منذ أن أنشأت سلمى شركتها الصغيرة التي صار عمرها الآن ثلاثة أعوام، وهي تتوجه صباح كل يوم ليس إلى مقر خاص بالشركة لكن إلى واحد من مساحات العمل المشتركة التي صارت تنتشر في القاهرة بصورة كبيرة لتقدم خدماتها المتنوعة إلى قطاعات مختلفة من الجمهور، تتنوع اهتماماتها ليجد كل منهم ما يناسبه.
وأصبحت مساحات العمل المشتركة ظاهرة مستحدثة في مصر خلال الأعوام الأخيرة متواكبة مع تغيرات كثيرة شهدها المجتمع، سواء من حيث طبيعة العمل وازدهار فكر المشاريع الصغيرة، أو انتشار ورش العمل والدورات التدريبية التي أصبحت تقام بسهولة في مثل هذه المساحات، إضافة إلى توجه كثير من الطلاب إليها للمذاكرة أو تنفيذ مشاريع وأبحاث تتعلق بدراستهم.
حل مثالي
تقول سلمى السيد، "لأعوام عملت بصورة حرة حتى قررت أن أؤسس شركتي الصغيرة، وكان العائق في البداية وجود مقر، فإيجار أقل شقة وتأثيثها بالكامل يحتاج إلى أموال طائلة لا تتوفر ولن يغطي المشروع نفقاته".
وتوفر تلك مساحات العمل المشتركة مقراً مثالياً مزوداً بالحاجات المتكاملة للعمل مثل المكاتب والإنترنت وقاعات الاجتماعات، إضافة إلى من يقوم على كل الخدمات كتنظيف المكتب وتجهيز المشروبات وما إلى ذلك، مما يعد مثالياً لأصحاب الشركات الصغيرة التي لا تتوافر لها موازنات ضخمة لإنشاء مقار خاصة بها، وفي الوقت ذاته تتيح لهم التفاعل والتواصل مع رواد أعمال آخرين يعملون من المكان ذاته لتبادل الخبرات والأفكار.
وتضيف سلمى في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "كان الحل هو إيجار مكان ثابت في واحد من مساحات العمل المشتركة، والمبلغ الذي أدفعه سنوياً لا يقارن بحال من الأحوال بإنشاء مكتب خاص بي، فهذا التوجه ينتهجه كثير من مؤسسي المشاريع الصغيرة حالياً، وهو حل مثالي لكل أصحاب المشاريع الناشئة".
جمهور مختلف
وأصبحت مساحات العمل المشتركة تنتشر تقريباً في كل المناطق، ولكل منطقة جمهور يكون مستهدفاً بالنسبة إليها، فبينما تراهن الواقعة في محيط الجامعات على الطلاب وتقدم خدمات تناسبهم، وبالطبع تكون أسعارها أقل، فإن هناك نوعية أخرى من مساحات العمل المشتركة تنتقي أماكن راقية وبنايات تصلح لأن تكون واجهة لأصحاب الشركات ورواد الأعمال الذين سيكون واحد من أهدافهم استقبال عملاء أو عقد صفقات في مثل هذه المكاتب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كريم إبراهيم (33 سنة) مدير واحدة من مساحات العمل المشتركة بالقاهرة يقول، "الخدمات التي نقدمها متنوعة وتتجاوز فكرة توفير مكان للعمل أو الدراسة، لكننا نوفر مكاناً للدورات التدريبية والمحاضرات والاجتماعات، وحالياً لا يخلو حي من وجود مشروع مماثل باعتبار أنه أصبح مشروعاً يخدم قطاعات متنوعة من الجمهور".
ويتابع، "خلال الأعوام الأخيرة انتشرت في المجتمع المصري فكرة العمل من المنزل خصوصاً بعد جائحة كورونا، والعمل بصورة مستقلة في كثير من القطاعات، وأحياناً يشعر الشخص بالملل من العمل في المنزل أو لا يستطيع التركيز لأي سبب، ومن ثم يتجه إلى مساحات العمل المشتركة بوصفها حلاً مثالياً".
ويضيف إبراهيم، "كما أسهمت المشاريع الصغيرة التي يدشنها الشباب في رواج فكرة مساحات العمل المشتركة، إذ يتجهون إليها بوصفها مقراً لها لأن ذلك يكون أقل في الكلفة بكثير، وتؤدي الغرض ذاته ويختلف شكل التعاقد مع المكان بحسب المطلوب، فيمكن أن يكون شهرياً أو سنوياً أو بنظام آخر بحسب الحاجة".
نشاطات متنوعة
ولا تقتصر مساحات العمل المشتركة على توفير مقر يمكن العمل من خلاله أو إتاحة الفرصة للاجتماع بين مجموعات سواء للدراسة أو لتنفيذ أي مشروع، لكنها تتيح أيضاً فرصة للمدربين للاستعانة بمثل هذه القاعات لتقديم دورات تدريبية أو ورش عمل في مجالات مختلفة، مثل دورات اللغات أو الورش الفنية وغيرها بمقابل مادي معقول مع توافر كل الخدمات التي سيحتاجها المدرب والمتدربون.
وتقول مروة محمد، وهي فنانة ومدربة للأعمال اليدوية، "منذ أعوام عدة ولدي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي أسوق من طريقها منتجاتي اليدوية، ونصحني كثير بالاتجاه إلى التدريب وتنظيم ورش فنية، لكن كان العائق أين سأستطيع القيام بهذا؟ ومنذ عامين بدأت في تنفيذ الورش الفنية في واحدة من مساحات العمل المشتركة فأستأجر القاعة، ويحضر المتدربون ويجري الأمر بسهولة شديدة، ومن وقتها نظمت كثيراً من الفعاليات للصغار والكبار على السواء، فهذه المساحات المشتركة فكرة عبقرية لكل صاحب عمل حر".
كلف متفاوتة
أما كلفة مساحات العمل المشتركة ففيها كثير من التفاوت بحسب عوامل عدة ومن بينها موقعها، فالموجودة في الأحياء الراقية أكثر كلفة من نظيرتها بنظيرتها المتوسطة أو الشعبية وطبيعة الخدمات التي تقدمها والجمهور الذي تستهدفه.
وتوفر مساحات العمل المشتركة اشتراكاً شهرياً أو سنوياً لأصحاب الشركات في مقابل توفير مكتب خاص بهم، وفي الوقت ذاته تجهز للمترددين عليها بصورة يومية أو غير منتظمة نظماً أخرى للتعامل، فيمكن أن يكون الحساب بالساعة التي تبدأ في بعض الأماكن من 15 جنيهاً (48.0 دولار أميركي)، وأحياناً تتيح عروضاً ليوم كامل، وتبدأ الأسعار من 50 جنيهاً (دولار أميركي واحد) لليوم، وترتفع الأسعار وتختلف بحسب طبيعة المكان وموقعه، فبينما هناك أماكن ذات كلفة قليلة فهناك بعض مساحات العمل المشتركة تكون ذات كلفة عالية طبقاً لنوعية جمهورها المستهدف.
ويقول أمجد (22 سنة) وهو طالب في السنة الأخيرة بالجامعة، "اعتدت التوجه إلى واحد من مساحات العمل المشتركة قرب الجامعة مع زملائي للنقاش والعمل في المشاريع والأبحاث التي نكلف بها، وكنا في البداية نتوجه إلى أحد المقاهي إلا أن الكلفة كانت كبيرة في ظل غلاء الأسعار وحاجتنا إلى الذهاب بصورة متكررة، إضافة إلى الضوضاء الشديدة وعدم قدرتنا على التركيز، ومساحات العمل المشتركة حلت لنا هذه الأزمة حلاً مثالياً، فهي أقل كلفة وبها أماكن معدة لهذا الغرض وجمهورها متناسق، فالجميع يتوجه إليها للدراسة أو العمل وإنجاز مهمات محددة في جو هادئ".