مطاردة الأشباح ومصارعة الخنافس وتزلج البراكين تجذب الهواة

منذ 1 سنة 153

يقول ابن الجوزي، "مر بي حمّالان تحت جذع ثقيل، وهما يتجاوبان بإنشاد النشيد فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله. والآخر همته مثل ذلك، فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما وثقل الأمر، وكلما فعلا هذا هان الحمل، فتأملت في السبب فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر وإحالته في الجواب بمثل ذلك فينقطع الطريق، وينسى ثقل الحمل، فأخذت من هذا إشارة عجيبة ورأيت أن الإنسان قد حمل من التكليف أموراً صعبة ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه وتكليفها الصبر عما تحب على ما تكره، فرأيت الصواب قطعه طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس".
ربما يصلح هذا الاقتباس للهوايات، إذ إنها تسهم في عبور رحلة الحياة بطريقة ممتعة وابتكارية، لذلك كانت ممارسة الهوايات والحض عليها من أهم طرق التربية السليمة والدعوة إلى ممارستها اتفقت عليها كل الشعوب من دون استثناء، إذ يكاد يدخل كل شيء نقوم به تحت مسمى الهواية والقائمة طويلة جداً ومتفرعة.
ولكن برز في الأعوام الأخيرة مع دخولنا القرن الـ21 هوايات غريبة من نوعها وتفاصيلها وأدواتها، فما هي ولماذا وجدت ومن يمارسها وهل هي فعلاً خطرة؟

فوائد الهواية

تساعد ممارسة الهواية الإنسان على التواصل الصحيح مع نفسه، إذ يكتشف من خلالها قدرات ومواهب في داخله ما كان ليعرفها لولا ممارسته لها، وبتكرارها تطورت أدواته وأساليبه وحرفيته في القيام بها، وأصبح بعضهم خبيراً أو حرفياً بها فاستطاعوا اتخاذها عملاً خاصاً يعينهم على مصاريف الحياة، وكثر من المبدعين صنع هذا.
كما أن الهوايات تنفس الضغط والتوتر المتراكم، خصوصاً لدى إنسان العصر الحالي، إذ مقابل سرعة العصر تمارس الهواية بهدوء وتركيز وتبصر، فتمنح القائم بها هدوءاً وصفاء يحتاج إليهما ليستعيد طاقته.
فمن الهوايات الفكرية إلى الحرفية والإبداعية والمادية الجسدية، وربما تجتمع جميعها في هواية واحدة تساعد القائم بها على الارتقاء بنفسه أضعافاً مضاعفة.
كما تعمل الهواية على وضع الإنسان ضمن مجتمع جديد يتقن ما يتقنه الآخر، فتنشأ بينهم علاقات وتتطور وتتوسع وأساسها الهواية الواحدة، وهذا ما يخلق مع هذا المجتمع قواعده وأساساته وقوانينه.

الإنترنت وغرائب الهوايات

عندما نقول اليوم كلمة هواية، تتبادر إلى الذهن الهوايات التقليدية التي على رغم كثرتها إلا أن الناس لا تعرف إلا عدداً قليلاً منها كالرسم مثلاً أو عزف الموسيقى أو صيد السمك، وربما تنسيق الحدائق وجمع الطوابع والعملات وتسلق الجبال والصخور أو القفز من الطائرة وغيرها.
لكن هوايات اليوم تتجاوز الحدود، ولكل عصر هوايات جديدة. وأسهم الإنترنت ومعه وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور هوايات جديدة وتثبيت دعائم أخرى وجدت أخيراً، وذلك مع ظهور بعض التحديات بين الأشخاص على العلن، إذ ثبتت بعضها أركانها كهواية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 الكي في الأماكن الخطرة

تعود هذه الهواية لما عرف بكي الملابس الخارق "extreme ironing" مثل كيها في أماكن غريبة كأعالي الجبال أو في أماكن التزلج على الجليد أو تحت الماء أو أي مكان خطر.
وأقيم لها مهرجان وأصبحت رياضة خاضعة للتنظيم ولديها رابطة دولية وبطولات عالم خاصة بها، ونظمت البطولة الأولى عام 2002 وأول مهووس بالكي رجل يدعى فيل شو، وصل إلى هذه الهواية عندما كان يواجه خياراً مستحيلاً إما القيام بالأعمال المنزلية وكي ملابسه بنفسه أو الذهاب إلى تسلق الصخور والجبال، لذا قرر فعل الأمرين معاً وقرر أن يطلق على نفسه "steam" ويعني بخار وقام بجولة عالمية للترويج لهواية كي الملابس الخارق.

الخنفساء واليابانيون

ومن الكي إلى المصارعة، إذ اعتاد الناس على مشاهدة مباراة المصارعة بين متخاصمين من ذوي الأحجام المختلفة من البشر، وفي عالم الحيوانات تعتبر مصارعة الثيران الأكثر شهرة ومعرفة بين الناس، لكن أن يسمى القتال بين خنفستين لا يبلغ طولهما أكثر من ثمانية سنتيمترات مصارعة فذلك أمر مبالغ فيه، ولكنه حقيقة قائمة ولها متابعوها والمراهنون عليها من اليابانيين.
يتجمهر اليابانيون في الملاعب الرياضية لمشاهدة صراع الخنافس على شاشات عملاقة وتعتمد قوانينها على إطلاق خصمين شرسين ضد بعضهما، والفائز من يخرج الطرف الآخر من دائرة النزال، وعندما تبدأ المصارعة يندفع اثنان منهما فوق حلبة عبارة عن جذع شجرة أفقي، إذ يعرف في عالم الخنافس أن ذكر الخنفساء يستعد للقتال مع ذكر آخر ليضمن وقت تزاوجه وتمرير مورثاته قبل أن يموت خلال أسابيع قليلة، فيحاول كل ذكر منهما فرض وجوده واكتساح الآخر، فيبرز في تشريحه أنه مزود بثلاثة قرون مصنوعة من بروتين يسمى "كايتن" وهي قوية جداً وصلبة صلابة العظام، فيستطيع من خلالها أن يرفع ما يزيد على وزنه بـ850 مرة، كما لديه قوائم مصممة للتثبت بقوة وتغطي قوائمه الستة مخالب معقوفة وهي مهمة جداً للتشبث خلال المصارعة.

ويعتبر اليابانيون أكثر الشعوب تعلقاً بالخنافس، إذ قد يصل الحال بهم أن يدفعوا حتى 2000 دولار للأنواع الضخمة منها، بالتالي فمبلغ كهذا يجعل من اصطيادها تجارة رائجة في ماليزيا وغيرها من الدول التي تكثر فيها.

التزلج على البراكين

اعتاد الناس على هواية التزلج على الجليد، لكن منذ عام 2004 انطلق المغامر الأسترالي دارين ويب على المنحدرات السوداء لبركان سيرو نيغرو في نيكاراغوا، ومعه انطلقت هواية ركوب أمواج البركان أو التزلج على البركان.
وتعتبر هذه الهواية من أخطر الهوايات النادرة، إذ تتم على منحدرات البراكين التي من المحتمل أن تثور في أي لحظة، فينزلق الراكبون لأعلى وأسفل مثل التزلج على الجليد، وانتقلت هذه الرياضة من الجبال الثلجية إلى البراكين النشطة.
ومن الأخطار المحدقة بممارسها غير السقوط، استنشاق الأبخرة السامة أو القطع من خلال الصخور البركانية، لذلك لا بد من أخذ الحيطة والحذر وارتداء الخوذة والبدلات الواقية وأخذ الأدوات المعدة خصيصاً لهذه المغامرة الخطرة ولكن الممتعة لكثيرين.
كما أن لركوب الأمواج فرعاً قديماً وجد في الثمانينيات في ألمانيا وهو ركوب الأمواج من القطارات، وانتشرت بعد 2008 إذ أسفرت ممارستها عن موت ما يزيد على 40 شخصاً في ألمانيا.

هواية الأشباح

لم تقف غرابة بعض الهوايات عند ما هو محسوس، بل تعدته لعالم الأشباح غير المرئي، فبرزت هواية صيد الأشباح وتقوم على التحقيق في المواقع التي يقال إن الأشباح تطاردها ومحاولة إيقاف أو طرد أو حتى قتل تلك الأشباح إن كان ذلك ممكناً.
وفي تفاصيلها أن فريق صيد الأشباح يحاول جمع الأدلة التي تدعم وجود نشاط غير طبيعي، إذ يستخدم صائدو الأشباح مجموعة متنوعة من الأجهزة الإلكترونية بما في ذلك عدادات EMF ومقاييس الحرارة الرقمية وكاميرات الفيديو الرقمية المحمولة والثابتة بما في ذلك كاميرات الرؤية الحرارية والليلية ونظارات الرؤية الليلية، إضافة إلى مسجلات الصوت الرقمية.
كما تستخدم تقنيات أخرى أكثر تقليدية مثل إجراء المقابلات والبحث في تاريخ المواقع التي يزعم أنها مسكونة، ويشير صائدو الأشباح إلى أنفسهم على أنهم محققون في النشاطات غير الطبيعية أو كما تسمى "الخوارق".

وفي بريطانيا رجل يدعى بول بارو، عرفه الناس بمقتحم الأخبار، إذ يظهر كالشبح وفجأة أثناء تأدية المراسلين لرسائلهم وتقاريرهم الإخبارية المباشرة على الهواء، وصنف فعله هذا ضمن ممارسة هواية جديدة تتطلب جملة من مهارات التخطيط ويحتاج منفذها إلى أن يكون مبدعاً وعفوياً للظهور بأفضل صورة.

ولكن لدى بارو الذي ظهر في أكثر من 100 بث إخباري مباشر، وجهة نظر وسبباً، إذ يقول عن سبب سعيه إلى الظهور في الرسائل الإخبارية للمراسلين، "بدأ كل شيء عندما كنت أقوم بحملتي الانتخابية وحضرت كثيراً من الاحتجاجات في ذلك الوقت، ولاحظت أن المراسلين يتجنبون التحدث إليّ على وجه الخصوص فكانوا يمررون الميكروفون دائماً من أمامي للآخرين من دون أن يتوقفوا عندي لكي أدلي بتصريح، وأعتقد بأن السبب هو زيادة وزني، لذلك كنت أقوم بذلك احتجاجاً على تصرفهم معي، فأنا أريد أن أوصل رسالة مفادها بأنه يجب أن يعامل الجميع على قدم المساواة".