باتت المكتبات وفضاءات المطالعة العمومية في الجزائر مفتوحة إلى غاية العاشرة مساء ابتداء من 25 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وبقدر ما رحبت أطراف بالخطوة تساءلت جهات عن جدوى تمديد الوقت حتى هذه الساعة من الليل وهي الأماكن التي لا تشهد إقبالاً خلال أوقات النهار، الأمر الذي أثار استفسارات حول أسباب القرار.
وجهت وزارة الثقافة الجزائرية تعليمة إلى المدير العام للمكتبة الوطنية ومديري الثقافة والفنون بالمحافظات من أجل إبلاغ مديري المكتبات الرئيسة للمطالعة العمومية بخصوص تمديد ساعات العمل في المكتبات الرئيسة وفضاءات المطالعة العمومية، وقالت إنه "تنفيذاً لالتزامات الرئيس عبد المجيد تبون، وفي إطار سياسة قطاع الثقافة والفنون الداعمة للقراءة والمطالعة العمومية، وكذا تطوير أداء المرافق الثقافية ونوعية خدماتها، نطلب منكم العمل عاجلاً على اتخاذ التدابير اللازمة لفتح المكتبات وفضاءات المطالعة العمومية أمام القراء والمنتسبين من طلبة وباحثين إلى غاية الساعة العاشرة مساء، وذلك ابتداء من تاريخ 25 أكتوبر 2023". وشددت على أن الوزارة تولي أهمية قصوى لتطبيق فحوى هذه التعليمة.
تعليمة قديمة جديدة
وتعد الخطوة قديمة جديدة، إذ اعتمدت في وقت سابق من طرف الحكومات المتعاقبة، لكن لم يكتب لها الاستمرار لتعود إلى التوقيت "النهاري" العادي المحدد بالرابعة والنصف مساء، وآخر مرة تم تبني القرار كانت خلال أول حكومة للرئيس تبون، التي قادها عبد العزيز جراد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقتها طالب كاتب الدولة المكلف الإنتاج الثقافي في حكومة جراد، سليم بن دادة المكتبات الوطنية وكل المؤسسات الثقافية بتكييف مواقيت عملها إلى ما بعد الدوام الرسمي لاستقبال الطلبة وكل المهتمين بالكتب والمعرفة، مشيراً إلى الثامنة أو العاشرة ليلاً بحسب الموسم.
وتحدث بن دادة، ضمنياً عن "السر" وراء اتخاذ الخطوة، بين تسهيل مهمة طلاب العلم وإنقاذ الشباب من الشارع، بالقول إنها تسمح للطالب والموظف بتمضية أوقات ما بعد الدوام الرسمي في فضاء مفتوح وجو معرفي مميز، مضيفاً أن المكتبات تعد بمثابة القلب النابض لكل مدينة، كونها تجمع اهتمام كل الشرائح العمرية من تلاميذ وطلبة وباحثين.
كما سبق أن دعا وزير الثقافة السابق، عز الدين ميهوبي، إلى دعم منظومة المكتبات التي هي ركيزة التنمية الثقافية لأي بلد، وتزويدها بكل أدوات المطالعة التي تمنحها التكنولوجيات الحديثة والعمل بالمعايير العالمية، مشيراً إلى فتح فضاءات ومكتبات جديدة بمختلف أحياء العاصمة بهدف تقريب القارئ من الكتاب وحثه على المطالعة، لا سيما النشء الجديد الذي دعاه إلى استغلال كل وسائل التكنولوجيا المتاحة للوصول إلى المعلومة.
الطريق الثقافي الموعود
في السياق، يقول صاحب مكتبة "سيدي حسان" بالشراقة رابح ساميل، لـ"اندبندنت عربية" إن المكتبات الرئيسة للمطالعة العمومية تعد بمثابة الطريق الثقافي الموعود، باعتبارها مشروع القرن بامتياز داخل قطاع الثقافة، مبرزاً أنها مؤسسات تقدم خدمات متكاملة لجميع فئات المستفيدين من دون استثناء، كما تسعى لتنمية الميول القرائية من خلال التسمية القانونية والرسمية لها، مضيفاً أن تسميتها بمكتبات المطالعة العمومية إنما يؤكد أن الدور المناط بها هو استعادة المقروئية والمطالعة الحرة لمكانتها بين أوساط الشعب.
ويتابع ساميل، أن المكتبات المحلية تقوم بتفعيل دور المطالعة العمومية في المجتمع المحلي، على اعتبار أنها الوحيدة من بين بقية أنواع المكتبات التي لا يرتبط استخدامها بفئة معينة من الأشخاص أو بفترة زمنية محددة المعالم، مشيراً إلى أنها تعد مؤسسة ثقافية حضارية تهدف إلى إتاحة مصادر المعرفة بما يسهم في مشاريع محو الأمية داخل المجتمع المحلي، كما تسعى إلى ترقية الحس الفني لدى المستفيدين بجميع شرائحهم من خلال نشر ثقافة المطالعة، وعليه يبقى تمديد عملها إلى العاشرة مساء تنقصه خطة تستقطب الرواد سواء من طلاب العلم أو الشباب.
وختم أنه في ظل التحولات التكنولوجية التي تعرفها المجتمعات، فإن المكتبات العامة كغيرها من مراكز المعلومات عليها توفير عروض رقمية والعمل على إطلاق خدمات مبتكرة لكسب جمهور جديد، بالتالي تتوسع نشاطات المكتبة العامة وتتطور.
إنقاذ من الضياع
من جانبه، يرى أستاذ علم النفس بوجمعة وردالي، أن خطوة تمديد عمل المكتبات وفضاءات المطالعة من شأنها تقديم خدمات لطلاب العلم من حيث توفير الكتب والراحة والمناخ الملائم، لكن تبقى بحاجة إلى ضمانات لا سيما الأمن والنقل، موضحاً أن الحكومة تسعى لتخفيف الضغط على الجامعات والمعاهد والمدارس، كما أنها تستهدف مساعدة الطلاب والباحثين على التحصيل العلمي وتنمية المعارف، لكن قد يكون من بين الأهداف إنقاذ الشباب من الضياع وسط الآفات الاجتماعية، وذلك من خلال التشجيع على المطالعة وخلق فضاء معرفي ورقمي وحكواتي وفني.
ويتساءل وردالي، "هل حقاً بإمكان المكتبات العامة في الجزائر التفكير في مختلف المستويات لفئات المجتمع الذي يجب أن تسعى لخدمته؟ إن الخطوة بحاجة إلى إضافات ومزيد من الاهتمام من حيث التأطير والمتابعة"، مشدداً على ضرورة فتح المجال أمام مختلف فئات المجتمع وجميع الاختصاصات العلمية والثقافية والتكوينية.