختلطت. ثبت ذلك بشكل حاسم عندما أدينت لوثيان ماكلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد نشر مقالها في "ذا غارديان"، باعتبارها مدافعة عن الإساءة. ما هي جريمتها المعلنة؟ ببساطة اقتراحها أن عمل النسويات يجب أن ينطلق من الاعتقاد بإمكانية تغير الرجال، والمجتمع الأبوي الذي يمنحهن ميزات لكنه يدمرهن أيضاً.

في مقال نشرته مجلة "ذا نيويوركر" في يناير (كانون الثاني) وانتشر على نطاق واسع، وصفت الناقدة بارول سيغال هيمنة "حبكة الصدمة" على الكتابات الأدبية والواقعية، وأن "علينا الحذر من أن التشكيك في دور الصدمة يعني قمعها". تستشهد بالكاتبة ميليسا فيبوس، التي تقترح في كتابها "إصلاح شكلي: القوة الراديكالية للرواية الشخصية" Body Work: The Radical Power of Personal Narrative بأن أي شخص يشكك في روايات الصدمة يكرر "الدور الكلاسيكي للجاني المتمثل في إنكار الضحايا وتجاهلها وتشويه سمعتها من أجل تجنب التورط أو فقدان السلطة".

تتمثل المشكلة في أن معرفة نظرية الصدمة ولغة الإساءة التي اكتُشفت حديثاً على نطاق ثقافي واسع أدت إلى تطبيق هذا على حالات وعلاقات، على رغم أنها مزعجة بلا شك، هي توافقية وأكثر تعقيداً مما يسمح به التقسيم الصارم لدوري "الجاني" و"الضحية". نشأ جيل الألفية على أفكار متشابكة مفادها بأن "صدماتك مشروعة، ومشاعرك مشروعة، وتجربتك مشروعة" و "أن ما هو شخصي سياسي". ومع ذلك، يبدو أن الجذور الراديكالية لهذه المعتقدات قد اختزلت في نص واحد موجود في كل أنواع العلاقات المليئة بالذعر من سوء المعاملة. ثم يتم رسم رابط واضح بين الشرير والضحية المثالية، الرابط الذي يلتوي بشكل مجازي مثل قطة عجين يتم تشكيلها أو ينتف ريشه مثل طائر أسطوري.

كما أن الإشادة بهذه الروايات تضر بالطبيعة المعقدة والمتنوعة للصدمة وسوء المعاملة. لأنه إذا انحرفت تجربة شخص ما، أو ردود أفعاله تجاه تلك التجربة، عن النص، فهناك ميل إلى تجاهلها. ما عليك سوى إلقاء نظرة على دعوى التشهير التي رفعها جوني ديب ضد آمبر هيرد هذا العام، حيث قاضى الممثل زوجته السابقة بتهمة الإضرار بسمعته من خلال التلميح إلى العنف المنزلي في زواجهما في مقال افتتاحي في إحدى الصحف. أقبلت جحافل من الناس على السخرية من شهادة هيرد وتشويه سمعتها، على رغم الكم الهائل من الأدلة التي كانت في مصلحتها، وبعد أن فازت هيرد بالفعل بدعوى قضائية في المملكة المتحدة وجدت أن الإشارة إلى ديب على أنه "ضارب زوجته صحيحة إلى حد كبير". من وجهة نظر كثيرين في الإنترنت، لم تؤد هيرد دور المرأة المتضررة بما يتناسب وتوقعاتهم وذوقهم.

عندما يكون "وجود صلة" هو المعيار السائد للحكم على الكتابة المعاصرة والثناء عليها، وعندما يدور الكثير منها حول قدرة المرأة على تلقي الصدمة والإذلال، يجب أن يجعلنا هذا نتساءل عن أنواع المعاناة التي من المفترض أن نتعاطف معها. لماذا على سبيل المثال، يتمتع الكثير من هؤلاء الفتيات الحزينات المعاصرات والنساء غير المحبوبات بالجمال التقليدي، ويكن شابات وإناثاً متوافقات الجنس وبيضاوات؟ هل يساعد التشبث بسرد الضحية المثالي والملتوي على إخفاء هياكل السلطة التي تمنح هؤلاء النساء في الواقع تأثيراً كبيراً وقوة شخصية؟

في نهاية المطاف، يشير تفشي مجاز الفتاة البيضاء المعذبة في الثقافة المعاصرة إلى أن الحزن والمعاناة هما ما يجعل هؤلاء النساء ذوات قيمة ومثيرات للاهتمام وجديرات به وأن الاعترافات الصادمة للفتيات الصغيرات البيضاوات الجميلات مربحة. بالنظر إلى صفقات الكتب ومكانة الشخصية شبه المؤثرة الممنوحة لكاتبات الاعترافات المنتشرات في العصر الحديث، يبدو تعبير "الهشاشة المحشودة" أقل دقة من "الهشاشة المربحة". الشيء الواضح هو أنه تيار يجب أن يكون لديه عدد أقل بكثير من الشفعاء في الأيام المقبلة.