خلال السنوات الأخيرة، أصبح المهاجرون قوة رئيسية في تحريك عجلة الاقتصاد الإسباني. فقد شغل العمال الأجانب 40.1% من الوظائف الجديدة العام الماضي، ما جعلهم عنصرًا لا غنى عنه في قطاعات حيوية مثل البناء والفندقة والمطاعم، وتكنولوجيا المعلومات.
يروي مودو مباكيه، أحد المهاجرين الوافدين إلى هذا البلد، رحلته الصعبة التي تشبه قصص العديد من المهاجرين الآخرين. ويقول: "قررت القدوم إلى إسبانيا لمساعدة عائلتي وضمان مستقبل أفضل". وبفضل مؤسسة أدسيس، تمكن من تعلم اللغة الإسبانية والتدرّب في مجال ميكانيك السيارات، وهو ما فتح أمامه آفاقًا جديدة في سوق العمل. يضيف مودو: "أنا ممتن لهذه الفرصة، لقد غيّرت حياتي بالكامل".
ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة FUNCAS البحثية، فإن أربعة من كل عشرة وظائف جديدة خلال العامين الماضيين كانت من نصيب المهاجرين. وتشير البيانات إلى أن هؤلاء العمال يملؤون فراغات حيوية في السوق، كما في حالة مودو، حيث يتزايد الطلب على الميكانيكيين في قطاعي السيارات والشاحنات.
وفي السياق نفسه، شهدت معدلات هجرة النساء ارتفاعًا ملحوظًا، ولم يعد حضورهن مرتبطًا بمرافقة الأزواج أو الشركاء، بل أصبحن يهاجرن بمفردهن لهدف العمل. تقول لورا بيريز أورتيز، أستاذة الاقتصاد في جامعة مدريد المستقلة، إن النساء المهاجرات يواجهن غالبًا ظروف عمل أسوأ وأجورًا أقل مقارنة بالرجال، رغم مساهمتهن المتزايدة في سوق العمل الإسباني.
دعمٌ للاقتصاد المحلي
يدرك أصحاب العمل في إسبانيا أهمية العمال الأجانب في دعم مشاريعهم وتوسيع نشاطاتهم. يقول خوان كارلوس فيليغرا، الشريك في سلسلة مطاعم براساس مدريد: "لدينا ثلاثة مطاعم مفتوحة حاليًا، آخرها افتتحناه في 11 كانون الأول/ديسمبر، ونخطط للتوسع داخل مدريد وخارجها. نحن في بحث مستمر عن موظفين جدد لتدريبهم وتعزيز نمو أعمالنا."
من جانبه، يوضح طوني سرفانتس، مدير الموارد البشرية في شركة رودي لخدمات السيارات، أن قطاع الميكانيك يعاني نقصًا حادًا في العمالة الماهرة، مما يجعل توظيف المهاجرين ضروريًا لسد الفجوات في السوق.
في المقابل، يشير الخبراء إلى أن المهاجرين لا يقتصر دورهم على سد النقص في العمالة، بل يدخلون في منافسة في مجالات أخرى، مثل قطاع التكنولوجيا والخدمات اللوجستية. ويؤكد ريموند توريس، مدير الشؤون الاقتصادية في فونكاس، أن قطاعي الفندقة والمطاعم يعتمدان بشكل متزايد على العمال الأجانب، وإن 60% من الوظائف الجديدة في هاذين المجالين يشغلها مهاجرون.
سياسة جديدة للهجرة في إسبانيا
بفضل الهجرة، وإلى جانب انتعاش السياحة بعد الجائحة، أصبحت إسبانيا هذا العام واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في الاتحاد الأوروبي. وكانت مدريد قد منحت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي تصاريح عمل وإقامة لمئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، ما يسمح لهم بالبقاء على أراضيها بشكل قانوني.
وأعلنت وزيرة الهجرة الإسبانية، إلما سيز، أن البلاد ستبدأ في تسوية أوضاع نحو 300 ألف مهاجر غير شرعي سنويًا، اعتبارًا من أيار/مايو المقبل، ضمن خطة تمتد حتى عام 2027. وأوضحت أن إسبانيا تحتاج إلى نحو 250 ألف عامل أجنبي مسجل سنويًا للحفاظ على مستوى الرفاهية الاقتصادية.
وشددت سيز على أن سياسة تسوية أوضاع المهاجرين لا تقتصر فقط على الجوانب الثقافية وحقوق الإنسان، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز الرخاء الاقتصادي.