ملخص
تشير ريهام إلى أن تلك الطقوس تعتبر عادة مصرية أصيلة لها جذور فرعونية ويبتهج بها الأطفال والكبار وتجعل جميع أفراد الأسرة يتشاركون لإنتاج حلوى العيد، حيث تتوزع الأدوار في ما بينهم.
تتمسك عديد من الأسر المصرية بممارسة طقوسها السنوية وعاداتها المتوارثة مع انقضاء الأيام الأخيرة في شهر رمضان الكريم والاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك، بتجهيز الكعك والحلوى والمخبوزات في المنازل، على رغم غلاء الأسعار الذي طاول أغلب الخامات والمستلزمات، وتسبب بدوره في رفع الكلفة النهائية لصنع تلك الحلوى.
متوارثة من الأجداد
في منزل تفوح منه روائح الخميرة والنشادر والعجين والمخبوزات، اعتادت ريهام مجدي نونو، ربة منزل، إعداد وتجهيز كعك ومخبوزات العيد في منزلها رفقة زوجها وأبنائها وأقاربها طيلة السنوات الماضية، إذ تقول "ورثت تلك الطقوس والعادات من جدتي، التي كانت تجمع حولها أفراد الأسرة والجيران لتجهيز كعك العيد والحلوى والمخبوزات وحرصت على استمرار ما ورثته منها ونقله لأبنائي وعدم انقطاع تلك العادات والتي أصبحت من المشاهد الملازمة للاحتفال بعيد الفطر كل عام".
تضيف السيدة الستينية، التي تقطن مدينة العبور في محافظة القليوبية (شمال العاصمة المصرية القاهرة)، خلال حديثها لـ"اندبندنت عربية"، أن "صناعة كعك العيد في المنزل له مذاق خاص ويختلف كثيراً عن المخبوزات الجاهزة التي تباع في أغلب المحال التجارية ويمكن بسهولة التشكيك في مكوناتها ومقاديرها ومدى جودتها".
تشير ريهام إلى أن تلك الطقوس تعتبر عادة مصرية أصيلة لها جذور فرعونية ويبتهج بها الأطفال والكبار وتجعل جميع أفراد الأسرة يتشاركون لإنتاج حلوى العيد، حيث تتوزع الأدوار في ما بينهم سواء في مرحلة العجن والتخمير، وصولاً إلى مرحلة رص الصاجات لنقش البسكويت والكعك وبقية المخبوزات، ثم مرحلة التسوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتكمل "وجدت دعماً وتشجيعاً كبيراً من زوجي وأبنائي، الذين حرصوا على استمرار تلك العادات والطقوس المتوارثة، ولم أفكر يوماً في التخلي عنها واللجوء لشراء المخبوزات الجاهزة، وأصبحنا ننتظر جميعنا الأيام الأخيرة من شهر رمضان، لنبدأ التجهيز لتلك الأجواء الاحتفالية التي اعتدنا عليها".
تقول السيدة الستينية، "مع بدء العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم أتولى مع زوجي مهمة شراء الخامات والمكونات اللازمة لتجهيز كعك العيد والمخبوزات، والمتمثلة في سمن بلدي جاموسي وسمسم وبهارات كعك ودقيق وخميرة وسكر وحشو عجمية، وأحاول دائماً تجربة وصفات بنكهات جديدة"، مضيفة أن ابنتها تحرص دائماً على مساعدتها في عملية التحضير والتجهيز، وبمجرد الانتهاء من تلك المهام يرسلون إلى الأقارب والجيران الكعك ابتهاجاً بحلول عيد الفطر المبارك.
غلاء الأسعار يضاعف الكلفة
"غلاء الأسعار أثر بالطبع على جميع أسعار الخامات التي ارتفعت بشكل مبالغ فيه، لكن لم يمنعني ذلك من ممارسة الطقوس السنوية التي اعتدنا عليها، خصوصاً أن تلك الطقوس تحدث مرة واحدة فقط خلال العام"، كلمات اختصرت بها ريهام إجابتها في شأن تأثير قفزات الأسعار في السوق على أسعار الخامات اللازمة لإنتاج الكعك والبسكويت، موضحة أن غلاء الأسعار لم يدفعها للتفكير في تقليص الكميات التي اعتادوا على صنعها سنوياً أو شراء علب جاهزة من المتاجر الكبرى، لكن لجأت إلى الاستغناء عن بعض النوعيات المعينة في إنتاج الكعك مثل "المكسرات".
تضيف السيدة الستينية، أن ارتفاع أسعار الخامات والمستلزمات، جعل كلفة إنتاج 2 كيلو من كعك العيد في المنزل في الوقت الراهن تصل إلى نحو 160 جنيهاً (3.38 دولار)، في حين كانت الكلفة تصل قبل عامين لـ80 جنيهاً (1.69 دولار)، مشيرة إلى أنه على رغم غلاء الأسعار إلا أنها حرصت على الحفاظ على عاداتها وهويتها وتراثها لأن تلك الطقوس تمثل فرحة العيد وبهجته.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) في مارس (آذار) الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية قفز إلى 35.7 في المئة في فبراير (شباط) من 29.8 في المئة في يناير (كانون الثاني)، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.
تقليص بعض النوعيات
اعتاد الرجل السبعيني وائل غراب، ويعمل صيدلي، دعم ومساعدة زوجته ريهام في التجهيز لتلك الطقوس السنوية بالمنزل، وتقتصر مهمته السنوية على شراء الخامات والمستلزمات اللازمة لتحضير كعك العيد ومخبوزاته، إذ يقول "ورثت من أجدادي تلك الطقوس وأتذكر حينها كنا نتجمع في الأيام الأخيرة من شهر رمضان لإعداد تلك الحلوى حتى الصباح الباكر ثم الذهاب إلى الأفران من أجل التسوية، وقررت أن أنقل تلك العادات لأبنائي لأنها أجواء مبهجة وفرصة لصلة الرحم بين الأقارب".
يضيف غراب أنه يفضل دائماً المأكولات المطهية بالمنزل، لأنها تكون آمنة وصحية وغير مشكوك في مكوناتها ومقاديرها عكس المنتجات الجاهزة، قائلاً "للأسف، وبحكم طبيعة هذا العصر وسرعته، كثير من المصريين أصبحوا يلجأون إلى شراء المخبوزات الجاهزة وهو ما يهدر عادات وتقاليد تربينا عليها".
لم يخف غراب ضيقه وشكواه من ارتفاع الأسعار الذي ضاعف بدوره كلفة الخامات والمستلزمات للكعك، قائلاً "على رغم ارتفاع كلفة الخامات المستخدمة لإنتاج الكعك والحلوى إلا أنني لم أفكر لحظة في إيقاف تلك الطقوس أو اللجوء لشراء المنتجات الجاهزة لكنني قد ألجأ لتقليص بعض النوعيات في الإنتاج ذات الكلفة العالية".
فرصة ذهبية للتزاور
تمارس الفتاة العشرينية فرح وائل، التي تخرجت من الجامعة الألمانية بالقاهرة، كعادتها دورها بمساعدة والدتها ريهام في طقوس إعداد الكعك والمخبوزات في المنزل كل عام، إذ تقول "بدأت المشاركة في تلك الطقوس منذ 6 سنوات وكنت في البداية لا أحبذ المشاركة فيها، لكن مع مرور الوقت أصبحت أشعر بالاستمتاع أثناء التحضير لها رفقة والدتي وبعض أقاربي، وباتت بالنسبة لي مشهداً ملازماً لعيد الفطر ولا يمكن الاستغناء عنه".
تقول فرح إن تلك الطقوس قد تكون غريبة على أبناء الجيل الحالي حيث تعتبر فرصة ذهبية للتزاور بين الأقارب لإنجاز تلك المهمة في أواخر شهر رمضان الكريم، مردفة "أجواء عيد الفطر المبارك لا تكتمل إلا بصنع مخبوزات العيد بالمنزل"، موضحة أنها لا تفضل شراء المخبوزات الجاهزة لأنها تقضى على تلك الأجواء والفرحة التي يشعر بها جميع أفراد الأسرة والأقارب والجيران.
طقوس أوشكت على الاندثار
تشير الفتاة العشرينية إلى أن طقوس إعداد كعك العيد بالمنزل أوشكت على الاختفاء والاندثار وأصبحت تنحصر فقط في محيط القرى والأرياف والصعيد وبعض المناطق الشعبية، مشددة على ضرورة الحفاظ على تلك العادات والطقوس التاريخية، موضحة أنها اعتادت مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان تجربة وصفات جديدة في صنع الكعك بنكهات مختلفة من أجل إهدائها لأقاربها وأصدقائها، قائلة "عشقي لتلك الطقوس ساعدني في عمل مشروعي الخاص في إنتاج الحلويات والكوكيز".
تضيف "فرح" أنها تحرص دائماً على دعوة أصدقائها لمشاركتها تلك الأجواء المبهجة وتجربة تلك الطقوس، مردفة "أشعر بالحزن من اختفاء تلك العادات المبهجة من كثير من البيوت المصرية وأتمنى أن تعود مجدداً لأن مظاهر الفرح لا تكمن فقط في صنع كعك العيد لكن في تجمع الأسرة والأقارب والجيران في مكان واحد ومشاركتهم".
طقوس مصرية خالصة
يقول شقيقها الشاب العشريني، عبدالرحمن وائل غراب، الذي تخرج في الجامعة البريطانية، إنه يشعر دائماً بأجواء عيد الفطر المبارك، مع بدء العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم وتجمع أفراد الأسرة في مطبخ المنزل لإعداد حلوى عيد الفطر، مردفاً "سافرت إلى دول عدة لكني أشعر أن مصر الوحيدة التي تحتفظ بتلك العادات والطقوس المبهجة والتي أتمنى أن تدوم ولا تنقطع"، مشيراً إلى أن دوره يقتصر على تقييم الحلوى والكعك أثناء مراحل التحضير والتسوية، مشيراً إلى أنه يهوى مذاق الكعك بالعجمية والسكر المعد بالمنزل.
يضيف غراب أنه يحرص دائماً على مساعدة أسرته في شراء الخامات والمستلزمات وتقييم المذاق والنكهات والبحث عن وصفات جديدة، قائلاً "أنتظر تلك الأجواء بفارغ الصبر كل عام، وشخصياً أفضل جميع المنتجات المصنوعة في المنزل ولا أميل لشراء المأكولات الجاهزة من الخارج، وأرى أن انشغال جيلنا بالسوشيال ميديا تسبب في إهدار التراث والعادات التي تربينا عليها".
فروق في أسعار المنتجات الجاهزة
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اكتسبت طقوس التحضير لصنع حلوى ومخبوزات عيد الفطر المبارك بالمنزل، زخماً واسعاً في القرى والأرياف وبعض المناطق الشعبية، حيث بات مشهد حمل السيدات "صاجات الكعك" فوق رؤوسهن ذاهبات إلى الفرن لتسويته بعد الانتهاء من تحضير المقادير والمكونات، وسط ابتهاج كثير من الأطفال وسماع بعض أغاني العيد التراثية، من العلامات البارزة في عيد الفطر المبارك.
وشهدت الأسواق المصرية تبايناً واضحاً في أسعار منتجات كعك العيد الجاهزة التي تباع في أغلب المحال التجارية، ورصدت "اندبندنت عربية" خلال جولة ميدانية أجرتها، نسب الفروق في الأسعار، حيث يبدأ سعر علبة الكعك من 120 جنيهاً (2.54 دولار) حتى 400 جنيه (8.47 دولار) بحسب الأصناف والأنواع التي تحويها، والبسكويت من 110 جنيهات (2.33 دولار) حتى 450 جنيه (9.52 دولار)، وبيتى فور من 160 جنيهاً (3.39 دولار) حتى 550 جنيهاً (11.64 دولار).
وفي محاولة لكبح القفزات الكبيرة في الأسعار، طرحت وزارة التموين منتجات "كعك العيد" من خلال منافذ الشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى وفروع شركات المجمعات الاستهلاكية وفروع الشركات التابعة بأسعار مخفضة تتراوح بين 20 إلى 25 في المئة، وتبدأ أسعار كعك العيد السادة في معارض "أهلاً رمضان" من 95 جنيهاً للكيلو (2.01 دولار)، والبسكويت من 130 جنيهاً (2.75 دولار) وأسعار البيتي فور يبدأ من 170 جنيهاً (3.60 دولار) للكيلو، وأسعار الغريبة تبدأ من 170 جنيهاً (3.60 دولار) للكيلو، والمنين السادة والعجوة بـ130 جنيهاً (2.75 دولار).
انخفاض حركة الاستهلاك
في هذا السياق يقول رئيس شعبة السكر والحلوى بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية، حسن الفندي، إنه لا يمكن التكهن بنسب حجم الإقبال من المصريين على شراء حلوى عيد الفطر المبارك إلا في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الكريم، موضحاً أن الحركة الفعلية للشراء تظهر في الأيام الخمسة الأخيرة من شهر الصيام.
يضيف الفندي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" أنه من المتوقع أن تنخفض نسب حركة شراء حلوى عيد الفطر المبارك من المتاجر والمحال المتخصصة في بيع الحلوى بسبب غلاء أسعار مستلزمات الإنتاج والخامات، وقد تميل بعض الأسر للامتناع عن الشراء نهائياً.
وأشار إلى أن المواسم المرتبطة بأعياد دينية مثل عيد الفطر المبارك والأضحى تشهد أكبر نسبة استهلاك للسكر لأنها بطبيعة الحال تعتبر أكبر مواسم دينية في البلدان العربية، مثلما يحدث في أعياد البلدان الأوروبية مثل الكريسماس والتي يكثر فيها الإقبال على منتجات السكر والحلوى والشوكولاته.
يكمل رئيس شعبة السكر والحلوى، أن دورة الإنتاج لحلوى عيد الفطر المبارك تبدأ من المصنع مباشرة الذي يبدأ في قياس حجم المبيعات المتوقعة، ثم تبدأ مرحلة التجهيز مع بدايات شهر رجب لكي يستطيع استكمال الإنتاج وتوفير الكميات المطلوبة في الليالي الأخيرة من شهر رمضان الكريم، مشيراً إلى أن السكر متوافر في الأسواق حالياً ولا توجد أي مشكلات فيه.
الجذور التاريخية
وعن الجذور التاريخية لتلك الطقوس. يقول أستاذ التاريخ الإسلامي أيمن فؤاد سيد، إن الاحتفال بكعك العيد بدأ في عصر الدولة الفاطمية، مشيراً إلى أنه كان هناك ما يسمى "دار الفطرة" بالقرب من القصر الفاطمي، موضحاً أن هذه الدار كانت مجهزة بأفران متخصصة وعمال مهمتهم الرئيسة إعداد كعك العيد لتوزيعه على الأهالي.
وأضاف فؤاد لـ"اندبندنت عربية" أن رجال الدولة الفاطمية كانوا يخصصون موازنة خاصة لعيد الفطر المبارك لتوفير الحاجات اللازمة من المواد الخام والمكونات المطلوبة لصنع كعك العيد، وبمجرد حلول العيد يبدأ رجال الدولة في توزيع الكعك على الأهالي بكميات ضخمة، ومنذ تلك اللحظة أصبح الاحتفال بتحضير الكعك من الطقوس المرتبطة بعيد الفطر المبارك على مر التاريخ، موضحاً أن توزيع كعك العيد أصبح عادة شعبية يحتفي بها الشعب بأكمله في الأعياد وتقليداً متوارثاً ظل مستمراً مع المصريين حتى اللحظة الراهنة.