من الحرب إلى فضائح المشاهير: كيف تصدع الأخبار صداقتنا إلى الأبد؟

منذ 1 سنة 106

كانت ميليسا*، 30 سنة، تعد العشاء عندما توقفت لإلقاء نظرة سريعة على حسابها في "إنستغرام" وشاهدت منشوراً عن الحرب بين إسرائيل و"حماس" شاركته إحدى زميلاتها. وتتذكر قائلة، "لقد بدت الصياغة غير حساسة"، موضحة كيف حاول المنشور وضع هجمات "حماس" في إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ضمن سياق أوسع. وعلقت قائلة، "ومن دون إبداء أي تعاطف مع الإسرائيليين الذين قتل أو اغتصب أو اختطف أفراد من عائلاتهم، بدأت [زميلتها] على الفور في نشر الأعلام الفلسطينية، ومحاولة شرح تاريخ الاحتلال. نحن أصدقاء مقربون، وكثيراً ما نلتقي خارج العمل، هي تعرف أنني يهودية ولديّ عائلة في إسرائيل".

بعد رؤية عديد من المنشورات المشابهة، شعرت ميليسا بأنها مضطرة إلى إخبار زميلتها بأن المنشورات أزعجتها. وأوضحت: "حاولت أن أسألها لماذا تتحدث عن هذا الأمر دون إدانة ما فعلته "حماس"، وأوضحت لها كيف أثر ذلك علي، وتحول الأمر بيننا إلى جدال كبير. كانت ترسل لي كل أنواع البيانات وتستخدم لغة تحريضية للغاية، قائلة إن هناك إرهابيين من كلا الجانبين. أصبح الوضع الآن غريباً حقاً في المكتب: نحن نتجنب بعضنا بعضاً".

ما حصل مع ميليسا ليس بالأمر غير المعتاد. في الواقع، اليوم، مع تزايد تسييس حياتنا، وازدياد الخطابات المتعارضة على الإنترنت، أصبح المجتمع أكثر استقطاباً من أي وقت مضى. بالنسبة إلى البعض، يؤدي ذلك إلى سلسلة من المواجهات الكلامية بين الأصدقاء، مما يكشف عن وجهات نظر مفاجئة، بينما تنكشف الجوانب المخفية [المعتمة] تحت ضوء النهار الساطع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك أن الاختلاف حول السياسة خلال المناسبات الاجتماعية ليس أمراً جديداً، ولكن يبدو أنه أصبح أكثر انتشاراً منذ جائحة "كورونا"، التي قسمت كثيراً منا حول موضوعات تراوح ما بين الخدمات الصحية الوطنية والإغلاقات العامة إلى ارتداء الأقنعة واللقاحات الإلزامية. وليس الأمر كما لو أننا لم نكن نملك مواضيع للحديث عنها قبل ذلك. سواء كان الأمر يتعلق بالحرب بين إسرائيل و"حماس"، أو أزمة المناخ، أو أندرو تيت [ملاكم سابق اكتسب شهرة على مواقع تواصل الاجتماعي، قبل أن يحظر ويواجه اتهامات متعلقة بالاتجار بالبشر والاغتصاب]. في عام 2023، هناك عدد لا يحصى من القضايا الاجتماعية والسياسية حولنا، وهي قادرة على تفرقتنا.

عام 2021، نشر "مركز أبحاث السياسات العامة" Centre for Policy Studies، استطلاعاً يزعم أن البريطانيين "يقصون بعضهم بعضاً ويستبعدون بعضهم بعضاً من حياة الآخر" بسبب الخلافات السياسية. ووجد البحث، الذي ترأسه الدكتور فرانك لونتز، أن نصف الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة وثلث الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 30 سنة توقفوا عن التحدث إلى شخص ما بسبب اختلاف برأي سياسي. وفي الوقت نفسه وجد "مركز بيو للأبحاث" Pew Research Center أن 80 في المئة من الأميركيين لديهم الآن "عدد قليل من الأصدقاء" أو ليس لديهم أصدقاء على الإطلاق من الفريق السياسي الآخر. ويبدو أن حتى هذه القضية أصبحت مسيسة، لأن دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "إبسوس" Ipsos زعمت أن الليبراليين كانوا أقل تسامحاً من اليمينيين مع الاختلاف السياسي.

مع كل ما يحدث في العالم الآن، والوابل الذي لا نهاية له من القضايا الإنسانية والبيئية والاجتماعية والسياسية، فمن المنطقي أن يرغب الناس في مناقشة هذه المواضيع مع أصدقائهم، ولكن كيف من المفترض أن نحافظ على تلك الصداقات عندما يكون الجميع منقسمين إلى هذا الحد؟ هل من الممكن حقاً أن تخوض نقاشاً سياسياً حاداً مع أحد أصدقائك ثم تتقفون على ألا تتفقوا؟ وماذا لو سلطت هذه المشكلات الضوء على وجهات نظر لم تكن تعلم أن أصدقاءك يمتلكونها من قبل؟

بحسب الاستشاري في المؤسسة الخيرية لدعم العلاقات "ريلايت" Relate، غوربريت سينغ: "لا تعتمد الصداقات على وجهات النظر السياسية المشتركة فحسب، بل إنها تستند أيضاً إلى أشياء أخرى كثيرة، كالاهتمامات المشتركة والقيم المشتركة والعلاقات الشخصية ومراحل الحياة. إذا قوربت محادثة مع صديق له وجهات نظر سياسية مختلفة بطريقة منفتحة ومن دون إصدار احكام، يصبح من الممكن أن تكون التجربة غنية تساعدك على فهم وجهة نظر مختلفة".

"إذا كنت ستنهي علاقة صداقة بسبب خلاف سياسي، فمن الأفضل أن تأخذ وقتاً للتفكير في قرارك والتفكير ملياً في الأمور بدلاً من التصرف بشكل انفعالي في اللحظة"

المشكلة هي أنه من أجل تسهيل هذا النوع من المحادثات، يجب أن يكون كلا الطرفين منفتحين ومستعدين للقيام بذلك، وهذا ليس هو الحال دائماً، كما أن الموقف لا يساعد عندما لا يقتصر الأمر على خلاف مع صديق واحد فقط، بل على مجموعة بأكملها. قبل عامين، كانت أليس*، البالغة من العمر 28 سنة، في منتصف حديث مع مجموعة من أصدقاء الدراسة عندما تحول الحديث إلى حديث عن ميغان ماركل، التي كانت قد زعمت في ذلك الوقت خلال مقابلة مع أوبرا وينفري أن هناك "مخاوف" داخل العائلة المالكة في شأن لون بشرة طفلها. تتذكر أليس، وهي بيضاء البشرة: "لم يعتقد أي منهم أن الأمر يتعلق بتصنيف عرقية، لقد حاولوا فقط تبرير ذلك. وعندما حاولت أن أشرح لماذا، حال كان هذا صحيحاً [الادعاءات]، فهو موضوعياً أمر عنصري، قالوا لي جميعاً أن اهدأ وظلوا يقولون إن الأمر لا يؤثر فيّ".

وكان هناك موضوع آخر أدى إلى انقسام بين الأصدقاء في الأسابيع القليلة الماضية وهو قضية الممثل الإنجليزي راسل براند. في الشهر الماضي، اتهم الممثل الكوميدي الناشط على موقع "يوتيوب" بالاعتداء الجنسي والإساءة العاطفية (وهي اتهامات نفاها راسل)، لكن المعجبين سارعوا إلى الدفاع عنه، باحثين عن ثغرات في الادعاءات ومعبرين بشدة عن دعمهم له عبر وسائل التواصل الاجتماعي. عندما أثارت أليس الموضوع مع مجموعة الأصدقاء أنفسهم، صدمت بمدى تشكيكهم في متهمي براند. وقالت "لقد نبشوا عن ثغرات في قصص كل امرأة، وتسألوا أين الدليل؟".

بالنسبة لأليس، التي تعرضت لاعتداء جنسي، كان الحديث بمثابة جرس تنبيه، وتقول "لقد بدأت أشعر بفرط التنفس عندما حاولت أن أشرح لماذا كان ما يقولونه مؤذياً للغاية، لكنهم جميعاً طلبوا مني أن أهدأ مرة أخرى وألا أكون عدائية. كانت تلك اللحظة هي التي جعلتني أدرك أنني حقاً في حاجة إلى الابتعاد عنهم، ليس من الجيد بالنسبة إليَّ أن أكون مع أشخاص مثلهم".

ويوضح الاستشاري سينغ أن "هناك بعض المحادثات التي تكون بمثابة مفاتيح لفهم أن نظام القيم الخاص بك يختلف تماماً عن نظام القيم الخاص بأصدقائك"، مضيفاً أن "القيم هي إحدى القواعد الأساسية للصداقات والعلاقات. وإذا بدأتم في الاختلاف على هذا المستوى، فإن الاختلاف يميل إلى النمو بدلاً من أن يتبدد. وهذا يمكن أن يجعل العلاقة غير مستدامة".

إن الخلاف السياسي مع صديق شيء، ولكن عندما يكون مع صديق لشريكك العاطفي فهو شيء آخر. هذا ما حدث مع إيموجين*، 32 سنة، عندما خرجت مع شريكها آنذاك وزوجين كانا مقربين منه. وتقول "لقد كانوا بعيدين كل البعد عن الواقع"، كاشفة كيف أمضوا إحدى الأمسيات وهم يشتكون من حصولهم على مكافأة قدرها 90 ألف جنيه استرليني (109 آلاف دولار) فقط، وكيف تمكنوا من السفر بطريقة ما إلى جزر المالديف أثناء فترة الجائحة. كنا قد خرجنا في إحدى الليالي عندما تحولنا للحديث عن دونالد ترمب، الذي كان يتنافس مع جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

وتتذكر قائلة، "لقد أشرت إلى مدى التوتر الذي شعرت به حول احتمال أن يفوز ترمب مرة أخرى، فساد صمت مطبق". اتضح أن الزوجين كانا من معجبين متحمسين بترمب. وتضيف: "في البداية حاولت أن أكون دبلوماسية، وسألتهم عن السبب، واعترفوا بأن ذلك كان لأسباب أنانية لأنهم خططوا للعودة إلى الولايات المتحدة، وشعروا أنه يمثل مصالحهم المالية بشكل أفضل. حاولت التصدي لذلك من خلال إثارة موضوع موقف ترمب في شأن الأقليات، لكنهم لم يهتموا - اتضح أنهم يريدون الانتقال إلى الولايات المتحدة لأنهم لم يعجبوا بالنظام الضريبي في المملكة المتحدة، فوفقاً لهم، لماذا يجب أن تذهب أموالهم إلى الفقراء الذين لا يعملون بجد ويتوقعون الصدقات".

في مثل هذه المواقف، قد يكون من السهل الابتعاد دون محاولة إيصال وجهة نظرك، نظراً إلى مدى عدم جدوى ذلك، لكن بالطبع، هناك حد لما يمكنك عدم قوله. تقول إيموجين: "لقد وجدت تلك المحادثة صعبة ومزعجة للغاية، حيث عملت مع أشخاص مستضعفين معظم حياتي المهنية، وأعرف أن كل الأشياء التي كانوا يقولونها غير صحيحة. لقد تمكنت من تقديم حجج مضادة لأبين لهم مدى خطئهم، ولكن كان من الصادم اكتشاف أن شخصين أعرفهما يمكن أن يكون لديهما مثل هذه الآراء الدنيئة".

لم ترهم إيموجين مرة أخرى، وتقول "لقد قاموا أيضاً بإلغاء متابعتي على موقع (إنستغرام) في اليوم التالي للمحادثة، مما جعلني أشعر وكأنني كنت أنا المخطئة. لقد عانيت حقاً الأمر آنذاك، لكن بالنظر إلى الوراء، أنا سعيدة جداً لأنني لم أعد على صلة بهم". بالنسبة لميليسا، لم تكن الأمور واضحة تماماً نظراً إلى أنه يتعين عليها رؤية زميلتها كل يوم في العمل، ولأنها كانت صديقة مقربة لها إلى حد ما سابقاً.

ويقترح الاستشاري سينغ أنه "إن كنت ستنهي علاقة صداقة بسبب خلاف سياسي، فمن الأفضل أن تأخذ وقتاً للتفكير في قرارك والتفكير ملياً في الأمور بدلاً من التصرف بشكل انفعالي في اللحظة"، موضحاً: "بدلاً من استبعادهم تماماً من حياتك، قد ترغب في التفكير في الابتعاد والحفاظ على أجزاء العلاقة التي يمكنك الحفاظ عليها. على سبيل المثال، قد يعني الاختلاف حول وجهة نظر سياسية أنه بإمكانكما الذهاب لمشاهدة فيلم معاً، ولكن تجنب الدخول في مناقشات سياسية".

في بعض الجوانب، يمكن أن تكون هذه الخلافات مفيدة على المدى الطويل، فقد تساعدك على معرفة مزيد حول قيمك الخاصة وما أنت على استعداد للتنازل عنه، وعلى العكس، ما أنت غير مستعد للتنازل عنه. وتقول إيموجين: "لقد غير هذا الأمر حقاً الطريقة التي أتعامل بها مع الصداقات، حيث أعلم الآن أنني في حاجة إلى أشخاص في حياتي يتماشون مع نظرتي الأخلاقية". وتوضح، "هذا لا يعني أنني لست مؤهلة لخوض نقاش صحي، أو أنني لن أتعرف على شخص لديه آراء مختلفة عن آرائي، لأن هذا غير واقعي، لكنني أعلم أيضاً أن هناك حداً" [لما يمكنها تقبله].

*تم تغيير أسماء المشاركين بقصصهم