نسخة سيمفونية من الإرهاب

منذ 11 أشهر 130

يكافئ تاريخ الإرهاب في السعي لتحقيق أهداف سياسية امتداد التاريخ نفسه. ومع ذلك، طرأت تغييرات مهمة خلال العقدين الماضيين، ومثيرة للقلق.

عبر النسخ القديمة، عاينَّا أفراداً ساخطين يغتالون أعداء أقوياء. تعرض يوليوس قيصر للطعن حتى الموت على يد 53 من أعضاء مجلس الشيوخ، بقيادة أقرب أصدقائه ماركوس جونيوس بروتوس وغايوس كاسيوس لونغينوس. ولقي نظام الملك، الصدر الأعظم النافذ بدولة السلاجقة في إيران، المصير ذاته على أيدي 18 من «الحشاشين» النزاريين، بينهم رقيق روسي. وجرى قتل القاجار ناصر الدين شاه برصاصة واحدة، وهو يتمتم: «ابن الحمار!».

ومع مرور الوقت، جرى تبسيط الإرهاب بشكل أكبر ليشمل إلقاء قنبلة يدوية على المركبة الذهبية للقيصر في بتروغراد، أو إطلاق النار على الدوق الأكبر على جسر في سراييفو، أو كما صوّر جوزيف كونراد في روايته الشهيرة «تحت العيون الغربية»، زرع قنبلة موقوتة في شارع مزدحم بلندن.

وبالانتقال سريعاً إلى القرن العشرين، تحوَّل استخدام مادة «السيمتكس» لتفجير المقاهي ودور السينما والمطاعم في الجزائر العاصمة خلال فترة الاحتلال الفرنسي، أو سايغون تحت حكم نجو دين ديم، إلى حالات نموذجية للإرهاب السياسي. في وقت لاحق، عاينّا وقوع عشرات الهجمات في شكل اختطاف طائرات ركاب أو سفن سياحية، واحتجاز رهائن، وإطلاق نار عشوائي على ركاب القطارات أو غيرهم.

هنا يجب أن نضيف الهجمات ضد السفارات، ومحطات المترو، ومكاتب الصحف في عشرات المدن في مختلف أنحاء العالم. وأخيراً، شكَّل هجوم 11 سبتمبر (أيلول) ضد نيويورك وواشنطن العاصمة، تصعيداً في هذا التقليد الإرهابي الذي يعود تاريخه إلى ما قبل الألفية، على الأقل فيما يتعلق بنطاقه الهائل.

ومع ذلك، فإن كل هذه النسخ من الرعب اتبعت ما وصفه أرسطو في مقالته «النظرية الشعرية» بالوحدات الثلاث التي يجب على الكاتب التراجيدي مراعاتها: وحدة الحدث، والزمان، والمكان.

من الناحية الموسيقية، يمكن أن يرقى هذا إلى مستوى موسيقى الصالون، أو حتى أسلوب التلحين الهندي - الفارسي أحادي المسار المعروف باسم «دستغاه»، الذي يتم فيه الإصرار على نبرة أحادية الوتر تخلو من اختلافات لحنية.

بعد ذلك، في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، اخترعت جماعة إرهابية هندية تطلق على نفسها اسم «مجاهدي الدكن» (جرى الكشف عنها لاحقاً باسم «عسكر طيبة» أو «جيش المطهرين») نوعاً جديداً من العمليات الإرهابية، عملية كتبت عنها في مقال بصحيفة «ديلي تليغراف» اللندنية في اليوم التالي، وقد صنفتها بوصفها «رعباً سيمفونياً».

في مدينة بومباي الهندية (مومباي)، تجاهل مؤلفو هذا الشكل الجديد من الإرهاب وحدات أرسطو الثلاث. وحطَّم هؤلاء وحدة الحدث من خلال إطلاق 12 عملية مختلفة، بينها الإنزال البرمائي، وإطلاق النار العشوائي، واحتجاز رهائن، وتفجير قنابل موقوتة. كما جرى كسر وحدة الزمن من خلال نشر العمليات على مدى يومين.

إضافة لذلك، انهارت وحدة الحدث مع وقوع هجمات ضد عشرات المواقع في جميع أنحاء المدينة الساحلية الضخمة البالغ عدد سكانها 20 مليون نسمة.

وشارك في الحملة الإرهابية، التي كانت مزيجاً من العمليات العسكرية الكلاسيكية والعمليات الإرهابية التقليدية، أكثر من 200 رجل زرعوا متفجرات في نقاط مختارة. إلى جانب ذلك، كان هناك مسلحون يعملون بأسلوب عسكري كلاسيكي من خلال فرض السيطرة على الأرض بمواقع تحمل أهمية رمزية، إلى جانب احتجاز رهائن. وكان هناك مسلحون مستعدون للقتل والسقوط قتلى في هجمات بالقنابل اليدوية ضد قوات الأمن.

وفي الوقت نفسه، وزَّع المهاجمون عدداً كبيراً من المنشورات تبرر عمليتهم، من خلال الادعاء بأنهم يقاتلون من أجل تحرير الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير.

المثير للاهتمام أنه في وقت لاحق جرى اكتشاف أن الاستخبارات الهندية أُبلغت بالهجوم، لكنها تجاهلت التحذير لعدم اعتقادها بإمكانية وقوع مثل هذه العملية المبتكرة. من وجهة نظر الاستخبارات الهندية، كان الإرهاب يعني قيام مجموعة صغيرة من المسلحين بمهاجمة مركز للشرطة في كشمير البعيدة مُقدِّمةً لرحلتهم المؤكدة إلى الجنة.

والآن، هل يبدو لك ذلك مألوفاً؟

بغضّ النظر عن الاختلافات السياقية الواضحة بين أحداث مومباي وهجوم جماعة «حماس» ضد الكيبوتس الإسرائيلي في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تشترك العمليتان في السمة السيمفونية سالفة الذكر.

الواضح أن «حماس» ألَّفت سيمفونيتها على نطاق أوسع، من خلال إضافة هجمات باستخدام الصواريخ والمسيّرات، ونشر وحدات محمولة جواً، مع تنفيذ تحركات متزامنة من البحر. هنا، رأينا مجموعة متنوعة من النغمات التي جرى تطويرها في الوقت ذاته، وفي بعض الأحيان يحدث ذلك في تناقض واضح مع بعضها البعض، لكن في نهاية الأمر تجتمع معاً في خاتمة دموية.

بإمكاننا النظر إلى أحداث مومباي بوصفها إرهاباً يعتمد على عناصر من الحرب الكلاسيكية، في حين أن هجوم السابع من أكتوبر ربما يبدو أشبه بعملية عسكرية قائمة على أفكار تقليدية منسوجة جميعاً في قطعة واحدة مزركشة.

السؤال هنا: هل هذا شكل جديد من الإرهاب العسكري أم مجموعة متنوعة من أساليب الحرب باستخدام عناصر الإرهاب؟

الحقيقة أنه لا يزال من السابق لأوانه حسم ما إذا كان هجوم «حماس» سيفرز نهاية المطاف النتيجة ذاتها التي تمخضت عنها عملية مومباي.

لقد أجبرت عملية مومباي الهند على التخلي عن سياسة «العين بالعين» في التعامل مع خصومها المسلحين، أي لتصفية أولئك الذين نفذوا أي هجوم حصراً. وفي مقابلة أجريتها لحساب صحيفة «الشرق الأوسط» عام 1996 مع رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي، قال إن «المعارضين» دربوا وسلحوا وأرسلوا نحو 2000 «إرهابي» إلى الهند. وأضاف: «نحن نقتلهم شيئاً فشيئاً، لكن سرعان ما يجري الدفع بآخرين محلهم».

وبالفعل، غيّر هجوم مومباي هذا النهج، فقد اتخذت الهند قراراً، بعد عام 2008، بانتهاج استراتيجية عدم الالتزام بقيود، في إطار جهودها للقضاء على جميع «مجموعات العدو» حيثما كانت.

المؤكد أن استخدام العمليات الإرهابية على نطاق صغير وسيلة فاعلة لجعل الحياة صعبة لخصم أقوى بكثير، بل وربما يجبره على تقديم بعض التنازلات. بيد أن الهجمات الدراماتيكية الكبرى، مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) ضد الولايات المتحدة، وحملة مومباي، وهجوم «حماس» على إسرائيل، تصعد المخاطر إلى مستوى سيمفوني لا يكون باستطاعة المستهدفين الابتسام أمامه وتحمُّله ببساطة.

على سبيل المثال، أجبرت أحداث 11 سبتمبر الولايات المتحدة على غزو أفغانستان وتدمير تنظيم «القاعدة»؛ أمر لم تكن تفكر في تنفيذه حتى بعد المذبحة التي راح ضحيتها 241 جندياً من مشاة البحرية في لبنان. وبالمثل، بعد هجمات مومباي، حرصت الهند على ضمان أن شيئاً كهذا لن يحدث مرة أخرى أبداً. وعليه، نجد أنه في تلك الحالات، كان النصر الأولي للمهاجم بمثابة مقدمة لإبادته.

بين عامي 2008 و2023، قبل السابع من أكتوبر، شنَّت «حماس» العشرات من الهجمات بأسلوب يتقيد بـ«الوحدات الثلاث». وردَّت إسرائيل بهجمات مضادة مماثلة منخفضة الشدة، وكلاهما انخرط في سلسلة مروِّعة بطيئة، لكن يمكن تحملها.

إلى أن جاءت هجمات السابع من أكتوبر، وأنهت ذلك، لتبدأ حركة جديدة في سيمفونية يصعب التنبؤ بنتائجها.