نماذج لأجنة مختبرية تبعث على الأمل وتثير المخاوف في آن.. لماذا؟

منذ 1 سنة 131

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ما برح انقسام وتكاثر الخلية البشرية كي تصبح جسمًا بشريًا يتكوّن من أكثر من 30 تريليون خلية، يشكّل أحد أكبر الألغاز في العلم.

فمنذ اللحظة التي تندمج فيها الحيوانات المنوية مع البويضة، يبدأ الجنين البشري بالتطور وفق سلسلة من العمليات المعقدة وغير المفهومة. والكثير ممّا هو معروف عن تطور الأجنة مصدره حيوانات مثل الفئران والأرانب والدجاج والضفادع، ذلك أن الأبحاث على الأجنة البشرية تخضع لرقابة وتنظيم شديدين في معظم الدول.

لكنّ كل ما تكشفه الدراسات على الحيوانات للباحثين يبقى محدودًا. ما يحدث أثناء تطور الجنين البشري، لا سيّما في الشهر الأول الحاسم، لا يزال مجهولًا إلى حد كبير.

وقال جاكوب حنا، أستاذ بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الأجنة بمعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل: "الرواية الأساسية نجدها في الشهر الأول، أما الأشهر الثمانية المتبقية من الحمل عبارة عن الكثير من النمو، بالأساس. لكن هذا الشهر الأول ما برح بمثابة صندوق أسود إلى حد كبير".

إنّ القدرة على كشف أسرار هذا الصندوق الأسود من شأنه أن يفتح عالمًا من الإمكانيات الطبية الحيوية، ما يسمح للعلماء بإزالة الغموض عن حلقة ما زالت غامضة حول تطوّر الجنين. وفي حال تمكن العلماء من كشف سر الشهر الأول فإنّ ذلك يؤدي إلى فهم أفضل لحالات الإجهاض، والعيوب الخلقية، والآثار الجانبية للأدوية التي يتم تناولها أثناء الحمل. ويعتقد بعض الباحثين أنهم وجدوا طريقة للقيام بذلك، تتجاوز الحاجة إلى البويضات أو الحيوانات المنوية.

فمن خلال تسخير التقدم في مجال الخلايا الجذعية، تعمل المختبرات في أنحاء العالم على تصنيع أنسجة شبيهة بالتي تؤلف الجنين، وهي مجموعة من الخلايا تعمل كالجنين، لكن لا يمكنها أن تنمو كي تصبح جنينًا.

وقد أعطت الإنجازات الحديثة المحققة في هذا المجال التي تتوّج سنوات من العمل المختبري المضني، الأمل وبعض القلق. فقد أثارت أسئلة ملحة حول الوضع الأخلاقي لهذه النماذج، وإلى أي مدى ينبغي معاملتها كأجنة بشرية، وما إذا كانت عرضة لسوء الاستخدام.

ما الذي حقّقه العلماء تحديدًا؟

إنّ الأنسجة الشبيهة بالجنين في الأساس، عبارة عن كتل من الخلايا المزروعة في المختبر، حجمها أصغر من حبة الأرز وتمثل المراحل الأولى من التطور البشري، قبل أن تتشكّل أي أعضاء. ليس لديها قلب ينبض أو عقل.

تُظهر النماذج الأكثر تقدمًا، التي كشف عنها فريق إسرائيلي في سبتمبر/أيلول، وكان حنا جزءًا منها، جميع أنواع الخلايا الضرورية لنمو الجنين، المشيمة، والكيس المحي، والكيس المشيمي (الغشاء الخارجي)، والأنسجة الأخرى التي يحتاجها الجنين حتى يتطوّر.

تُركت الهياكل حتى تتطور مدة ثمانية أيام، فوصلت إلى مرحلة نمو توازي اليوم الرابع عشر للجنين البشري في الرحم، وهي لحظة مهمة تكتسب فيها الأجنة الطبيعية الهياكل الداخلية التي تمكنها من المضي قدمًا إلى المرحلة التالية: تطوير أسلاف أعضاء الجسم.

جنين مختبرجاكوب حنا، أستاذ بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الأجنة، في مختبره بمعهد وايزمان، إسرائيل.Credit: Courtesy Jacob Hanna/Weizmann Institute

وقال حنا إنها النماذج الأكثر دقة التي تم تطويرها حتى الآن، وبخلاف تلك التي أنشأتها فرق أخرى، لم يتم إجراء أي تعديل وراثي عليها لتشغيل الجينات اللازمة من أجل توليد أنواع مختلفة من الخلايا، فقط استخدُمت عليها دفعات كيميائية.

ولفت إلى أنّ "الأمر لا يقتصر على تجميع الخلايا معًا، وهي موجودة هناك، لكن عندما ترى الهندسة المعمارية، تبدأ أيضًا برؤية تفاصيل دقيقة جدًا".

كيف يمكنك تنمية جنين في المختبر؟

لم يستخدم فريق حنا البويضات المخصّبة. لقد بدأوا بالخلايا البشرية المعروفة باسم الخلايا الجذعية متعددة القدرات، التي تسمح ببرمجتها في العديد من أنواع الخلايا، وتستخدم على نطاق واسع بأبحاث الطب الحيوي. وبعضها مشتق من خلايا الجلد البشرية البالغة.

بعد ذلك، أعاد الفريق برمجة هذه الخلايا إلى ما يسمونه "الحالة الساذجة" التي تتوافق مع اليوم السابع من تطور الجنين البشري الطبيعي، في الوقت الذي يزرع فيه نفسه بالرحم. تم تقسيم هذه الخلايا "الساذجة" إلى ثلاث مجموعات.

إحدى المجموعات، التي كان يفترض أن تصبح جنينًا، لم تُمس. تم "تحفيز" المجموعتين الأخريين باستخدام مواد كيميائية معينة تعمل على تشغيل جينات معينة لتتطور إلى الأنسجة اللازمة بغية دعم الجنين، مثل المشيمة. وقال حنا إنه بعد يومين، تم تجميع المجموعات الثلاث معًا.

وأوضح حنا أنّه "في الأيام الثلاثة الأولى، لا ترى الكثير، بل ترى فقط مجموعة من الخلايا تنمو. لكن بحلول اليوم الرابع، تبدأ برؤية.. أنه بات هناك نسيجًا، كما تعلمون، يمكنك معرفة أين سيتشكل الجنين.. وأين سيكون الكيس المحي".

وفي المرحلة المعادلة لليوم السابع، كانت نماذج الأجنة البشرية الاصطناعية عبارة عن مجموعات من حوالي 120 خلية، يبلغ قطرها معًا حوالي 0.01 ملم. وبحلول اليوم الرابع عشر، كانت تحتوي على حوالي 2500 خلية ويبلغ قياسها نصف ميليمتر.

وأشار حنا وفريقه إلى أنّ النماذج تحاكي بأمانة الطريقة التي يكتسب بها الجنين المبكر جميع الهياكل التي يحتاجها لبدء تحوله إلى جنين. وطابق التنظيم الداخلي الصور الموجودة في أطالس علم الأجنة التي تم إنتاجها في ستينيات القرن الماضي، وعندما طبّقوا إفرازات من الخلايا على اختبار الحمل التجاري، جاءت النتيجة إيجابية.

ومع ذلك، فإن 1% فقط من الخلايا المجمعة استمرت في التنظيم الذاتي لتشكل بنية تشبه الجنين. وقال حنا إن هناك حاجة إلى نسبة أعلى بكثير لجعل نماذج الأجنة أداة مفيدة للعلماء، وهو أمر ممكن، لكن من المرجح أن يستغرق سنوات حتى يصير مثاليًا.

وتابع: "أعتقد أننا سنكون قادرين على تعلم الكثير من نماذج الأجنة القائمة على الخلايا الجذعية. هناك بعض العيوب في الوقت الحالي. قال بيتر روغ-غان في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع: "إن تصنيعها غير فعال للغاية، لذلك من الواضح أنه يجب زيادة الكفاءة لتعظيم ما يمكن أن نتعلمه من هذه النماذج". روغ-غان هو قائد المجموعة ورئيس المجموعة العامة المشاركة في معهد بابراهام، الذي يركز على أبحاث علوم الحياة.

البديل الأخلاقي؟

جنين مختبرنموذج جنين بشري قوامه الخلايا الجذعية، أنتجه حنا وزملاؤه، في مرحلة نمو تعادل اليوم السادس لدى جنين بشري طبيعي.Credit: Courtesy Jacob Hanna/Weizmann Institute

ويزعم العديد من العلماء أن نماذج الأجنة البشرية، لا سيما إذا كان ممكن إنتاجها بأعداد كبيرة، تقدم بديلاً أخلاقياً للبحث في الأجنة البشرية النادرة والثمينة التي يتم الحصول عليها عادة كمنتج ثانوي لعملية التلقيح الصناعي.

وقالت ناعومي موريس، قائدة المجموعة في مختبر النماذج التنموية التابع لمعهد فرانسيس كريك في لندن "بسبب قاعدة الخلايا الجذعية، يمكننا توسيع نطاق كل شيء. يمكننا إجراء تجارب عليها لا نستطيع إجراؤها على الأجنة (البشرية) الثمينة والنادرة. إنها تغير أنواع التجارب التي يمكننا القيام بها والأسئلة التي يمكننا الإجابة عليها".