مشاعر أيقظها الزلزال والإعصار

منذ 1 سنة 158

في الموروث الشعبي المصري، أن ثوراً يحمل كوكب الأرض على أحد قرنيه، وأنه يبدل بين القرنين من وقت إلى وقت إذا أراد أن يأخذ قسطاً من الراحة، وأنه إذا جاء لينقل الأرض من أحد القرنين إلى الآخر وقع زلزال!

كنا نسمع ذلك صغاراً وكنا نصدقه، وكنا نتخيل الثور ونتساءل عن مكانه الذي يختبئ فيه، وكنا نتصوره وقد بلغ به الإجهاد مبلغه من ثقل الأرض، فلا يجد بديلاً غير نقلها إلى القرن الثاني، وكنا إذا سمعنا عن زلزال وقع في أي مكان، بدا لنا الثور المختبئ في الخيال وهو ينقل حمولته فوق رأسه، ثم وهو يضيق بما يحمله ويكاد يلقيه بعيداً في فضاء الكون.

ولا بد من أن رجلاً مثل فاروق الباز سوف يضحك إذا سمع هذا التفسير، وسوف يتطلع إلى حجم الجهد الذي عاش يبذله لفهم التغيرات الجيولوجية في باطن الأرض، وسوف يتساءل عما إذا كان عليه من البداية أن يؤمن بنظرية الثور، فيريح نفسه ويريح سواه ممن يتابعون ما يفعل ويحاولون فهمه، فلا يستوعبون جيولوجيا الأرض إلا بشق الأنفس.

وعندما وقع زلزال مراكش الذي هز المغرب، وجدنا أنفسنا بين فرانك هوغربيتس، العالم الهولندي الذي أعلن أنه تنبأ بالزلزال، وبين العالم الإنجليزي بيل ماكغواير الذي راح يفسره ويشرح أسباب الدمار الواسع الذي رافقه حين وقع.

وقد ذاع صيت الهولندي هوغربيتس من أيام زلزال تركيا وسوريا أول السنة؛ لأنه يومها كان ينشط في الإشارة إلى أنه تنبأ به، وأنه يستطيع أن يقرأ كف الأرض، وأنه يفعل ذلك عن علم وعن دراسة، لا عن تخمين ولا عن ضرب الودع كما يفعل العرافون بين بسطاء الناس.

وكان هوغربيتس -ولا يزال- ينشط على منصة «إكس»، وكان -ولا يزال- يربط الزلازل بحركة الكواكب حول الأرض وتقاربها أو ابتعادها بعضها عن بعض، ولو أنك حاولت فهم شيء مما يقوله فسوف تجد صعوبة شديدة في ذلك، وسوف تجد أن فهم نظرية الثور أسهل بكثير طبعاً؛ خصوصاً أن حصيلتها إذا قارنتها بحصيلة حسابات العالم الهولندي هي حصيلة واحدة.

ففي النهاية الزلزال يقع، ولا فرق لدينا بين أن يكون قد وقع نتيجة الإرهاق الذي أصاب الثور في الموروث الشعبي، أو يكون قد فاجأ أهل الأرض بناءً على حسابات هوغربيتس المعقدة، فلم يثبت بعد أن حساباته نفعت في التقليل من خسائر زلزال، ولا في الحذر منه، ولا التحسب لما سوف يوقعه من ضحايا بالآلاف.

وإذا كان العالم الهولندي يتحدث دائماً عما قبل في شأن الزلزال، فإن ماكغواير يتحدث عما بعد في شأن الزلزال نفسه، ويقول إن زلزال مراكش يعادل في قوته 30 قنبلة ذرية من النوع الذي ضربت به الولايات المتحدة الأميركية مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية.

ولا تعرف كيف حسبها بهذه الطريقة، ولكن بما أنه متخصص في الجيوفيزياء في جامعة كوليدج لندن، وبما أنه دارس لها في هذه الجامعة البريطانية، فلا بد من أن حديثه يستند إلى هذا كله، تماماً كما نستند نحن إلى مقياس ريختر الشهير، بغير أن نعرف تفاصيل هذا المقياس، وبغير أن ننشغل بدقائقه والطريقة التي يعمل بها.

ولكن الأهم في كلام العالم البريطاني أنه يتحدث عن أن زلزال مراكش لو وقع في كاليفورنيا مثلاً، وبالقوة نفسها، ما كانت خسائره ستكون واسعة كما هي في الحالة المراكشية، والسبب أن الزلازل في ظنه لا تقتل الناس، ولكن تقتلهم طريقة البناء والإنشاء.

وكلام الرجل صحيح من حيث الفكرة العامة، ولكن ما فاته في المقارنة أن خسائر مراكش لم تصل إلى ما وصلت إليه في البشر والحجر لأن طريقة البناء فيها لم تشأ أن تراعي احتمالات وقوع زلازل في المستقبل، ولكن لأن مراكش مدينة عتيقة في مبانيها، ولا تحتمل المباني من هذه النوعية هزة أرضية قوية، فضلاً عن أن تكون قوة الهزة 7 درجات بمقياس ريختر.

وعندما قام الاتحاد المغاربي ذات يوم أو كاد يقوم، كانت ليبيا هي جناحه الشرقي وكان المغرب جناحاً له في أقصى الغرب، ولم يكن الذين رسموا حدوده على الخريطة في هذا النطاق، يتوقعون أن يأتي عليه يوم يهاجم فيه جناح الشرق إعصار، ويضرب جناح الغرب زلزال.

ومن تصاريف القدر أن ضحايا الإعصار الليبي في شرق الاتحاد، متساوون تقريباً من حيث العدد مع ضحايا الزلزال المغربي في غرب الاتحاد، وكأن القصد هو الإشارة إلى أن مصير أبنائه هو مصير واحد.

وقع الزلزال والإعصار، فاستيقظت مشاعر التضامن في أرض العرب، ونسيت الجزائر خلافاتها مع المغرب، ففتحت مجالها الجوي وعرضت المساعدة، ولكن بقي أن تتأصل هذه المشاعر، فلا تنتظر حتى تقع كارثة لتنهض من نومها الطويل.