بعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل «تحت الوصاية» قلت إنه «الحصان الأسود»، الذي سيتقدم كل الصفوف في السباق الرمضاني، وبعد بضع حلقات، صار حديث الناس. العمل الفني ليس مجرد رسالة إيجابية يتبناها صُناعه، ولكن قبل كل ذلك وبعده، بناء متكامل مقدم في قالب ممتع يجذب الجمهور.
قالوا إن المسلسل حرَّك الأجهزة البرلمانية في مصر لتغيير ما يعرف بقانون «المجلس الحسبي»، الذي يمنح الولاية للجد أو العم بعد وفاة الأب، بينما الأم تبدو في عرف القانون غير مؤهلة لتحمل مسؤولية أبنائها.
أكثر من دولة عربية في السنوات الأخيرة أوقفت العمل بهذا القانون الذي يتبنى نظرة دونية للمرأة.
تقدمت إحدى النائبات في مجلس الشعب المصري بطلب للتغيير، واكتشفنا أنها قدمته قبل ثلاث سنوات، وأنها لم تكن المرة الأولى، التي تقترب فيها الدراما من تلك القضية الشائكة الحساسة، التي يسعى بعض المتزمتين لإضفاء طابع شرعي عليها، حتى لا يقترب أحد للمناقشة، رغم أنها مجرد اجتهاد من أحد المشرعين في القانون، وهو ما يمكن أن يسقطه اجتهاد الآخر.
تعودنا كما يبدو على الارتكان إلى ما توارثناه من جيل إلى جيل، دون إعمال لأفضل ميزة منحها الله للبشر، كثيراً ما نمنح عقولنا إجازة مفتوحة حتى نريح ونستريح.
المسلسل ألقى حجراً في المياه الراكدة، ودفعنا للسؤال عما كنا نعتقد أنه من البديهيات، التي لا تحتمل مجرد السؤال.
بعض الأعمال الفنية أدت إلى تغيير في عدد من القوانين مثل «جعلوني مجرماً» بطولة فريد شوقي، الذي أدى بعد عرضه قبل نحو 70 عاماً لإلغاء السابقة الأولى، التي كانت تمنع من أدين بأي حكم قضائي من العمل الشريف، كذلك فيلم «كلمة شرف»، وبالصدفة بطولة فريد شوقي، الذي طالب بأن من حق السجين الخروج لمدة محددة لتقبل عزاء والديه أو لزيارتهما في المستشفى، كما أن فيلم «أريد حلاً» بطولة فاتن حمامة، المأخوذ عن واقعة حقيقية أشار إلى معاناة المرأة التي لا تنتهي لو طلبت الطلاق، حتى أنها تفقد كل حقوقها القانونية والشرعية ولا تنال أيضاً الطلاق، مع الزمن تم تطبيق قانون «الخُلع»، المستمد من الشريعة.
هل حقاً الأعمال الفنية تملك كل هذه الصلاحيات، البعض يحملها أكثر من طاقتها، وكما أنها ينظر إليها إيجابياً بقدرتها على حل المشكلات الاجتماعية، تجد نفسها المتهم الأول في إفساد منظومة التعليم كما حدث مع مسرحية «مدرسة المشاغبين»، التي توجه إليها سهام الإدانة منذ نصف قرن وحتى الآن، إلى درجة أن بعض الدول العربية كانت تمنع عرض المسرحية خوفاً على ضياع منظومة التعليم، بينما المسرحية كانت تعبر الحدود وقتها من خلال شريط الكاسيت، واحتلت في الذاكرة لقب أشهر مسرحية مسموعة.
على الجانب الآخر، انتشار البلطجة صاروا يحملونه إلى محمد رمضان بسبب أفلامه ومسلسلاته وأغانيه، اعتبروها هي الدافع الأساسي وراء كل ما نراه من تجاوزات في الشارع.
لا أتصور أن تلك الرؤية صحيحة على الإطلاق، ولكنه نوع من الكسل الذهني في البحث عن الأسباب الموضوعية لأي خلل اجتماعي، على الفور يتحمل المسؤولية العمل الفني الذي يقدمه نجم محبوب، عادل إمام في «مدرسة المشاغبين» ومحمد رمضان «عبده موتة».
الفنان ليس هو المحرك الأساسي للجريمة، كما أنه لا يمتلك قَطعاً الحل السحري لمنعها، ليست لديه صلاحيات للتدخل في اللحظات الأخيرة لإصدار قرار جمهوري، هو فقط يلعب دور المحفز للتغيير، وفي تلك الحدود يثير القضايا، وعلى المسؤول أن يلتقط الخيط، الفنان رئيس جمهورية نفسه، منى زكي رئيسة جمهورية منى زكي!