تسمى الشخصيات المكروهة من الجمهور في مسابقة المصارعة الحرة العالمية الترفيهية (WWE) شخصيات "الهيل" (heel)، وهي شخصيات نجحت بسبب كراهية الجمهور لها فأدرت الأرباح المالية العالية على أصحابها وعلى الرياضة الترفيهية منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
ويعد جورج فاغنر (1915-1963) الشهير باسم وشخصية جورجيوس جورج، أهم من أدى الشخصيات المستفزة على الإطلاق، إذ سار على دربه كل من إدي غيريرو وريك فلير وغيرهما. وتتحلى هذه الشخصية بصفات مثل الخيانة والغدر والمكر، وتمزج بين صفات الشخصية السلبية والإيجابية لتلعب أدوار الشر بحنكة واقتدار.
كل هذه الدموية
كانت الحلبة في زمن الرومان دائرية، ولكنها تظهر في المصارعة الحرة العالمية مربعة الشكل، إذ لا يهم الجمهور شكل الحلبة أو مكانها بقدر ما يثير انتباهه وحماسته ما يقع فيها من أحداث ومجريات. فالمهمة أصبحت أصعب بعد إلغاء جميع الطقوس الدموية (الرخيصة) التي كانت تضمن (تسخين) الجمهور لتحقيق الإثارة وإرضاء هذا النوع الخاص من المتفرجين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن الرياضات الترفيهية عموماً، وتلك التي تعتمد على القتال والمصارعة خصوصاً، كادت تنقرض نهائياً خلال العقود القليلة الماضية، لولا ظهور تلك الشخصيات المستفزة والشريرة ذات المواصفات الجسدية المتواضعة والقدرات المحدودة داخل الحلبة، التي نجحت لأنها اشتقت بذكاء جزئيات أدبية ونفسية معينة انتشرت في ساحات القتال على مر العصور وطبقتها بطريقة أنقذت اللعبة وأسعدت المتفرجين، إذ أعادت إلى ذاكرتهم المتعطشة للهمجية والدموية بعض طقوس وممارسات المحاربين العظماء الحقيقيين في تلك الحقبة الزمنية الغابرة، مما دفع الجماهير إلى شراء التذاكر لمشاهدة تلك الشخصيات المكروهة وهي تتعرض للضرب والتنكيل والهزيمة.
يمتد عمر حلبة القتال إلى سنوات قبل الميلاد، وتنسب فعلياً إلى الحقبة الرومانية، إذ ذاع صيت المجالدين الذين كانوا يقدمون هذا النوع الدموي من الترفيه بحضور الإمبراطور وولي عهده وزوجته ووزرائه وجنوده وحرسه. وعرفت حلبة القتال وقتها بأنها في غاية الوحشية والدموية، إذ يترك المجالدون داخل الحلبة وتفتح الأبواب التي تختبئ خلفها الأسود الجائعة لتلتهم هؤلاء في دقائق قليلة، فلا يبقى من أثرهم سوى الدماء والسيوف والرماح التي كانوا يحملونها للدفاع عن أنفسهم.
وكانت مثل هذه الألعاب تحقق شعبية كاسحة للإمبراطور الذي استخدمها بدوره لإثارة الرعب في نفوس الغوغاء، ولتصفية خصومه في بعض الأحيان، لذلك عدها بعض النقاد السينمائيين ممارسة ذات وجهين، إذ تكشف عن نزعة الجماهير الطبيعية نحو العنف، وتصنع بالمقابل قادة متغطرسين اصطلح على تسميتهم بالطواغيت. ويذكر أن فينيس مكمان الابن، اشتهر بكونه خير من جسد هذه الشخصية في اللعبة حديثاً من خلال تلاعبه بالمحاربين وإقناع عدد كبير منهم بتأدية دور "الهيل" داخل الحلبة.
استقطاب جمهور السيرك
بعد عام 2000 ركز الإعلام الغربي وجمعيات حقوق الحيوان على تجاوزات السيرك، حيث يعذب الحيوان من أجل الترفيه، فأصدرت دول وجمعيات عالمية تشريعات وقوانين أدت بحلول 2017 إلى إغلاق معظم حلقات السيرك العالمية والمحلية في العالم، وهكذا انتقلت مهمة تسلية جماهير السيرك التي تتميز بشعبيتها وفقرها مالياً إلى مسارح أخرى، كان منها رياضة المصارعة الترفيهية التي تتميز بكونها اشتقت كثيراً من مهارات السيرك الرياضية والقتالية العنيفة التي كان يؤديها الإنسان مع الحيوان بشكل مخيف يحبس الأنفاس، لكنها أدتها بطريقة بهلوانية صرفة تخلو من الدموية والوحشية عبر تدريب المقاتلين على تأدية حركات العنف التقليدية بطريقة استعراضية لا تعترض عليها السلطات الرقابية المختلفة، وذلك من خلال فقرات قائمة على المجهود البشري وحده، ونجح ذلك في تحقيق التسلية المطلوبة.
أدى ظهور العلم والإعلام وتطور الفن والأدب إلى إلغاء دور الحيوان المفترس من هذه الرياضات وتعزيز دور المؤدي البشري، لكن دور العلم لم يقتصر على ذلك، فعلم النفس قدم لهذه الرياضة وصفة أكثر ربحاً، إذ نهلت الرياضات القتالية من تاريخ الخبرات القتالية للإنسان على مر العصور، وذلك في محاولة لتعويض الجانب المظلم لهذه الرياضات الدموية. وكانت البداية الحقيقة لظهور دور العلم والأدب في هذه الألعاب من خلال تحليل شخصية الخائن التي تتكرر يومياً في حلبة المصارعة الترفيهية العالمية من دون أن يملها الجمهور. فالخائن أصبح بطلاً دائم الحضور في الحلبة، وعليه أن يستفز الجماهير ويثير سخطهم واستهجانهم أكثر. وظهرت شخصية البطل الخائن أول مرة في الواقع من خلال الأدب الإنجليزي عبر مسرح شكسبير في القرن الـ19 من خلال مسرحية "يوليوس قيصر"، وتحديداً مع شخصية "بروتوس" النبيل الذي طعن سيده وصديقه المقرب قيصر، بعد أن استخدم من قبل آخرين لإثبات الخيانة على الملك البريء. وبذلك انتقلت هذه الشخصية إلى الحلبة حرفياً فأكملت مهمة الطاغوت التي يؤديها المتلاعب (مكمان) أو من ينوب عنه بشكل يدر عليه المال الوفير ويحقق له الشعبية في الوقت ذاته.
بعد 2018 قدم رومان رينز شخصية رأس الطاولة والزعيم القبلي، وكلا الشخصيتين مشتقتان من التراث الأدبي العالمي. وتؤشر شخصية رأس الطاولة إلى فترة الملك آرثر وفرسانه في حقبة بريطانيا العظمى، الذين التفوا حول مائدته المستديرة بالتساوي وفق قصة الكأس الأسطورية، لكن الزعيم القبلي الذي يتحدر من دماء عائلة "ساماوا" العريقة يريد عبر شخصيته المكروهة هذه تغيير قواعد اللعبة، وأن يحافظ على البطولة من دون منازع بجميع الوسائل والطرق الملتوية. ويذكر أن حكاية فرسان الملك آرثر احتوت على أكثر من خائن، وأن الزعيم وينستون تشرتشل طبق نظرية رأس الطاولة بشكل أكثر واقعية ودبلوماسية من خلال مقولته الشهيرة "أينما أجلس يكون رأس الطاولة".