السؤال:
وهبت والدتي رحمها الله شقتها بكامل محتوايتها لمؤسسة خيرية مع الاحتفاظ بحق المنفعة للشقة و محتوايتها حتي الوفاة و تم كتابة عقد بينهم بذلك و لكنه لم يسجل، و ظلت والدتي في الشقة حتي وفاتها و لم تتسلمها المؤسسة حتي الان . و قالت للمؤسسةأنها ليس لها ورثة ، و كان ذلك بغرض حرماني و أختي من الميراث لوجود خلاف معها وقتها و لكننا ظننا انه ليس علي محمل الجد . و بعد ذلك تحسنت الامور بيننا و الحمد لله حتي وفاتها ، و يوم الوفاة فوجئنها بأنها وهبتها فعلا لهم . هل الشقة شرعا من حقنا اذا حكم القاضي بذلك؟
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالشارع الحكيم حرم الوصية بأكثر من الثلث؛ لتعلق حق الورثة بالمال، ومن أوصى بأكثر الثلث فقد هضم حق الورثة، وبطلت وصيته فيما زاد على الثلث؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" فقلت: بالشطر؟ فقال: "لا" ثم قال: "الثلث، والثلث كبير أو كثير؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
جاء في "المغني" لابن قدامة (6/ 146): "(ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث، فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي، جاز، وإن لم يجيزوا، رد إلى الثلث)، وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل. في قول جميع العلماء". اهـ.
ولا يجوز حرمان أحد من الميراث؛ لما فيه من إبطال شرع الله في الميراث، سواء كان عن طريق الوصية أو الهبة أو الوقف؛ لأنَّه حقٌّ جعله الله - تعالى - لجميع الورَثَة، ولا يَملك أحدٌ إبطالَه، ولو أوْصى بذلك، لما نفذت وصيَّته؛ لمخالفتها للشَّرع.
قال الله – تعالى -: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء: 7]، والله - تعالى - قد أعطى كل ذي حق حقه، فقال - عز وجل -: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]. ثم ذكر - سبحانه - عقب آيات المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}، وقال - سبحانه -: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } [البقرة: 229]، والمواريثُ من حدود الله التي يجب الوقوفُ معها وعدمُ مجاوزتها، ولا القصورُ عنها، ومن يخالفْ ذلك، توعَّده الله بالعذاب الأليم.
إذا تقرر هذا، فإذا حكمت المحكمة لكم بالشقة فيأخذ الورثة ثلثي الشقة، ويردوا الثلث للجمعية الخيرية،، والله أعلم.