عندما وصلت ومرافقي إلى الدرعية وجدنا في انتظارنا الأستاذ معاذ العوفي، الذي أخذنا في جولة جميلة لكي نشاهد بالصورة والفيديو والرسم العمارة النجدية التقليدية، وفي كل ركن بالموقع قابلت شباباً سعوديين على مستوى راقٍ من العلم والثقافة يعملون في مختلف التخصصات، ومنهم المبدعون الذين استطاعوا الحفاظ على هذا التراث المعماري والثقافي والاجتماعي الثمين. ولعل أهم ما اعتمدت عليه العمارة النجدية هو استعمال الطوب الطيني المصمم بشكل معقد. وقد شاهدت هناك عملية تشكيل الطين، وتقنيات استعماله في البناء، ولا يختلف أحد على أن استعمال الطين كمادة بناء في مثل هذا النوع من العمارة هو المناسب، أو لعله الأنسب للبيئة الصحراوية الجافة. وللأسف ظلمت العمارة الطينية بالاعتقاد بعدم ملاءمتها للبناء الحديث! الأمر الذي ثبت خطأه.
والعمارة الطينية هي نوع فريد من العمارة النجدية التقليدية. وقد نظمت هذا الملتقى هيئة تطوير بوابة الدرعية تحت شعار العمارة النجدية التقليدية، وشارك فيه العديد من العلماء والمتخصصين في العمارة التقليدية، وكذلك المعماريون والشباب المتخصص في الطرز المعمارية القديمة. كانت الندوات وحلقات النقاش ثرية ومثمرة، ومن المؤكد أن آثارها ستظهر فيما سوف يتم نشره من أبحاث وأوراق علمية تساعد في الحفاظ على المواقع التراثية وتطويرها. الملتقى هو بالطبع فرصة لتلاقي عقول وأفكار الخبراء والباحثين في مجال العمارة التراثية والتخصصات المرتبطة، وذلك لمناقشة هذا النوع الفريد من العمارة النجدية العريقة، وكذلك تأثيرها ودورها المهم في التصاميم والإنشاءات الحديثة للحفاظ على جوهر هذا النوع من العمارة والتقاليد النجدية العريقة المرتبطة بها. والجدير بالذكر أن هذا كان من العوامل التي عززت حرص الملك سلمان بن عبد العزيز على إحياء الدرعية، لكي تصبح أحد أهم مواقع التراث الإنساني في العالم.
لم يكن العلماء والمتخصصون هم فقط المهتمون بحضور الملتقى، بل كان هناك العديد من المواطنين والأجانب من مختلف دول العالم الذين حرصوا على حضور فعاليات الملتقى، الذي ركز على روعة تنظيم حي الطريف التاريخي بوصفه أحد عجائب الهندسة المعمارية، وذلك من خلال المحاضرات في العمارة التقليدية، بالإضافة إلى الجولات الميدانية في حي الطريف لرؤية ورش العمل لفنون النحت والحرف اليدوية التقليدية من داخل وخارج المملكة. الملتقى هو فرصة ذهبية للتعريف بقيمة العمارة القديمة وارتباطها بإحياء التقاليد القديمة، ومدى تأثير ذلك في الحفاظ على البيئة والمناخ.