وجد جيل جديد من فناني المغرب أنفسهم مشاهير في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، مما أكسبهم كثيراً من المتابعين ووهبهم فرصة خوض معارك افتراضية مع زملائهم، ولأنهم أساؤوا استخدام هامش الحرية في العالم الرقمي، وجدوا أنفسهم أمام تهم التشهير وإلحاق الضرر بآخرين الأمر قادهم إلى السجن.
"محاكمة حمزة مون بيبي"
ومن بين أكثر المحاكمات إثارة للجدل في المغرب، كانت محاكمة "حمزة مون بيبي" وهي قضية تمت فيها متابعة مشاهير بتهم فضح الحياة الخاصة لفنانين مغاربة، ونشر معلوماتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبدأ التشهير في هذا الحساب قبل سنوات، عندما أنشأ شخص مجهول الهوية حساباً على تطبيق "سناب شات"، استهدف فيه فنانين مغاربة، ومن بين المدانين في القضية الفنانة المغربية دنيا بطمة التي تم الحكم عليه بسنة سجناً.
وكان لحساب "حمزة مون بيبي" أكثر من 17 مليون مشاهد، ومن بين ضحايا الحساب من الفنانين المغاربة، رجاء بلمير وابتسام تسكت وسعيدة شرف ونورا فتحي.
وكانت الفنانة دنيا بطمة في أحد حواراتها الصحافية، تشيد بالحساب باعتباره يكشف حقيقة الفنانين، ولم تكن تدرك حينها، بحسب ناشطين، أن "ما ينشر في الحساب يندرج في التشهير وتشويه سمعة أشخاص آخرين"، وورد تصريحها قبل شكاوى الضحايا في حق صاحب الحساب.
كما تمت متابعة مؤثرين مغاربة بسبب فيديوهات، ينشرون فيها تفاصيل خاصة عن أفراد آخرين لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة، ويتبادلون الشتائم، لكنهم اكتشفوا خطورة ما كانوا يصرحون به وتداعيات ما ينشرون وأنه يندرج ضمن التشهير.
"الابتزاز وتشويه السمعة"
ومن جهته يعتبر عادل شكراني صحافي مغربي متخصص في المجال الفني، "أنه انتشرت في السنوات الأخيرة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، ظاهرة ما يعرف بـ(البوز) أو الشهرة الاجتماعية، مما أدى إلى تفشي ظاهرة الجهل بالاستخدام الأمن لمواقع التواصل".
ويضيف شكراني أن "تداول معلومات شخصية تخص آخرين على مواقع التواصل ظاهرة غير صحية، لا سيما أن مشاهير مغاربة تمت متابعتهم مثل الفنانة دنيا بطمة، وذلك نتيجة نشر أخبار غير صحيحة أو صور، فضلاً عن الابتزاز وتشويه السمعة إما عن قصد أو على سبيل المزاح، لكنهم فوجئوا بخضوعهم للمساءلة القانونية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمضي المتحدث ذاته قائلاً، "هذا الأمر يطرح إشكاليتين في الاستخدام غير الآمن لشبكات التواصل الاجتماعي، الأولى عدم الوعي بالمسؤولية القانونية في حال نشر أشياء مسيئة أو صور تنتهك خصوصيات الآخرين، والثانية غياب التوعية بكيفية الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي وغياب المعرفة الكاملة في التعامل معها".
يعتبر الشكراني أنه "يجب على المشاهير أن يكونوا على دراية تامة بالطريقة الآمنة لاستخدام تلك الوسائل، خصوصاً النجوم الجدد الذين قادتهم الصدفة فقط إلى عالم الشهرة".
"من السهل أن يصبح الإنسان مشهوراً"
ويشدد المتخصص في المجال الفني على أهمية التوعية. ويضيف في هذا الصدد "لا يمكن أن نحارب ظاهرة تقوم على الجهل من دون محاربة الجهل في حد ذاته، يجب على هؤلاء المشاهير أن يتحلوا بالمعرفة والضوابط القانونية لاستخدام وسائل التواصل، فكثير منهم ليس على دراية بأن التشهير والكشف عن المعطيات الخاصة قد يقودهم إلى السجن".
بدوره، يعتبر محسن الودواري الباحث في الأنظمة المعرفية للخطاب، أنه "بسبب الحرية المطلقة التي فتحتها المنصات الافتراضية، أصبح من السهل اليوم أن يصبح الإنسان مشهوراً ومعروفاً لدى الجميع، وهذا يخلق نوعاً من الوهم لدى كثير من الأشخاص الذين أصبحوا بين عشية وضحاها تحت الأضواء".
"غياب الوعي بالقانون"
ويعتبر الودواري أن "عدم إدراك قوانين وسائل التواصل أساسه سيكولوجي يجعل من الشخص المشهور يعتقد أن لديه حرية أكبر، بخاصة أن غالبية هؤلاء المشاهير لا يدركون تداعيات ما ينشرون أو ما يصرحون به".
ويمضي المتحدث ذاته قائلاً، "وعند التدقيق سنجد أن مجموعة من المشاهير المغاربة، خصوصاً الذين ارتبط ظهورهم بمواقع التواصل الاجتماعي، دخلوا السجن نظراً إلى ما اقترفوه من ممارسات غير لائقة، سواء من خلال تفاعلات مباشرة في اللايفات أو تدوينات. وهذا يعود إلى محدودية الوعي لديهم وأيضاً غياب الوعي بالقانون، كما يكشف لنا أن تعاملهم مع مواقع التواصل مرتبط بالتهافت على الربح والشهرة فقط".
ويضيف الودواري "أعتقد أننا في حاجة إلى تأطير هذه المواقع، شرط ألا يتم المس بالحق الجوهري في حرية التعبير المسؤولة، وكذلك توعية المواطنين من أطفال وبالغين حول كيفية التعامل مع تلك المواقع، بخاصة أن أصبح لها تأثير مباشر على الجميع".
ويشار إلى أن "التشهير الرقمي جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، كما تصل عقوبتها من ثلاث إلى خمس سنوات".