ملخص
يعد هذا الموضوع بالغ الأهمية ومصدر قلق كبير للآباء، لكن ما إمكانية أن يتعاملوا مع الأمر بشكل أفضل؟ قمنا باستشارة خبراء في هذا المجال، لمعرفة نموذج العلاقات السليمة التي ينصحون باتباعها
أكد بحث أجري، أخيراً، في المملكة المتحدة، أن عدداً متزايداً من الصغار والشباب اليافعين، باتوا يستخدمون الآن منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاته.
ويوضح "مكتب الاتصالات" البريطاني "أوفكوم"Office of Communications (Ofcom)، وهو هيئة مستقلة تتولى تنظيم قطاع الاتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني في المملكة المتحدة، أن 38 في المئة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين خمسة وسبعة أعوام، أصبحوا يستخدمون الآن وسائل التواصل الاجتماعي، مع تزايد شعبية منصات مثل "واتساب" و"تيك توك" و"إنستغرام" و"ديسكورد"، بين أفراد هذه الفئة العمرية، وذلك على رغم القيود المتعلقة بالسن التي تفرض ألا يقل عمر المستخدمين عن 13 عاماً.
كما تبين أيضاً أن نحو 24 في المئة من الأطفال الذين تتفاوت أعمارهم ما بين خمسة وسبعة أعوام، يمتلكون هاتفاً ذكياً، فيما يستخدم قرابة 76 في المئة منهم أجهزة لوحية.
وفي ما يتعلق بأهالي الأطفال في هذه الفئة العمرية الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أجرى 76 في المئة منهم محادثات مع أطفالهم الصغار تتعلق بالسلامة عبر الإنترنت، مع قيام نحو 56 في المئة منهم بذلك كل بضعة أسابيع على الأقل.
ويعد هذا الموضوع بالغ الأهمية ومصدر قلق كبير للآباء، لكن ما إمكانية أن يتعاملوا مع الأمر بشكل أفضل؟ قمنا باستشارة خبراء في هذا المجال، لمعرفة نموذج العلاقات السليمة التي ينصحون باتباعها.
لورين سيغر سميث، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "فور بايبيز سيك تراست" For Baby's Sake Trust (التي تعنى بدعم ضحايا العنف المنزلي ومنح الأطفال بداية سليمة) ترى أن الأهل يضطلعون بدور مهم في ضمان تطوير أطفالهم علاقات صحية، سواء أكان ذلك في الملاعب أو الحدائق العامة أو على المنصات الإلكترونية مثل وسائل التواصل الاجتماعي.
وتوضح السيدة سيغر سميث أن ذلك "يشمل طريقة تعاملنا كآباء مع الآخرين عبر الإنترنت، ومقدار الوقت الذي نمضيه على الشاشة، وما إذا كنا حاضرين لإعطاء الأولوية لوجود كامل مع أفراد أسرتنا بدلاً من التصفح المستمر للإنترنت".
وتعتبر أن "من المهم التشديد على تبني قيم مثل التعامل مع الآخرين بلطف واحترام، مما يعد أمراً ضرورياً في أي بيئة، لكن شبكة الإنترنت تنطوي على أخطار من نوع آخر، فقد يكون الأطفال عرضة لمحاولات احتيال وتلاعب من قبل أشخاص غير معروفين، كما أنهم قد يتعرضون لمحتوى يمكن أن يؤثر سلباً على سلامتهم العاطفية والعقلية".
وتلفت السيدة سيغر سميث إلى أن الأطفال قد يقعون أيضاً تحت تأثير الضغط من أجل حشد عدد كبير من "الأصدقاء" والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن هنا للوالدين ومقدمي الرعاية مساعدتهم من خلال التركيز على أهمية تنمية صداقات حقيقية وهادفة، بدلاً من إعطاء الأولوية للشعبية والأعداد الكبيرة للمتابعين الافتراضيين.
تعرفوا أكثر على طبيعة التطبيقات والمواقع التي يستخدمها أطفالكم
في حين أن معظم الآباء والأمهات هم على دراية بمنصات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" وطريقة عملها، فإن إيميلي نوريس الخبيرة في تنشئة الأطفال، وهي مؤلفة كتاب "أمور أتمنى لو كنت أعرفها: نصائحي لمنزل منظم، وأطفال سعداء، وأهل أكثر طمأنينة" Things I Wish I’d Known: My Hacks For A Tidy Home، Happy Kids And A Calmer You، لا تعتقد أن كثيرين يعرفون آلية عمل منصات أخرى مثل "سناب شات" Snapchat (تطبيق مراسلة يتيح تبادل صور ومقاطع فيديو تختفي بعد مشاهدتها) و"روبلوكس" Roblox (منصة ألعاب عبر الإنترنت تتيح للمستخدمين اللعب وأيضاً الدردشة مع آخرين)، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الأجيال الناشئة.
وتقول نوريس إنه "تقع علينا مسؤولية التعرف على هذه التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي يستخدمها أطفالنا ويتفاعلون معها".
وتضيف: "في حين أن الأطفال قد يتمتعون بمقدار أقل من الحرية في الأنشطة التقليدية كالخروج من المنزل، فإنهم غالباً ما يتمتعون بنسبة كبيرة من الحرية على الإنترنت، وهو عالم يمكن أن يفرض أخطاراً كبيرة ما لم نسلح أنفسنا بالمعرفة".
وتنصح السيدة نوريس بوجوب "فهم الأهل ميزات التطبيقات وآلياتها، واستخدام أدوات الرقابة الأبوية المتاحة عند الضرورة". وتؤكد أهمية "إجراء مناقشات مع الأطفال تناسب أعمارهم، في ما يتعلق بالسلامة عبر الإنترنت، والإشراف بشكل فعال على سلامتهم الرقمية. وتتوافر في هذا الإطار نصائح رائعة لأولياء الأمور، كتلك التي تقدمها "الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال" National Society for the Prevention of Cruelty to Children (NSPCC) (حملة خيرية تعمل في مجال حماية الطفل في المملكة المتحدة)".
احرصوا على توفير بيئة آمنة لأطفالكم
غالباً ما تتكون لدى الأطفال مخاوف في شأن ارتكاب الأخطاء أو إغضاب والديهم، ومع ذلك فإن الحفاظ على التواصل المفتوح داخل العائلات أمر بالغ الأهمية للسلامة عبر الإنترنت. وهنا يمكن للآباء أن يضطلعوا بدور حاسم في توفير بيئة آمنة وسليمة تؤهل أطفالهم للخوض في العالم الرقمي وطلب التوجيه عند الحاجة.
وترى الدكتورة باتريشا بريتو عالمة النفس التربوي، أن "الأهل الذين ينشؤون بيئة داعمة من الناحية العاطفية لأولادهم، من المرجح أن يقوموا بتعزيز الحوارات المفتوحة والآمنة مع صغارهم ومراهقيهم، في شأن مواضيع حساسة مثل السلامة على الإنترنت، والمحتوى الجنسي، والتعرض للمحتوى السيبراني الضار كالمواد الإباحية والتنمر والمخاوف المتعلقة بالشكل الذي يجب أن يكون عليه الجسد".
وترى الخبيرة النفسية أن "إنشاء ملاذ آمن للأطفال من شأنه أن يسهل إجراء محادثات صادقة معهم، يوقنون من خلالها أنه يمكنهم التواصل عاطفياً مع أهلهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف أنه "على سبيل المثال، يمكن بدء المناقشات المتعلقة بالقضايا المعقدة، من خلال تذكيرهم بالجهة السليمة التي يتعين التحدث معها، في حال ساورتهم أي مشاعر بالقلق أو الإنزعاج حيال أي شيء لا يرغبون في مشاركته مع والديهم".
وتقول السيدة سيغر سميث: "إذا كنت أحد الوالدين، فإن دورك الأساسي يكمن في تشجيع طفلك على مشاركة تجاربه عبر الإنترنت معك، ودعمه للتحدث عن أي مخاوف أو جوانب مثيرة للقلق لديه، والعمل معاً على تحديد الأطر التي تسهم في تعزيز رفاهيته وسلامته".
التنبه للتأثيرات السلبية على صورة الجسم
فيونا ياسين المعالجة النفسية الأسرية والمؤسسة والمديرة السريرية لمركز "ذا ويف كلينيك" The Wave Clinic (الذي يعالج مراهقين وشباباً يعانون مشكلات الصحة العقلية)، أشارت إلى أن الأطفال والشباب يواجهون في كثير من الأحيان كمية هائلة من المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، تتضمن مقالات وصوراً ومقاطع فيديو، يكون معظمها غير دقيق أو ملفق أو ضار. ويمكن للاتجاهات الرائجة حول الجمال والصحة والنظام الغذائي، أن تشكل مثالاً بارزاً لهذه الظاهرة.
وتضيف: " تغمر وسائل التواصل الاجتماعي الشباب اليافعين بالصور التي قد يقارنون بها أنفسهم، ما من شأنه أن يعزز مناخاً من الشك وانعدام الأمان لديهم، خصوصاً خلال مراحل تحولية محورية في حياتهم. وغالباً ما يشكل عامل الضغط الذي يتعرضون له من أجل "الاندماج" (الرغبة في االملاءمة) مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى كثيرين منهم".
ومن المهم أن يأخذ الأهل في الاعتبار التأثيرات المحتملة لوسائل الإعلام والمعايير المجتمعية على صورة الجسم بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين، والبقاء متيقظين للعلامات التحذيرية المبكرة التي تشير إلى أن طفلهم قد يحتاج للدعم والتوجيه.
وتعتبر المعالجة النفسية الأسرية أن "وضع قواعد صارمة في ما يتعلق بتناول الطعام، كالتزام روتين محدد أو اتباع نظام غذائي قائم على احتساب السعرات بالأرقام، يمكن أن يسهم في تكوين إشكالية في ما يتعلق بنظرتهم إلى الطعام، وفي الحالات الشديدة، ظهور اضطراب في الأكل".
وترى السيدة ياسين أخيراً أن "تركيز ثقافتنا على أنظمة غذائية محددة، أوجد إطاراً أخلاقياً حول الطعام، إلى درجة أن الانحراف عن "القواعد" التي ينطوي عليها أو كسرها، قد يؤدي إلى إثارة مشاعر سلبية لدى الأفراد".