على برج المراقبة البحري كانت حنين تتفقد نساء غزة اللاتي يسبحن على الشاطئ، وفي الوقت نفسه تتابع حركة الأمواج والتيارات المائية والهوائية باستمرار، وبصفارتها ترسل إشارات تحذيرية للواتي يسبحن بعيداً من المناطق الآمنة.
وبينما كانت حنين تراقب الفتيات أثناء سباحتهن، لاحظت أن إحداهن تبدو وأنها تغرق، إذ كانت تلوح لها بيديها وتنادي بصوت بعيد بالكاد مسموع، في إشارة إلى طلب النجدة من المنقذات المنتشرات على طول الشاطئ.
إشارة نجدة
بسرعة التقطت المنقذة إشارة النجدة، ونزلت عن برج المراقبة تركض صوب البحر لإنقاذ السيدة وأخذت في السباحة حتى وصلت إلى الغريقة وساعدتها في الخروج من المياه نحو رمل الشاطئ. تقول المنقذة إن ارتفاعاً في التيارات المائية حصل، نتيجة تغير اتجاه حركة الرياح، وهذا ما سبب غرق الفتاة التي كانت تسبح في منطقة آمنة.
لم ينته عمل حنين عند ذلك الحد، بل فعلياً بدأ هنا، وباشرت المنقذة عملية إنعاش الغريقة وتقديم الإسعافات الأولية لها، بعد تأكدها من أن مجرى التنفس لديها مغلق، وأخذت في إخراج المياه التي ابتلعتها عن طريق الضغط المستمر على صدرها، ثم أجرت لها تنفساً صناعياً حتى تأكدت من استعادة الفتاة تنفسها بشكل طبيعي.
لم تترك حنين الغريقة إلا بعد أن تفقدت جسدها بالكامل خوفاً من وجود جروح أو كسور قد تعرضت لها، تستدعي نقلها إلى مراكز الرعاية الصحية، وما إن أنهت المنقذة تعاملها مع الحالة حتى شرعت في تقديم إرشادات جديدة للمصطافين وتحذيرهم من التعرض لضربة شمس.
الرايات الإرشادية
عندما غادرت حنين برج مراقبة المصطافين وحركة البحر كان يسد مكانها ثلاث منقذات أخريات، يرصدن تضارب الأمواج والتيارات الهوائية والمائية ويراقبن كل سيدة تسبح في المياه، وعلى مقربة منهن هناك برج مراقبة للمنقذين للتعامل مع حالات غرق الذكور.
في برج المراقبة أجرت المنقذات الأخريات تشاوراً سريعاً بينهن برفقة حنين، عن التغيرات التي حدثت في حركة المياه والأمواج، وبناء على ذلك قررن تعديل الرايات الإرشادية للمناطق المناسبة للسباحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جمعت حنين الرايات الإرشادية الملونة المنتشرة على طول الشاطئ، وفي برج المراقبة كانت زميلتها آلاء تراقب حالة البحر وحركة الرياح، وتزودها بالتغيرات الجوية لتعيد وضعها بناءً على التعديلات الطارئة.
للرايات الإرشادية خمسة ألوان مختلفة، تشرحها حنين بأن الأبيض يدلل على أن المنطقة آمنة للسباحة، بينما الأخضر الموج هادئ وآمن لسباحة الصغار، والأصفر يعني أن الأمواج عالية لذلك يجب البقاء عند الشاطئ، فيما تعني الراية الحمراء أن هناك تيارات بحرية والسباحة ممنوعة، أما السوداء فتوحي بأن السباحة في المنطقة خطرة نتيجة تلوث أو منخفض مائي أو تيارات بحرية ودوامات مائية.
قيود المجتمع المحافظ
يشهد هذا الموسم الصيفي في غزة عمل النساء لأول مرة في مهنة الإنقاذ البحري، لتحقيق خصوصية لسيدات القطاع وحمايتهن من الغرق أثناء السباحة. ويؤكد منقذون أن وجود عناصر نسائية ضمن فرق الإنقاذ على البحر يسهل عملهم، الذي لا يخلو من حساسية مفرطة في التعامل مع الفتيات والنساء وقت الطوارئ.
ولا يزال مجتمع غزة محافظاً ويضع قيوداً على تعامل الرجال مع النساء، ويفرض شروطاً معقدة في بعض الأحيان على مخالطة الجنسين، ونتيجة لذلك لا تعد السباحة في البحر ظاهرة كبيرة في أوساط نساء غزة، إلا أن وجود منقذات بحريات هذا الموسم قد يجعلها تزداد.
وعلى رغم أن أعداداً محدودة من النساء ينزلن البحر، الذي يعد وجهة رئيسة لسكان غزة لمناسبته من ناحية الكلفة المادية، فإنه يسجل سنوياً حالات غرق لأعداد منهن، وهو ما جعل من وجود منقذات بحريات ضرورة ملحة للتعامل مع حالات غرق السيدات.
تقول حنين "في لحظة غرق امرأة تصاب بإحراج من تعامل المنقذين الرجال معها أمام المصطافين، وفي بعض الأحيان تحتاج الغريقات إلى التدخل الطبي والمساعدة بالإسعافات الأولية الضرورية قبل نقلها لتلقي الخدمة العلاجية اللازمة في المستشفى، وهنا يكمن دورنا لأن مجتمعنا له خصوصية، وتحكمه العادات والتقاليد، ووجودنا كمنقذات بحريات على شاطئ البحر يحقق كثيراً من الغايات المهمة، وأبرزها المساعدة في حفظ أرواح النساء".
ومن المقرر في موسم الصيف هذا أن يعمل نحو 400 منقذ بحري على ساحل قطاع غزة، ومن بينهم نحو 80 منقذة بحرية، بحسب مدير دائرة الإنقاذ البحري في وزارة الحكم المحلي بقطاع غزة إيهاب السلطان.
ويوضح السلطان أن عمل النساء في مجال الإنقاذ البحري يضفي خصوصية لحالات الغرق التي قد تحدث للفتيات والسيدات، وهذا الإطار مهم جداً لخصوصيتهن ويعد أحد أشكال دمج المرأة في سوق العمل والمهن الصعبة.
تدريبات معمقة
تلقت حنين وزميلاتها المنقذات البحريات دورات تدريبية تؤهلهن للتعامل مع البحر وتقلباته المستمرة وكذلك تجهزهن لمساعدة الغرقى من النساء، بإشراف من الهيئة الفلسطينية للتنمية (مؤسسة غير حكومية تهتم بمساعدة نساء غزة).
تقول مسؤولة العلاقات العامة في الهيئة الفلسطينية للتنمية نجاح أبوقاسم إنهم دربوا الفتيات المنقذات بشكل معمق حتى بتن على دراية كاملة بتقلبات البحر من جهة أنواع التيارات الهوائية وتأثيرها التي بموجبها يتم تحديد المناطق الخطرة من تلك المسموح فيها بالسباحة، إضافة إلى آليات التعامل مع الغريقات، والإسعافات الأولية الواجب تلقيها فور إنقاذهن من البحر إلى الشاطئ.
وتوضح أبوقاسم أن هذا الموسم ستعمل النساء كما الرجال في مهنة الإنقاذ البحري وبدوام كامل على مدى الموسم، مما يقلل تعرض الفتيات للأخطار التي تعصف بحياتهن لرفض ذويهن أن يتعامل معهن منقذون رجال بالإجراءات الصحية الواجبة بعد انتشالهن من الغرق.