كَتبتُ الأحد الماضي عن بعض الدول العربية التي تحاول قيادتها السياسية جذب الاستثمار لبلدها، وتضع أفضل الخطط على الورق، ولكن مشاريع جذب المستثمر الأجنبي تفشل بسبب تعارضها مع رغبات المنفذين في الميدان، الذين إما يرغبون في الحصول على عمولة كما يلطفون مسماها وهي في الواقع رشوة، وإما يريدون نسبة من المشروع دون أن يدفعوا هللة واحدة، وهذا ما يصرف المستثمر الأجنبي عن الاستثمار في بلد هذه عينة مسؤوليه.
في المقابل، نرى بلداناً عربية نجحت في جذب المستثمر الأجنبي، وعلى رأسها دول الخليج، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المملكة العربية السعودية التي جذبت المستثمر الأجنبي منذ نحو 90 عاماً، فهي شريك «أستاندر أويل أوف أميركا» في واحد من أهم الصناعات السعودية، وهو النفط، وتم إنهاء الشراكة بعد مدة طويلة، ووفق تراضي الطرفين بعيداً عن عنتريات العرب مثل التأميم وغيره، وهو ما خلق انطباعاً جيداً لدى المستثمرين الأجانب، لنجدهم يتهافتون على الشراكة مع شركة «سابك» في مشاريعها المختلفة، لتتنوع الشراكات مع اليابان حتى أوروبا، وتستمر حتى الآن، ما وطّن الصناعة، أو ما يسمى بتوطين المعرفة. هذه الأجواء الصحية خلقت بيئة جاذبة للاستثمار، وإن كنا نطمح بالمزيد عبر خلق صناعات وسيطة تجذب المستثمر.
ثم نأتي لنموذج دبي، التي جذبت المستثمرين والمطورين العقاريين من شتى قارات العالم، وكذلك جذبت المستثمرين في مجال الخدمات، ثم نأتي للنموذج القطري الذي جذب المستثمرين في الصناعات البتروكيميائية وفي مشاريع الغاز. هذه أمثلة خليجية وليست حصراً لما يتم في دول الخليج، لأن القائمة تطول.
يبقى السؤال؛ ما الذي جعل المستثمر الأجنبي يستثمر في دول الخليج؟ أولاً، احترام العقود بين الشركاء، ثانياً، نجاح أول شراكة بين الشراكات الأجنبية ودول الخليج حتى الأفراد الخليجيين، ما خلق نموذجاً يمكن الاحتذاء به، وتحديد جهة تقاضي في حالة النزاع، وهذا أمر وارد بين الشركاء، ومن ثم احترام أحكام جهة التقاضي.
كل ذلك خلق بيئة صحية جذبت المستثمر الأجنبي. ومنها؛ وضوح نظم الاستثمار الأجنبي في دول الخليج، وتحديد مسؤولية كل طرف، ما له وما عليه. ومع ذلك، نطالب بمزيد من التشريعات، وعرض الفرص التي تحتاج لشريك أجنبي، وكذلك الاستماع للمستثمر الأجنبي، وتحقيق مطالبه ليستثمر لدينا بما يتوافق مع نظمنا القانونية والاجتماعية. ودمتم.