من يحمي "العمامة" الجزائرية من الاندثار؟

منذ 1 سنة 135

تختلف تسمياتها وطرق لفها من منطقة إلى أخرى، غير أنها تحظى بالإجماع على أنها رمز الشهامة والأصالة والقوة في الجزائر، إنها "العمامة" التي تغطي الرأس بطرق وألوان مختلفة، ومع كل لفة حكاية، ومع كل لون قصة، وبين هذا وذاك تبقى الإشارات توحي إلى معانٍ وروايات.

رمز وتسميات

كان خروج الجزائري من بيته ورأسه عارياً من "الكبائر" المجتمعية، فهو قفز على التقاليد وتجاوز للأعراف والعادات، لذا يعد وضع قطعة قماش ملفوفة بشكل دائري أمراً ضرورياً من الرجولة والفخر والاعتزاز، وهو ما حاول الاستعمار الفرنسي اللعب عليه في الفترة بين عامي 1830 و1962، من أجل المساس بكرامة السكان وإضعاف هيبتهم، حيث عمد إلى نزع كل ما يضعه الجزائري فوق رأسه في محاولة لإهانته، كما كان ينزع العمامة عنوة ليقيد بها يدي كل من يلقي عليه القبض لإذلاله وإهانة الشعب الذي كان يرى فيها هيبة واعتزازاً، وفي سقوطها مذلة لصاحبها، لا سيما أنها أخذت أبعاداً أخرى بعد أن باتت مرتبطة بالدين واللغة والهوية على رغم أن وضعها يأتي كحماية للرأس من الحر والبرد.

لها تسميات عدة، منها "العمامة" و"الشملة" و"الرزة" و"الكنبوش" و"الشاش" و"تاكلموست"، وهي جزء من التراث المادي واللامادي وموروث شعبي يضاهي كل قبعات شعوب العالم لما يحمله من أصالة وقيمة تاريخية وثقافية وجمالية تتوج رأس كل من يرتديها، ويقال عنها في الأثر "بين العمامة والعقال تختبر معادن الرجال"، كما قال في شأنها عمر بن الخطاب "العمائم تيجان العرب، فإذا وضعوها وضع الله عزهم".

أنواع التعميمة

وتختلف "التعميمة"، أي طريقة لبس هذه القطعة التراثية التي يترنح طولها بين خمسة وسبعة أمتار، ولا يتجاوز عرضها 40 سنتيمتراً، كما تختلف ألوانها وأشكالها، وأهمها شاش التوارق أو "تاكلموست"، والتي تعد قطعة مقدسة عند الرجل الذي تظهر مكانته الاجتماعية بحسب طولها ولونها، غير أنها تغطي الرأس والوجه أيضاً على عكس باقي عمامات الجزائر التي توضع فوق الرأس فقط، وتقول الروايات بخصوص هذه الطريقة إن الرجال خجلوا من هزيمتهم في إحدى المعارك، فتلثموا أمام النساء عند عودتهم إلى الديار، لكن يشير المؤرخون إلى أن الأمر يرجع إلى مناخ المنطقة وطبيعتها الصحراوية، فهي بمثابة واقٍ من الأتربة والغبار والحرارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتميز العمامة "الهلالية" بلونها الأبيض الناصع وطريقة لفها التي تأتي "فوضوية" بسيطة وتشمل الرقبة أيضاً، غير أن البدو هم من يتمسك بها على عكس باقي العمامات التي تجدها في المدن، وتنتشر في المناطق الداخلية من الجزائر.

وتعد العمامة "التوتية" أو "33 لفة" أو "الرزة الصفراء" الأشهر في الجزائر، إذ لا تزال تحظى بانتشار بالغ واهتمام لافت في محافظات غرب البلاد، لرمزيتها الدينية وهويتها الثقافية المجتمعية، وتختلف طريقة لفها على الرأس من منطقة إلى أخرى، فـ"التوتية" سميت بذلك نسبة إلى رسومات قماشها، التي هي على شكل حبات فاكهة التوت بطرز من خيوط الحرير، ومعروفة بـ"33 لفة" لعدد لفاتها على الرأس، وأما "الرزة الصفراء" فبسبب لونها الأصفر في مناطق عدة.

لباس الأجداد

يقول المتخصص في علم الاجتماع رضوان قروم في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن ارتداء العمامة ظل مستمراً حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي قبل أن يعرف تراجعاً كبيراً من طرف الجيل الصاعد بسبب ظهور أنواع جديدة لأغطية الرأس استوردت من بعض الدول العربية والغربية. وأضاف أن ما يؤسف مجتمعات دول المغرب العربي هو "تخليهم عن لباس أجدادهم والتحول إلى لباس غيرهم من الأمم على عكس المشارقة الذين لا يزالون يلبسون زيهم العربي الفخم، والذي بدت عليه تحسينات سايرت فيها التطور المادي"، مشيراً إلى "انسلاخ دول الشمال الأفريقي من لباسها الشعبي، والذي بقي ذكريات في الصور والمناسبات أو على كبار السن ممن لم يقدر الزمن تغيير ذهنياتهم وتمسكهم بهويتهم".

حجاج_الجزائر_بالعمامة_الهلالية_البيضاء-الاذاعة_الجزائرية.jpg

ويتابع قروم "كان بالإمكان الحفاظ على اللباس الجزائري من خلال إدخال تحسينات عصرية عليه، وما تقوم به المجتمعات الخليجية أحسن دليل على التمسك بالموروثات ومسايرة التطور والعولمة دون ضجيج، موضحاً أنه لا مهارة أو مكانة سيكتسبها من يلبس لباس الغير، ربما يكون التنوع جميلاً، لكن أن تتخذ ملك الغير لباسك الدائم فذلك أمر يدعو إلى القلق". وختم متسائلاً "ما الذي سيخسره الجزائري إذا لبس عمامة وقندورة كما لبس أجداده؟".

فوائد كثيرة

وتصنف كتب التاريخ فوائد "العمامة" في نقاط عدة أهمها أنها وقاية للرأس من الحر والبرد وضربة الشمس والغبار، ويمكن استعمالها كحبل بسبب طولها، من أجل استخراج الماء أو قيد الحيوان أو ربط حزم الحطب، وغيرها، كما تستخدم كلحاف يغطي وجه الرجل أو سائر جسده إذا أراد النوم، وأيضاً ككفن للميت، حيث في البادية أو في زمن العسر قد لا يجد أهل الميت ما يكفنون به المتوفى، فيعمدون إلى عمامته أو لباسه الذي مات فيه، إلى جانب أنه يمكن استخدام "العمامة" كمصفاة عند شرب ماء به شوائب أو لإعداد القهوة، وكذلك تستعمل من أجل المخيط عند الضرورة بعد نزع خيوط منها، وتعد علامة تستعمل للبعيد من خلال التلويح بها.

وتستخدم "العمامة" كضمادة للجريح والمكسور وكغربال للبارود، وكذلك للأعشاب الطبية بعد طحنها لإزالة الشوائب قبل تناولها، كما تستعمل معقالاً لرمي الحجر، ولثاماً بحسب الحاجة إما لحماية للمتألم من أسنانه فيؤذيه وقع الهواء البارد عليها، أو للتخفي أو للمريض بالحمى حتى لا يؤذي الناس، وأيضاً لحماية الأنف والعين من الروائح والأتربة، كما يتم اعتمادها كحزام وحافظة نقود ووثائق، وكيس يجمع فيه الرجل زاده، وسدادة حين المبيت في مكان به الهوام والحشرات المؤذية، ويمكن اتخاذها فخاً للصيد.