منصة إلكترونية جديدة تحتل مكان سوق الساعات القديم

منذ 10 أشهر 105

لا يخفى على أحد أن عام 1929 كان شاهداً على الانهيار الكبير لسوق الأسهم والذي أدى إلى الكساد الاقتصادي العظيم، فيما أصبح الـ 19 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1987 "الاثنين الأسود" أشهر من نار على علم، ليس بسبب عروض التسوق الجنونية، بل لأنه كان لحظة بيع كبيرة للأسهم مما مثل نهاية فترة الرخاء الاقتصادي، كما لا يمكن أن ننسى الأزمة المالية الهائلة التي حدثت عام 2008 والأعوام التي تلته من التقشف الصارم والتحديات الاقتصادية.

وإذا كنت من محبي جمع الساعات فإن عام 2023 شهد أحداثاً مماثلة لتلك المذكورة، فقد كان أحد الآثار الجانبية غير العادية وغير المتوقعة لجائحة "كوفيد-19" هو الطفرة في شراء الساعات، إذ قام جيل هواة ساعات من المتعلمين الذاتيين عبر الإنترنت بتعزيز مجموعاتهم وقاموا بالتفحص العميق للمواقع الإلكترونية ومتابعة تحديثات المتعلقة بالساعات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وإضافة إلى هؤلاء المحبين للساعات انضم المضاربون في سوق الساعات إلى اللعبة، وفي بداية صيف عام 2022 كانت بعض الساعات المرغوبة، بما فيها "باتيك فيليب" Patek Philippe و"ناوتيلوس" Nautilus و"أوديمار بيغيه رويال أوك" Audemars Piguet Royal Oak، تتداول بأسعار تصل إلى ستة أضعاف سعر التجزئة الرسمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأن الساعات تمنحك دوماً إحساساً بالقيمة، سواء من الناحية النقدية أو العاطفية، وكما يُظهر الإعلان الشهير لـ "باتيك فيليب" فإن الساعات ليست مجرد وسيلة لمعرفة الزمن، بل هي أيضاً بوابة تحمل في أعماقها الذكريات الثمينة التي تمتد عبر الأجيال، إذ يمكن حملها من مكان إلى آخر بسهولة أكبر من اللوحات، وتحتل مساحة صغيرة في المرآب مقارنة بالسيارات الرياضية، كما أنها تتمتع بقيمة ثمينة في القرن الـ 21 مثل القطع الفنية التي يجري اقتنائها وجمعها.

وعلاوة على ذلك فهي تمنحك المكانة والقوة نفسها التي تخالج النساء عند اقتناء حقيبة يد "هيرميس" Hermès، وبالطبع لا يمكنك أن تصطحب سيارتك الفاخرة أو لوحاتك الفنية إلى طاولة المطعم، إلا أنه بإمكانك بالتأكيد استعراض ساعتك بأناقة ملفتة أمام كل من حولك.

عرض دعائي لساعة اليد الفاخرة "باتيك فيليب أس أيه" في معرض "بازل وورلد" التجاري (بلومبيرغ عبر غيتي)

في العام الماضي بدأت الأمور تخرج عن السيطرة وسمعتُ عن مجموعات استثمارية تشتري ساعة واحدة ببطاقات الائتمان، كما لو كانوا هؤلاء يشترون حصة في جواد مخصص لسباقات الأحصنة، وذكر أحدهم أن بائع سيارات استقال من وكالة محلية كبرى ليصبح تاجراً للساعات.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "ساعات سويسرا" Watches of Switzerland "كنت اضطر إلى تدريب موظفينا على كيفية التعامل مع العملاء المستائين"، لا سيما أن أعراض سيئة أخرى قد ظهرت لانتعاش سوق الساعات، وهو ارتفاع نسبة السرقات التي يصاحبها عنف، ونقرأ شهرياً عن حادثة أو اثنتين وعن شخصية بارزة مثل أليد جونر، مقدم برنامج "سونغز أوف برايز" Songs of Praise، يتعرض للاحتجاز على يد مراهق يحمل ساطوراً وتسرق ساعته.

ولكن بعد ذلك انفجرت الفقاعة، ولذا فقد تعتقد أنها قد لا تكون اللحظة الأكثر ملاءمة بالنسبة إلى رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية جيوفاني بريدجيغالو البالغ من العمر 28 عاماً والذي تحول إلى تاجر ساعات بعدما أطلق منصة "إيفري ووتش" (كل الساعات) EveryWatch عبر الإنترنت التي تقوم بتجميع وتسويق وتحليل وتتبع ومراقبة تغير أسعار الساعات، وتحول ثلاثة عقود ونصف من بيانات دور المزادات وأخبار الساعات التي ستعرض في المزادات والتجار إلى رسوم بيانية ومخططات دائرية ورسوم بيانية وتنبيهات فورية.

ساعة فاخرة عملاقة من إنتاج الشركة الألمانية "آ لانغه أوند زونه" في معرض "الساعات والعجائب" في جنيف (أ ف ب عبر غيتي)

ويوضح بريدجيغالو قائلاً إنه "كان من الأسهل إطلاق المنصة قبل عام أو عامين لأن حماسة المشترين كانت أكبر، ولم يكن الناس يهتمون بالأسعار إذ كانوا يشترون الساعات بلا توقف ومن دون تفكير في عواقب الغد، إلا أنه وبعد أن عانى كثيرون انخفاض قيمة الساعات بصورة كبيرة أصبحت هناك حاجة حقيقية إلى فهم السوق".

ويضيف بريدجيغالو أن "إيفري ووتش" أُنشأت لمحبي جمع الساعات الحقيقيين وليس للمضاربين الذين تضرروا، لافتاً "إذا كانوا لا يزالون شغوفين بالساعات ويرغبون في شرائها وفهم كل ما يدور حولها فإن المنصة تعمل على دعمهم بالمعلومات لفهم السوق، وأين يمكن أن يضعوا أموالهم بصورة أفضل".

وجاءت فكرة إطلاق المنصة خلال محادثة مع هوارد مورغان من شركة "ناكر كابيتال" Nacre Capital الذي أشار إلى أن "شركات تجميع البيانات كانت موجودة في كثير من الصناعات، مثل الفن والنبيذ والسيارات، ولكنها كانت غائبة تماماً في سوق الساعات الذي كان مشتتاً جداً، فإذا كنت مشترياً في المزاد فعليك البحث في مواقع الإنترنت أو الكتالوجات الخاصة بدور المزادات "سوثبيز" Sotheby's و"كريستيز" Christie's و"فيليبس" Phillips، كل منها على حدة، وبالطبع من الصعب متابعة المئات بل الآلاف من دور المزادات في جميع أنحاء العالم"، ناهيك عن التجار الموزعين.

"الساعة الماسية" الذكية معروضة في بازل، سويسرا (بلومبيرغ عبر غيتي)

وكمثال يستحضر بريدجيغالو قصة صعود وهبوط واحدة من أكثر الساعات إثارة في الطفرة الاقتصادية الأخيرة، وهي ساعة "أوديمار بيغيه رويال أوك" 15202 المصنوعة من الفولاذ، إذ "بيعت إحدى هذه الساعات من قبل دار المزادات ’فيليبس‘ في الأول من ديسمبر (كانون الأول) عام 2020 في أوج السوق مقابل 163 ألف دولار، بينما أحدث سعر بيع لهذه الساعة لا يزيد عن 56700 دولار لدى دار "كريستيز" للمزادات في الخامس من ديسمبر عام 2023"، ولكن الأمور لا تسير في اتجاه واحد إذ تُظهر لنا المعلومات على المنصة أن ساعة "باريس كارتييه كراش" Paris Cartier Crash التي بيعت عام 2008 بمبلغ 13 ألف يورو (11250 جنيه استرليني) حققت مبلغاً 216300 جنيه استرليني (251145 دولاراً) حين عرضت في دار "بونامز" للمزادات Bonhams يوم الـ 13 من ديسمبر عام 2023.

والحق أن منصة "إيفري ووتش" أكثر من مجرد سوق مفتوحة أو أرشيف للأسعار، فهي تحوي ميزات عدة تجذب عشاق جمع الساعات، إذ إن القيمة هي جزء بالطبع من ذلك، ولكن أن تكون مهتماً بالساعات، سواء كان ذلك كهواية أو عمل أو نشاط جانبي، فهذا يعتمد بصورة كبيرة على الإحصاءات والأبعاد وحجم الإنتاج والأرقام التسلسلية ومدة الإنتاج وعدد القطع وعدد الوظائف في الساعة وعدد ساعات الطاقة الاحتياطية وعدد التغييرات على الأسطوانة وعدد الترددات في الثانية الواحدة، والإحصاءات لا تنتهي، وما لم تكن داستن هوفمان في فيلم "رجل المطر" Rain Man فمن المستحيل أن تحتفظ بهذه الأرقام في ذهنك [لعب هوفمان في الفيلم شخصية رجل مصاب بالتوحد وعبقري في الحسابات].

رجل الأعمال السابق في مجال التكنولوجيا الحيوية جيوفاني بريدجيغالو هو الرجل الذي يقف وراء منصة "إيفري ووتش" الجديدة (جيوفاني بريدجيغالو/إيفري ووتش)

وللحقيقة فإن جيوفاني يدهشني بحديثه عن الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وجميع تلك الحقائق الرائعة، والتي تترجم ببساطة امتلاكه أدوات التعامل مع كمية ضخمة من المعلومات وبحر من الإحصاءات للغوص فيه، استناداً إلى الأرقام التي تعود لمزاد مونو-براند الشهير لـ "باتيك فيليب" عام 1989، والذي يعد عموماً نقطة البداية في عصر جمع الساعات الحديث.

ولا يمكنني الجزم بأن ذلك سيغير مفهوم اللعبة تماماً، ولكني أرى أنه يفتح مجالاً واسعاً وبلا نهاية، فهناك مثلاً ميزة تتيح للمستخدمين تتبع قيمة مجموعاتهم الخاصة والاستفادة من تحديثات وحركات الأسعار مرتين يومياً، على رغم أنه نظراً إلى الحال الحالية للسوق فقد يكون ذلك عبارة عن معلومات أكثر من اللازم.