ملخص
بعدما منحت "ميشلان" لندن اثنتين فقط من 20 جائزة "بيب غورمان" الجديدة، ننظر لماذا انتقلت النجمات إلى مطاعم بعيدة من العاصمة البريطانية.
من المعروف أن جوائز "ميشلان" تمنح بسرية تامة، وأن هناك طابعاً مؤذياً في آلية عمل هذه التقديرات، ففي نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 2024 أعلنت الشركة التي تعد تقييماتها دليلاً إرشادياً عن منح 20 مطعماً جديداً جائزة "بيب غورمان" Bib Gourmands التصنيف الذي يقدر الطعام الجيد بأسعار معقولة.
ورشح مطعما "تورينغ كلَب" Touring Club و"تيبو" Tipo من ويلز و اسكتلندا على التوالي للجائزة، وحصلت إيرلندا على خمس جوائز، وظفرت إيرلندا الشمالية بواحدة (استعاد مطعم "هوم" Home في بلفاست مكانته السابقة)، ومنحت 10 جوائز أخرى لمطاعم في ليويس ومانشستر وباري سانت إدموندز وهوف وتشارلبري وبريستول وأولد ويندسور وفالمث وهوفرينغهام وفوردهام.
ومن بين الجوائز الـ20 الممنوحة، كان هناك اثنتان فقط في لندن، واحدة لمطعم "إمباير إمباير" Empire Empire الهندي ذي الأجواء المستوحاة من صالات الديسكو الواقع في نوتينغ هيل، والثانية لحانة "ليه 2 غارسون" Les 2 Garcons، الصغيرة الفرنسية في منطقة كراوتش إند.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن لندن لا تزال تحتفظ بأكبر عدد من الجوائز (في رصيدها 35 جائزة)، إلا أن عدد التكريمات انخفض إلى النصف هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ومن سبع جوائز في عام 2021، ومع الصعود القوي لمدن أخرى مثل بريستول وبرايتون ومانشستر، وصف الاتجاه الهابط في العاصمة بالازدراء.
فهل يعني هذا تحولاً على نطاق أوسع بعيداً من لندن بالنسبة إلى عشاق الطعام؟
ووفقاً لتقرير نشرته شبكة "بلومبيرغ" فإن لندن فقدت 125824 شخصاً ذهبوا إلى الأطراف عام 2023، ويبدو أن التركيز التاريخي الفائق على العاصمة يتلاشى.
ولكن هل يُطرد الطهاة من مركز لندن الباهظ؟ أم أن أصحاب المطاعم يتبعون أسواقاً جديدة مربحة خارج المدينة حيث يستقر الشباب المهنيون؟
ولكي نفهم الوضع دعونا نرجع بالزمان إلى الوراء، فقد استحدثت "ميشلان" جوائز "بيب غورمان" عام 1997 (اقتبس اسمها من شخصية بيبيندم Bibendum التي تمثل العلامة التجارية)، وهي في الأساس دليل أماكن طعام رائع بأسعار معتدلة، وقد أصبحت المعايير الآن أكثر مرونة مما كانت عليه خلال الأعوام السابقة لما كان على المرافق تقديم قائمة وجبات مكونة من ثلاثة أطباق تقل كلفتها عن 30 جنيهاً إسترلينياً (نحو 40 دولاراً)، لكن ليس في يومنا هذا يا بيبيندم.
والآن مع وجود شعار القيمة الأكثر مرونة فقد تعتقد أن قوائم الجوائز المستهدفة كانت طويلة كفاية ليتمكن الجميع من السعي إليها، لكن عدم تمثيل لندن في قائمة الشرف هذا العام يدل على أن الوضع خلاف ذلك، فهل فكرة القيمة في لندن مختلفة بالكامل؟
يقول رئيس الطهاة في مطعم "داربيز" Darby's روبن جيل، "نعم فمن المؤكد أن تناول الطعام في الخارج (هنا) أصبح مكلفاً أكثر، ولكن كلفة كل شيء ارتفعت ويجب أن ينعكس ذلك في المعايير".
إنه يتحدث انطلاقاً من تجربة واقعية، إذ إن مطعمه "سوريلا" Sorella الكائن في منطقة كلابهام الذي ظفر بجائزة بين عامي 2019 و2021 قد خسرها عام 2022.
وكان خفض تصنيف سوريلا خطوة تقليدية تقوم بها "ميشلان"، فالشركة التي تنصب نفسها آلهة الطبخ تعطي التكريمات بيد وتأخذها باليد الأخرى، ويشير الشيف إلى أنه لا يمكن لأحد أن يظل مطمئناً لفترة طويلة. يقول جيل إن الجانب التجاري يظهر أن جذورهم في المجتمع راسخة بما يكفي للتحمل، لكن الخسارة لم تكن من حيث الإقبال والمردود المادي، بل كان الفريق الذي يعمل مع جيل الأكثر تأثراً بالضربة، ويوضح "من المؤكد أن سحب شيء ما منك لا يعزز الروح المعنوية".
وعلى رغم الخسارة إلا أن جيل ليس غير مبال لدرجة عدم اعترافه بأن التصنيف شيء لا يزال راغباً في استعادته، ويقول "بالنسبة إلى معظم الطهاة فسيكونون كاذبين إذا قالوا إنهم لا يهتمون بالتقييم أو إنهم لن يكونوا في قمة السعادة إذا حصلوا عليه، وأعتقد أن الرغبة في الحصول على الجائزة وجعلها الهدف الرئيس والأهم في الحياة بالنسبة إلى أي فرد أو مطعم أمر غير صحي، فهناك مطاعم كثيرة تقدم طعاماً رائعاً قد لا تعترف به "ميشلان" لأسباب مختلفة، وإذا شرعت في جعل هذا هدفاً لك فسيكون مصدر تعذيب لك وحسب، وربما تقول "ميشلان" ذلك بنفسها إنها لا تريد أن يُهلك الطهاة أنفسهم حرفياً من أجل الحصول على جائزة"، فهل أصبحت لندن غالية جداً؟
ويقول هنري كولدستريم من شركة "غريت بريتيش شيفس" Great British Chefs "للأسف لم تعد مطاعم لندن قادرة على التنافس مع أسعار مثل "هاير غراوند" Higher Ground في مانشستر و"لارك" Lark في سافولك.
وفي رأيي أنه لا شك في أنه كان ينبغي الاعتراف هذا العام بمطاعم مثل "كوليه" الجديد للمشويات التايلاندية الذي يدمن عليه المرء في منطقة بورو، لكن من الواضح أن القيمة الجيدة في مقابل المال في لندن تختلف تماماً عنها في أماكن أخرى في المملكة المتحدة".
ويتبنى صاحب المطعم جيمس غامر منظوراً فريداً من نوعه، إذ يمتلك مطاعم في كل من لندن وأوكسفوردشير، وفازت حانة "ذا بيليكان" The Pelican التي يمتلكها في لندن بجائزة بيب العام الماضي، وكان مشروعه الأخير "ذا بول إن تشارلبيري" The Bull in Charlbury أحد الفائزين هذا العام.
ويقول، "دعونا لا ننسى أن جوائز بيب لديها معايير معينة، وهل هناك حواجز تمنع نجاح المطاعم ذات الأسعار المعقولة في لندن؟ بالطبع هناك".
وتدعم وجهة نظره بيانات من منصة "ريس دايري" ResDiary المعنية بالمطاعم التي تقول إن 43 في المئة من مطاعم لندن توقعت العام الماضي أنها ستولد إيرادات عام 2023 أقل مما كسبته عام 2022.
ويوضح، "الإيجارات عالية حقاً والأسعار مرتفعة بشكل تقليدي والعمالة مرتفعة والإنتاج مرتفع ويجب التنازل عن عنصر ما حتى نتمكن من توفير مطعم بأسعار معقولة وبمستوى معين، ويتعين عليك إما إنتاج قيمة جيدة حقاً، أو ربما لا تستطيع تحمل أفضل المنتجات أو أجود العمالة، وهذا وضع صعب للغاية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يحاولون بدء مطاعم بأسعار معقولة في لندن تقدم خدمة بجودة معينة".
وعلى كل حال فليس الوضع برمته داعياً إلى الكآبة، ويرى غامر أن هذا التحول تطور طبيعي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، ومع اضطرار أشخاص كثيرين إلى البقاء ضمن حدود أحيائهم المجاورة، فهناك شعور مجتمعي متجدد، كما أن إغواء امتلاك مساحة أكبر والحياة الأكثر هدوءاً يجذب مزيداً من الطهاة والزبائن إلى خارج المدينة تقليدياً، وكان الطهاة يأتون إلى لندن فقط لصقل مهاراتهم، لكنها لم تعد مكان النمو الوحيد في هذه الصناعة، وهناك أماكن خارج لندن حيث يمكنك الارتقاء بطهيك إلى مستوى رائع حقاً".
وبالنسبة إلى آنا ودين باركر، مالكي مطعم "تشيلينتانوس" Celentano’s في غلاسكو، اللذين حصلا على جائزة بيب غورمان بعد ستة أشهر من افتتاح مطعهما عام 2021، كان الانتقال من لندن خيارهما الوحيد، فقد قضى دين ستة أعوام يعمل في بعض من أفضل مطاعم لندن، لكن في ظل تركيزه على إدارة الثنائي مشروعهما الخاص، تسبب طموحهما في النهاية بالانتقال نحو الشمال.
وبعد استقرارهما الآن في اسكتلندا تقول آنا "لم يكن بوسعنا شراء مطعم في لندن، ولا حتى قربها، وبقدر ما أردنا دائماً أن يكون لدينا مكان خاص بنا، لما كان حلماً واقعياً لو بقينا حيث كنا، ولست متأكدة كيف يمكن لشخص ما فعل ذلك من دون مستثمرين أو دعم مالي من نوع ما".
وفي الشمال كان "تيبو" الفائز الوحيد بجائزة بيب غورمان في اسكتلندا هذا العام، ويتبع الإدارة نفسها مثل مطعم "نوتو" Noto الموجود أيضاً في إدنبرة والذي ظفر بالجائزة هو الآخر، وتقوم مديرة العمليات جايد جونسون بإدارة كلا المرفقين إلى جانب مكانين آخرين (ليلا Lyla وآيزل Aizle) في إدنبرة مع مالكهما الطاهي ستيوارت رالستون.
وترتكز خلفية ستيوارت بشدة على مجال "ميشلان"، إذ يتمتع بخبرة في العمل في مطابخ تحمل نجمة "ميشلان" واحدة أو نجمتين أو ثلاث نجوم، لذلك شرع الثنائي في تحقيق هدفهما بالوصول إلى القائمة منذ البداية.
وتقول جايد، "لم يكن سراً أن الجائزة شيء كنا نطمح إليه".
وتشير إلى أن نقص جوائز بيب في لندن لا يتعلق فقط بالجانب المالي، فالابتعاد من الهيمنة الضخمة يوفر مساحة أكبر للنمو، وتوضح، "يتيح لك وجودك خارج لندن القيام بشيء مختلف من دون أن تتسابق بشكل محموم مع من ينافسك في مجال العمل نفسه".
وتضيف جايد، "أعتقد أن النتيجة ستكون اضطرار مزيد من الطهاة إلى الابتعاد من المدينة في نهاية المطاف، وهذا في الواقع أمر مثير حقاً بالنسبة إلى مشهد الطعام في المملكة المتحدة".
وبالعودة إلى جيل فهو يعتقد أن صعود وسائل التواصل الاجتماعي لعب دوراً في تحويل تركيز "ميشلان"، إذ جعل "إنستغرام" التوسع الجغرافي أسهل بكثير بالنسبة إلى العلامة التجارية، ويقول "ليس عليك في الواقع أن تسافر لتكتشف أماكن الطعام الجيد، فيمكنك رؤيتها عبر الإنترنت أولاً، إذ تحدث نهضة صغيرة مصحوبة بازدهار واسع النطاق للمطاعم في المملكة المتحدة في أماكن مثل مانشستر وشمال ويلز ونوتنغهام".
ويردد محرر شؤون المطاعم في دليل "سكويرميل" SquareMeal بيت دراير هذا الشعور قائلاً "تعكس جوائز هذا العام حقيقة أن لندن لم تعد المكان الأمثل للطعام الجيد بعد الآن، إذ توجد حالياً أماكن رائعة كثيرة خارج العاصمة يرغب سكان لندن في أن تكون على مقربة منهم، ولا أعتقد أن الأمر كان كذلك قبل 20 عاماً، إذ سيؤدي هذا فقط إلى جعل المنافسة أصعب بالنسبة إلى الأماكن في لندن".
ولا يتفق الجميع على أن لندن بدأت تفقد هيمنتها، وتقول سارة ألارد من مجلة "كوند ناست ترافلر" Conde Nast Traveller للوجهات الفاخرة، "لطالما كانت لندن الوجهة الأكثر إثارة في المملكة المتحدة بالنسبة إلى عشاق الطعام، وبخاصة مع خطط لافتتاح عدد كبير من المرافق عام 2024، فلندن تتمتع بـ34 جائزة بيب من بين تلك التي تمتلكها المملكة المتحدة وإيرلندا، حيث تشكل نحو ثلث إجمال الجوائز، وهذا مؤشر واضح نوعاً ما على أنها لا تزال رائدة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالطهي الرائع وبأسعار معقولة في جميع أنحاء بريطانيا العظمى وإيرلندا".
وعند التواصل مع "هيئة ميشلان" للحصول على تعليق، قالت إنها لم تكن في وضع يسمح لها بذلك، وهناك ثلاثة مطاعم جديدة أضيفت إلى قائمة جوائز بيب ننصح بزيارتها خارج لندن.
"هاير غرواند"، مانشستر
انطلق "هاير غراوند" من نجاح جناحه الموقت في حانة "فلاود" Flawd للنبيذ الطبيعي، حيث كانت لديه رفاهية امتلاك آلة لصنع الساندويتشات وموقد وطنجرة ضغط كهربائيين، وتظهر تجربة "هاير غراوند" مدى ما يمكن للشخص القيام به عندما يكون مجهزاً بمجموعة كاملة من الأدوات وحديقة مطبخ خاصة به.
"تورينغ كلَب"، بينارث
هذا المكان الذي يقال إنه مستوحى من مطعم في باتاغونيا يديره الشيف الويلزي المولد براين ويليامز من مطعم أوديت Odette في لندن، إذ إنها مساحة بسيطة مصممة بشكل جميل وتقدم الطعام طوال اليوم، من الإفطار وحتى العشاء، ويمكنك توقع مأكولات محلية مثل "ريربت" الويلزية (مكونة من شرائح الخبز المحمصة المتبلة والمغطاة بالجبن) بجانب مأكولات مرغوبة على مستوى العالم مثل "إمباناداس" لحم البقر empanadas (أكلة لاتينية مكونة من عجينة محشوة بلحم البقر والصلصة).
مقهى وحانة النبيذ الطبيعي "إتشيغو إتشي" Ichigo Ichie Bistro and Natural Wine ، كورك
لطالما كان الطعام الياباني مفضلاً لدى لجان التحكيم في "ميشلان"، وهذا المكان الجميل ذو الجو الودي يفي بعدد من شروطها من خلال استعمال مكونات محلية وتقديم نبيذ طبيعي أيضاً، ويزعم القائمون عليه كذلك أنهم أول من يقدم وجبة نودلز تيوتشي مصنوعة من الحنطة السوداء في إيرلندا.