في مايو (أيار) 1966 أقدم بواب في «البنك العربي» يدعى عدنان سلطاني على اغتيال صاحب جريدة «الحياة» كامل مروة في مكتبه، كان مروة أحد رواد الصحافة الحديثة، وقبلها كان قد عمل في برلين من أجل القضية الفلسطينية.
احتفت الصحف والجماعات القومية بالقاتل وبالجريمة، وأعطت سلطاني مرتبة المناضلين، فيما دخل السجن يمضي سنوات الحكم. وعندما اندلعت الحرب الأهلية، كان أول واجب قومي قام به المناضلون، فتح أبواب السجون، وإطلاق جميع فئات المحكومين، وفي طليعتهم المناضل عدنان سلطاني. وصارت تقام مهرجانات خطابية يكون الخطيب الأول فيها، الأخ المناضل...
من سمات، أو صفات، سلطاني، أنه أقر في محاكمته بأنه لم يكن يقرأ كامل مروة أو جريدة «الحياة». سوف نتعرَّف إلى هذا النوع من المناضلين، عندما يحاول عامل كاراج في مصر ذبح أمير الرواية العربية نجيب محفوظ، بسبب «أولاد حارتنا». وعندما يُقبض عليه يعترف بأنَّه لم يقرأ الرواية ولا غيرها لأنَّ عمله في تصليح عجل السيارات لا يسمح له بذلك.
في روايته الشهيرة والوحيدة «بيرة في نادي البلياردو»، يقول وجيه غالي «هل تعرف عدد الشبان، من أطباء، ومهندسين، ومحامين، في معسكرات الاعتقال، أم أنك لا تعرف في الأساس أن هناك معسكرات اعتقال»؟ عندما يصل صنع الله إبراهيم إلى سجن أبو زعبل، ويدفعه الحرس إلى الداخل، يكتشف أن أحداً منهم لا يعرف القراءة، فكيف بمعاني الرواية؟ يقول محمد الماغوط، شاعر البسطاء الأحب، «في السجن انهارت أمامي كل الأشياء الجميلة. بدل أن أرى السماء، رأيت جزمة، جزمة عبد الحميد السراج، التي تركت بصمتها علي طوال حياتي».
ثم تعطى صفة المناضل للراحل سلطاني، الذي أمضى السنوات الأخيرة من حياته عاملاً في حقل الثقافة والأدب، موظفاً في إحدى دور «الجماهيرية العظمى»، مكافأة له على مساهمته الكبرى في رفد وتعزيز العمل القومي. هل أخطأ المثقفون؟
هل يستحق نضالهم وشجاعتهم ليلة في زنزانة؟ وهل تستحق الثقافة العربية كلها مشهد الميكانيكي يحاول ذبح نوبل العرب، لأنَّ الذي حرّضه على ذلك صاحب الكاراج أو معلم الحدادة فيه؟ سعداء الحظ من المثقفين هم من اكتفى أعداء الثقافة برميهم في السجون يمضون فترة من أعمارهم فيها. بعضهم كان سيئ الحظ مثل نجيب محفوظ، وكامل مروة، ورياض طه. عندما لا تجد القوة وسيلة لمواجهة الثقافة سوى الرصاص والسكاكين فلأن الخوف من الضعفاء لا يهزم.