جملة من الأسماء العائلية في المغرب شقت طريقها إلى سرعة الاستبدال بعد أن وضعتها اللهجة المحلية في خانة حرجة على غرار "طارو" (أي مكان وضع القمامة)، و"الذيب" (الذئب)، و"دحش" (الجحش)، و"لهبيل" (أي الأحمق)، وأسماء أخرى لا تعجب أصحابها، فلا يجدون بداً من التوجه إلى مكاتب الحالة المدنية لتغيير أسمائهم العائلية هذه.
تقرير حديث لوزارة الداخلية المغربية أزاح الستار عن أنه في العام الحالي، تلقت مصالح اللجنة العليا للحالة المدنية في البلاد 860 طلباً لتغيير الاسم العائلي لأسباب مختلفة تدخل في سياق ما يتيحه القانون الخاص بالحالة المدنية.
سخرية وتنمر
محمد معزة، رجل أربعيني، ترعرع وعاش منذ صغره مع هذا الاسم العائلي الذي يحيل إلى اسم حيوان، لكنه قرر عند زواجه لما كان في وسط عقده الثالث، أن يغيره بالنظر إلى الحرج الذي تسبب له فيه، ولأبنائه أمام أقرانهم وأصدقائهم.
يقول محمد إن اسمه العائلي السابق "معزة" كان يحرجه عندما كان تلميذاً ولما كان شاباً أيضاً، ولكن والده لم يرغب في تغييره على رغم علمه بالحرج الذي كان يحدثه هذا اللقب العائلي لأبنائه في المدرسة والشارع.
وزاد الرجل الأربعيني أنه قرر تغيير الاسم العائلي "معزة" خشية أن يجد أبناؤه ذلك الحرج نفسه الذي لقيه صغيراً، مبرزاً أنه "اتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة بهدف تغييره إلى اسم عائلي آخر بعيد تماماً من عالم الحيوان"، وفق تعبيره.
ويعمد مغاربة إلى تغيير أسمائهم العائلية جراء السخرية أو التنمر الذي تسببها لهم أو لأبنائهم وبناتهم، فهناك عائلات تشير إلى أسماء حيوانات من قبيل "معزة" أو "جحش" أو "حنش" (أفعى)، أو "الذيب"، أو "زعطوط" (القرد) وغيرها من الأسماء العائلية.
وهناك مغاربة آخرون يحملون أسماء عائلية تتضمن نعوتاً وصفات قدحية، وتحيل إلى عاهات جسدية، من قبيل "الأعور" أو "الأعرج" أو "الأعمى" أو "الأعوج"، وغيرها من الأسماء العائلية التي يتحرج حاملوها من المناداة عليهم.
ويعمد مشاهير مغاربة أيضاً إلى تغيير أسمائهم العائلية التي تحمل صفات قد تثير السخرية، مثل المغني المعروف سعد المجرد، الذي كان اسمه العائلي "المكرد"، الذي يعني في اللهجة المغربية الفقير، وأيضاً الفنان محمد الجم الذي كان اسمه العائلي "الكص" وغيرهما.
مضمون القانون
يورد في هذا الصدد المحامي في هيئة مدينة الجديدة، وهابي رشيد، أن "القانون المتعلق بالحالة المدنية فرق بين تغيير الاسم الشخصي، الذي يحتاج فقط إلى حكم قضائي نهائي يحكم بالتغيير، وبين إجراءات تغيير الاسم العائلي التي ليست بالسهلة".
وأردف وهابي أن إحدى مواد هذا القانون تشير إلى أن الاسم العائلي بعد اختياره، يصبح لازماً لصاحبه ولفروعه، ولا يمكن تغييره إلا بموجب مرسوم قانوني، لا يصدر إلا بعد أن يتقدم مقدم طلب تغيير الاسم العائلي إلى مكتب الحالة المدنية أو اللجنة العليا المدنية بطلب يبين فيه أسباب طلب تغيير اسمه العائلي، ويدلي بمجموعة من الوثائق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع، "من هذه الوثائق نسخة كاملة من شهادة الولادة، ونسخ كاملة من رسم ولادة الأبناء عند وجودهم، ونسخة من السجل العدلي، ونسخ من السجل العائلي للأبناء، ونسخة من عقد ازدياد أحد أقاربه من جهة الأب يكون مسجلاً في الحالة المدنية ويحمل الاسم المرغوب فيه أو شهادة عدلية أو إدارية تؤيد مطلبه، وبطاقة عادية يكتب فيها الاسم المراد تغييره".
وتابع أنه بعد التوصل بالطلب والوثائق تحال إلى مصالح وزارة الداخلية التي تعرضها على اللجنة العليا للحالة المدنية التي تعقد جلساتها في مقر الوزارة، فإذا قبلت اللجنة الطلب تأذن بتغيير الاسم العائلي بمرسوم، وتوجه نسخة منه إلى ضابط الحالة المدنية المتخصص ليباشر تغيير الاسم العائلي في سجلات الحالة المدنية.
ولفت المتحدث إلى أن هناك مبررات ساقتها المادة 21 من القانون تتيح طلب تغيير الاسم العائلي منها، أن يكون الاسم العائلي الذي عرف به الشخص ماساً بالأخلاق، أو النظام العام، أو مثيراً للسخرية، أو رسماً شخصياً، أو أجنبياً لا يكتسي صبغة مغربية أو اسم مدينة أو قرية أو قبيلة.
أسماء شخصية
وإضافة إلى تغيير الأسماء العائلية التي قد تسبب لحامليها التنمر أو السخرية أو أنها تمس بالأخلاق وغيرها من المسوغات، يعمد البعض إلى تغيير أسمائهم الشخصية أيضاً إذا كان له مبرر مقبول بواسطة حكم قضائي صادر عن المحكمة المتخصصة.
ويفيد القانون أنه "يجب على من يريد تغيير اسمه الشخصي أن يتقدم بطلب أمام المحكمة يلتمس فيه التصريح والإذن له في ذلك، وأن يشير في طلبه إلى المبررات التي دفعته إلى طلب التغيير، ويمكنه تعزيز طلبه بالحجج المدعمة له".
وفي السياق، يقول المسؤول عن الحالة المدنية في إحدى الإدارات العمومية بالمغرب، عبدالله أفرحي، إن تغيير الاسم الشخصي أيسر من تغيير نظيره العائلي، إذ يكفي طلب وتقديم مبررات مقبولة، بينما يستوجب الأخير عدداً من الخطوات والتدابير والوثائق.
وضرب المتحدث ذاته مثلاً بقرار المحكمة بمدينة وجدة قبل أشهر، بقبول طلب شاب تغيير اسمه الشخصي من اسم "عكاشة" إلى اسم يوسف، باعتبار أن "عكاشة" يحيل في المغرب إلى اسم مؤسسة سجنية مشهورة في مدينة الدار البيضاء.
واستدرك المتحدث عينه بأن هناك إكراهات تتعلق بهذا الموضوع، خصوصاً الخشية من أن يستغل مجرمون أو جانحون مسألة تغيير الأسماء لتغيير هوياتهم والتهرب من العدالة، مبرزاً أنه "لهذه الأسباب يتعين التحري بدقة حول خلفيات الشخص الراغب في تغيير اسمه الشخصي، ومدى صدقية المبررات التي يسوقها".
يشار إلى أنه سبق للمغرب أن قرر القطع مع الصفات التي تسبق الأسماء الشخصية، التي تحيل إلى التبجيل أو التفخيم، إذ إن البرلمان صادق في يونيو (حزيران) 2021 على قانون أعدته وزارة الداخلية يحظر ربط الاسم بصفات قبيلة، مثل "الشريف" أو "مولاي" أو "سيدي" للرجل، و"لالة" للمرأة، وغيرها من صفات التبجيل والتشريف.