نظام غذائي صحي يرافق رمضان في موريتانيا

منذ 1 سنة 175

يحافظ علوات الغوث (53 سنة) على عاداته الرمضانية التي ورثها عن آبائه في مسقط رأسه بأقصى الشرق الموريتاني، ويأمل أن ينقل هذا الموروث الثقافي الذي ارتبط به سكان هذه الصحراء منذ دخول الإسلام إليها في القرن الـ10 للميلاد إلى الأجيال المقبلة، ومنذ ذلك التاريخ، بقيت لشهر رمضان خصوصيته الروحية وانصهرت ثقافة أهل البدو الرحل في شعائره وكانت النتيجة عادات ما زالت تتوارث على رغم مضي الزمن.

تيمن بكل شيء

ويصر علوات مع بداية كل شهر رمضان على اصطحاب وحيده البالغ من العمر سبع سنوات إلى الحلاق من أجل قص شعره بالكامل، وعن هذه العادة المتوارثة في موريتانيا يقول علوات "دأب أوائلنا في العادة على حلاقة رؤوسنا ونحن صغار، تيمناً ببركة الشهر، حتى إذا ما قارب الشهر على الانتهاء وأصبح عيد الفطر قريباً، ينمو شعر رأس الطفل ويكون شعر رمضان، وهو فأل حسن وبشارة خير تنتظر الطفل الذي قام بهذه الخطوة، وهذه العادة ما زالت منتشرة حتى يومنا هذا".

يضيف علوات "من موروثنا المرتبط بالشهر الكريم كذلك تعميم صلاة التراويح على الكبار والصغار، كما أن هناك عادة شائعة تمارس في ليلة الـ27 من رمضان، حيث نختم القرآن في صلاة التراويح، ونطلق على هذه الليلة (توسع) أي زيادة طعام العشاء لكل أسرة، وتوزيعها على جيرانها من غير الميسورين كصدقة عن أمواتها، وهذه العادة شائعة في الجهات الشرقية، وتقابلها في الجهات الجنوبية، ليلة التسامح بمناسبة ختم صلاة التراويح وختم القرآن الكريم معاً"، وتحتفظ كل محافظة موريتانية بمجموعة عادات تميزها عن باقي المحافظات.

عادات غذائية

وعلى رغم قساوة البيئة الجغرافية التي عاش فيها الموريتانيون في الماضي، فإنهم اهتدوا لتوفير نظام غذائي صحي.

ورأت سلمى جبريل الباحثة في التاريخ الغذائي لشعوب جنوب الصحراء أن "الموريتاني استطاع من خلال تكيفه مع محيطه الجغرافي الصوم في درجات حرارة مرتفعة وطوع الظروف لصالحه، فعلى عموم التراب الموريتاني انتشرت ثقافات غذائية مختلفة، تعتمد على منتج كل إقليم وحده، ففي الجنوب الشرقي وفرت أراضي شمامة حبوباً وثماراً اعتمدت عليها منطقة الضفة والوسط الموريتاني خلال رمضان وسائر أشهر السنة، وفي الشمال، قاومت الزراعة تحت النخيل شبح المجاعة لآلاف الصائمين في مناطق جبلية وعرة، وفي الشرق، ظلت منتجات الألبان المتوفرة بفعل وفرة الثروة الحيوانية أهم مرتكز غذائي لسكان تلك المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته قال أعل الشيخ سيدي الخير المهتم بالدراسات الثقافية إن المجتمع الموريتاني "حافظ على معظم موروثه في رمضان، من الناحية الاجتماعية الدينية، فمثلاً، ما زالت هناك عادة الاجتماع على الفطور، مع تغير في الأطعمة، وتم تعديلها لناحية إضافة الشوربة وأنواع المحاشي القادمة من المطبخ المغربي والعربي".

وقالت زينب سليمان وهي مهتمة بالتراث الموريتاني "كان الموريتانيون في الماضي القريب، يحضرون اللبن الرائب الطبيعي ممزوجاً بالحليب الطازج (آمزيك) في الأواني التقليدية المصنوعة من جذوع الشجر، وهذا هو شراب غالبية الصائمين وقت الإفطار".

مخاوف من الاندثار

وتأثرت عادات وطقوس الموريتانيين بالعولمة، ويتخوف بعض المهتمين بعادات وتقاليد هذا المجتمع الصحراوي، الذي ظل عقوداً منغلقاً على نفسه، أن تقتلع العصرنة جذور عاداته وتقاليده.

وعن تأثير العولمة على عادات الموريتانيين في رمضان، استحضر سيدي الخير أبرز العادات التي اختفت "اندثرت عادة منع الأطفال من مشاركة الكبار الفطور، كما تلاشت ظاهرة أخرى ظلت إلى وقت قريب تمارس في رمضان وهي منع الكبار من لمس الإفطار قبل الصائمين، لأن ذلك يؤدي لقصر العمر بحسب الثقافة الشعبية".

واعتبرت سلمى جبريل أنه "تم بالفعل اندثار عديد من عاداتنا في رمضان، فمثلاً لم يعد مسحراتي القرية يقوم بعمله، فقد قضى منبه الساعة على دوره وكذلك مكبرات صوت المساجد التي أصبحت تتولى المهمة، كما أن حساء الشعير والقمح كاد يختفي من موائد الموريتانيين خلال السنوات القليلة الماضية، وحلت محله شوربات من بيئات ثقافية غريبة علينا".

وجزم سيدي الخير بكثير من الأسى أن "العولمة تشكل أكبر التحديات في وجه المحافظة على التقاليد بشكل عام، ومن الملاحظ أن العادات العربية والتركية تدخل بشكل تدريجي على العادات الموريتانية".