♦ الملخص:
امرأة متزوجة منذ ثلاثة أشهر، زوجها على خلق ودين، وتذكره بخير كثير، لكنها ترى أنه مقصر في بعض الأمور الدينية، وهي لم تكن تريد زوجها كذلك، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة منذ ثلاثة أشهر، في منتصف العشرينيات تقريبًا، كنت فيما مضى أريد التزوج بشخص ملتزم يؤدي فرائض الله، ويتعلم العلم النافع، ويهتم لأمر أمته، وفي سن التاسعة عشرة أو العشرين بدأ يتقدم إليَّ خطَّاب كثر، وأنا أبادر برفضهم؛ لأني لم أجد فيهم ما كنت أطمح إليه، خُطبت لشابٍّ ملتحٍ ملتزم من قبل، رغم أنه غير متكافئ معي من الناحية الاجتماعية، ولكن لأجل ديانته، ثم فسخت خطوبتي معه؛ لأن أخته كانت متبرجة، لكن أقاربي والجميع شرعوا ينصحون لي، يقولون: (اقبلي، ليس شرطًا أن يكون ملتزمًا جدًّا، كُفِّي عن المثالية ...)، وفي تلك المدة أخذت سندًا متصلًّا في كتاب الله تعالى، وعملت في تعليم القرآن على الإنترنت، وتعلمت أعمالًا يدوية، ودخلت دورات شرعية، فاللهم لك الحمد على نعمائك، ومن تلك النِّعم زوجي؛ الذي تقدم إليَّ مرتين؛ رفضته في الأولى؛ لفارق السن الكبير بيننا (12 عامًا)، وللسمنة المفرطة، ثم قبلتُه بعد أن أجرى عملية في المعدة، واعتدل قوامه، وفي الرؤية الشرعية تأكد لي موافقة أفكاره لأفكاري، فوافقت عليه بعد الاستخارة، زوجي به مزايا عدة؛ منها: (الكرم، والحفاظ على الصلاة، الطيبة، سماحة النفس، تقبل مزاجي عند التعب، يسترضيني بكافة الطرق، أهله طيبون وذوو دين، يلتزم بكافة طلبات المنزل، لا يدخلني في صراع العمل، ولا يقبل الاختلاط، غيور جدًّا، يحبني لأقصى حدٍّ، يتقي الله في عمله، ولا يقبل أكل الحرام، يعمل عملين لكفاية البيت ...)، قل ما شئت فيه من المزايا ومحاسن الأخلاق؛ لذا فقد أحببته حقًّا، لكن ثمة معاصيَ ظاهرة يقترفها زوجي؛ مثل: فوت الجماعة في المسجد، سيما صلاة العصر؛ إذ يكون راجعًا من عمله الحكومي، الذي يبعد عنا 90 كيلومترًا، وأحيانًا يتساهل في سماع الموسيقى المصحوبة بإعلانات البرامج، لا يجتهد في طلب العلم؛ فقد كنا متعاهدين على أن يكون لنا معًا وردٌ من القرآن، ومدارسة بعض العلم، لكن ذلك الكلام لم يحدث، أيضًا زوجي لا يجتهد في تزكية نفسه، وبسبب هذه الأمور يعتصر قلبي ألمًا، وأخفي دموعي حتى لا يراها زوجي، ثم إن الشيطان يلقي إليَّ هواجس بأنني لو لم أتزوج لكان ذلك أفضل، وأن أولادي سيشبُّون على رؤية واعتياد المعاصي؛ حتى يضيق ذرعًا بزوجي، لكن لا أبيِّن له ولا أمنعه حقه، ولا أعبس في وجهه، وأحسن التبعل له، هذا بشهادته هو، فهو يقول لي: (أنتِ تفعلين كل ما يسعدني، أنتِ هدية ربنا لي)، وقد نصحت له بلين وإشفاق كثيرًا، فماذا أفعل؟ وهل أنا مصابة بوسواس يضخم أخطاء زوجي؟ قلبي يضرم نارًا، وأدعو الله له في كل صلاة، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص رسالتكِ هو:
١- أنتِ مستقيمة على شرع الله سبحانه، وكنتِ تتمنين زوجًا مستقيمًا مثلكِ مُعظمًا لشعائر الله ولحرماته.
٢- ولهذا السبب رفضت عددًا من الخطَّاب.
٣- واتهمكِ الناس بالتشدد في هذا الأمر، وتضايقت جدًّا من هذه الاتهامات.
٤- ثم قبلتِ بزوجٍ عددتِ مزاياه الكثيرة، ثم ذكرت بعض السلبيات فيه التي تتبرمين منها كثيرًا، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: تشكرين كثيرًا لحرصكِ على سلامة استقامة دين مَن يتقدم للزواج منكِ.
ثانيًا: الناس عابوا عليكِ حرصكِ، ربما لتساهل بعضهم فيما تطمحين له، وبعضهم ربما شفقة عليكِ، ورغبة في الخير لكِ من وجهة نظرهم.
ثالثًا: ذكرتِ في زوجكِ ميزات عالية، ثم ذكرتِ فيه بعض النواقص، فينبغي أن تفرحي بالمواصفات العالية التي فيه، وتشكري الله سبحانه عليها، وتتعاوني معه على سدِّ النواقص بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والدعاء له.
رابعًا: لا تشغلي نفسكِ بالتفكير في المستقبل؛ فعلمه عند الله سبحانه، وأنتِ بيدكِ بذل الأسباب فقط، مع قوة الثقة بالله سبحانه، أما التوفيق والهداية والإعانة على الطاعة، فهي بيد الله سبحانه؛ قال عز وجل: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].
خامسًا: يبدو أن فيكِ حرصًا زائدًا على كمال الأشياء، وألمًا شديدًا على النقص فيها، وهذا يورثكِ القلق والبكاء وانتقاص ما لديكِ من مميزات في زوجكِ، فاعتدلي في ذلك كله، فالتوسط خير كله، مع بقاء مبدأ المناصحة بالرفق واللين؛ قال سبحانه:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
حفظكِ الله، وثبتكِ، وأسعدكما.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.