من هو "ملك الغابة المصرية القديمة" وكيف انقرض؟

منذ 17 ساعة 12

دبي ،الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع أسنان حادة إسوة بالقطط، وجسم شبيه بأجسام الكلاب، تربّعت الحيوانات العليا المفترسة القديمة، "hyaenodonts"، على قمة السلسلة الغذائية. لكن انقراض السلالة بأكملها قبل حوالي 25 مليون سنة، ترك علماء ما قبل التاريخ يتصارعون على الأسباب التي أدّت إلى اختفاء المفترس الرئيسي. 

غير أنّ فريقًا دوليًا من علماء الحفريات عثروا على قطعة جديدة من اللغز، جمجمة كاملة تقريبًا لنوع مجهول من فصيلة هيانودونتا. قد يُقرّب هذا الاكتشاف ربّما العلماء خطوة من فهم هذه الوحوش الشرسة وتاريخها التطوّري. 

وتعتبر الحفرية المكتشفة في منخفض الفيوم بالصحراء الغربية بمصر، الجمجمة الأكثر اكتمالا من فصيلة hyaenodonta الفرعية Hyanailourinae التي يمكن العثور عليها في أفريقيا. ويعود تاريخ الجمجمة إلى عصر الأوليغوسين المبكر، قبل حوالي 30 مليون سنة، وفق دراسة نُشرت في مجلة علم الحفريات الفقارية، الإثنين. 

وتأثر مؤلفو الدراسة لحظة اكتشافهم الجمجمة في العام 2020، لمدى ندرة الاكتشاف النادر، بحسب المؤلفة الرئيسية شروق الأشقر، طالبة الدكتوراه بمركز علم الحفريات الفقارية في جامعة المنصورة، ومساعدة باحث في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. 

وقالت الأشقر: "لقد كانت لحظة مذهلة.. هذه الجمجمة مهمة بالنسبة لنا، ليس فقط لأنها كاملة وثلاثية البعد، وجميلة، بل لأنها توفر لنا أيضًا سِمات جديدة لمعرفة المزيد عن هذه المجموعة المنقرضة من الحيوانات آكلة اللحوم". 

أكلة اللحومتقف مؤلفة الدراسة الرئيسية شروق الأشقر أمام الجمجمة التي تنتمي إلى نوع لم يتم التعرف عليه سابقًا، والذي أطلق عليه اسم Bastetodon syrtos كإشارة إلى الإلهة المصرية القديمة باستت التي تتمتع برأس قطة.Credit: Hesham Sallam

وبحسب الدراسة، أطلق الباحثون على هذا النوع الذي يضاهي حجم النمر اسم Bastetodon syrtos، في إشارة إلى الإلهة المصرية القديمة باستت ذات رأس القطة، بسبب الأنف الفريد من نوعه الذي يتمتع به، والأقصر مقارنةً بالأنواع الأخرى من الهاينودونت. بالإضافة إلى الأسنان الحادة التي تشبه السكين، فإن الخطم كان سيعطي المخلوق عضّة قوية للغاية، بحسب الأشقر.

ولفتت الأشقر إلى أنه "يمكننا القول بكل وضوح إن باستيتودون كان ملك الغابة المصرية القديمة".

توفر الحفرية فرصة نادرة للإطلاع على حقبة التغييرات البيئية العالمية والحيوانية، عندما تنقرض بعض الأنواع بينما يتم إدخال أنواع جديدة بسبب التغيرات المتفاوتة في الموائل. وقال الباحثون إن هذه التغييرات ساعدت على تحديد الحيوانات المفترسة للقطط والكلاب التي نراها اليوم.

الحيوانات القديمة من آكلة اللحوم

تم العثور على حفريات Hyaenodonta في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، وأفريقيا. كان بعضها كبيرًا مثل وحيد القرن، فيما كان البعض الآخر يشبه حيوان ابن عرس الصغير.

خلال فترة الأوليغوسين، كان منخفض الفيوم عبارة عن غابة مطيرة استوائية خصبة. لذا ربما افترس باستيتودون الرئيسيات مثل القرد المصري (Aegyptopithecus) حينها، قريب قديم للبشر، وكذلك أفراس النهر، والفيلة المبكرة.

أكلة اللحوماكتشف علماء الحفريات الجمجمة في العام 2020، في منخفض الفيوم، بالصحراء الغربية لمصر. Credit: Hesham Sallam

وبحسب المؤلف المشارك للدراسة د. ماثيو بورثس، أمين الحفريات بمتحف مركز ديوك ليمور للتاريخ الطبيعي في جامعة ديوك بدورهام في ولاية نورث كارولينا، فإن لديهم رؤوسًا كبيرة حقًا كانت مغطاة بالعضلات. 

وأوضح أنه من النادر العثور على حفريات آكلة للحوم القديمة لأن عدد الحيوانات المفترسة العليا في النظام البيئي أقل من الحيوانات الأخرى، مثل الحيوانات العاشبة. وأضاف أنه في كثير من الأحيان، لا يتم العثور إلا على أسنان أو أجزاء من الجماجم.

وتابع بورثس أنّ اكتشاف مثل هذه الجمجمة الكاملة يسمح للباحثين بمعرفة السمات الملموسة للحيوان، مثل كيفية مقارنة الارتباطات العضلية الكبيرة بحجم أسنانه، وحجم دماغه، أو حتى قوة حاسة الشم لديه.

كما قارن الباحثون جمجمة باستيتودون بحفريات نوع آخر من فصيلة هيانودونتا أكبر حجمًا، وُجد في أفريقيا قبل حوالي 120 عامًا. المجموعة الأخيرة التي أطلق عليها مؤلفو الدراسة اسم Sekhmetops، كان يُعتقد في الأصل أنها مرتبطة بمجموعة أوروبية من الهاينودونتات. 

وفي حين أنه لم يتم العثور إلا على فكين وعظام وجنتين للأنواع الأكبر حجمًا، إلا أن الباحثين تمكنوا من مقارنة النتائج المستخلصة من تلك البقايا مع جمجمة باستيتودون، وإثبات أنّ الحيوانين من المفترس العلوي ينتميان إلى نفس المجموعة من الهاينودونت التي نشأت في أفريقيا.

وأوضحت الدكتورة نانسي ستيفنز، أستاذة الأنثروبولوجيا ومديرة متحف التاريخ الطبيعي في جامعة كولورادو بولدر، لـCNN، أنه "من النادر العثور على مثل هذه العينة الكاملة، التي حافظت على الأسنان القوية وعلى الجوانب الدقيقة من تشريح الجمجمة". 

وقالت ستيفنز، غير المشارك في الدراسة: "فقط من خلال التحليلات التفصيلية لعينات مثل هذه يمكننا استكشاف أنماط الحركة المعقدة للحيوانات المفترسة العلوية عبر المناظر الطبيعية في الماضي. وهذا يساهم بفهم أفضل لديناميكيات الحيوانات من حولنا اليوم". 

دورة التغيير الحيوانية

كان الانقراض الإيوسيني-الأوليغوسيني بمثابة حدث تبريد عالمي تمّ قبل حوالي 34 مليون سنة، تسبّب بانقراض جماعي وتغيير كبير على مستوى الثروة الحيوانية. وقال بورثس إنّ الضباع السنية التي نجت أظهرت بعد ذلك مدى قدرة الحيوانات على التكيف والمرونة.

لكن بعد بضعة ملايين من السنين، انقرضت وحلّ مكانها الحيوانات المتحدرة منها مثل الكلاب، والقططـ والضباع. وأضاف بورثس أنه من خلال سد فجوات السجل الأحفوري، يمكن لعلماء الحفريات أن يفهموا بشكل أفضل سبب انقراض الزواحف التي نجت في السابق، ومدى التكيف والضغط البيئي الذي تعرّضت له وكان في وسع هذه السلالة تحمله.

بالنسبة للدكتورة كاثرين بفاف، باحثة ما بعد الدكتوراه، ومحاضرة بمعهد علم الحفريات في جامعة فيينا بالنمسا، غير المشاركة في الدراسة، "إن نهاية هيانودونتا في أواخر عصر الأوليغوسين تظهر كيف أثّر تغيّر المناخ، والضغوط التنافسية، والتغييرات في توافر الفرائس للحيوانات المفترسة العلوية". 

وأشارت بفاف في حديثها مع CNN، إلى ترتيب وتطور أسنان الحيوانات، بالقول إنها "حقيقة خسرت أمام القطط والكلاب في تطورها لا تزال لغزا، لكن قد يكون سبب ذلك أسنانها المتخصصة للغاية. لهذا السبب، فإن مثل هذا الاكتشاف الكامل كما هو موضح هنا، يقرّبنا خطوة من حل اللغز، حتى لو كان مجرد عينة متوسطة الحجم".