بعد عام من الانقسام السياسي، انتخب البرلمان العراقي النائب السني محمود المشهداني رئيسًا جديدًا للبرلمان، وذلك بدعم كبير من الكتل السياسية الشيعية المؤثرة. حصل المشهداني على 182 صوتًا من أصل 269 نائبًا حضروا جلسة الخميس في بغداد، في حين يبلغ عدد مقاعد البرلمان 329.
وتأتي هذه الخطوة بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في نوفمبر 2023 بإقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي دون توضيح الأسباب، مما أفسح المجال لصراع طويل حول منصب رئيس البرلمان، الذي يعتبر أحد أبرز مناصب الدولة في إطار النظام الطائفي لتقاسم السلطة في العراق، حيث يتولى السنة منصب رئيس البرلمان، والشيعة رئاسة الوزراء، والأكراد رئاسة الجمهورية.
من هو عن المشهداني؟
عاد المشهداني إلى رئاسة البرلمان العراقي بعد غياب دام نحو 16 عامًا، مدعومًا بتوافق نادر بين زعيمين مؤثرين، هما نوري المالكي ومحمد الحلبوسي. ولد المشهداني، الذي يُعرف بخلفيته الإسلامية، في بغداد عام 1948، حيث نشأ وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي قبل التحاقه بكلية الطب في عام 1966. تخرج برتبة ملازم أول طبيب عام 1972، ليبدأ مسيرته كطبيب في الجيش العراقي.
تعتبر عودة المشهداني إلى البرلمان هذه المرة مختلفة عن عودته السابقة عام 2021، حيث ترأس حينها جلسة البرلمان بصفته أكبر الأعضاء سنًا، قبل أن يُنتخب الحلبوسي لولاية ثانية.
ومع أن المشهداني تعرض حينذاك إلى اعتداء خلال جلسة برلمانية أُخرج على إثره إلى المستشفى، إلا أن عودته الحالية تأتي بدعم سياسي قوي من المالكي الذي يُمسك بعدد من خيوط اللعبة السياسية في العراق.
يُذكر أن المشهداني كان أول رئيس للبرلمان العراقي بعد عام 2003، وقد شغل هذا المنصب بين عامي 2006 و2008، وكان أيضًا رئيسًا للاتحاد البرلماني العربي. ويُعد اليوم آخر من يمثل "جيل الآباء المؤسسين" للنظام السياسي ما بعد 2003، وهو جيلٌ شهد خروج أسماء بارزة من المشهد، مثل طارق الهاشمي وخلف العليان وصالح المطلك.
في الوقت نفسه، برّر الحلبوسي دعمه للمشهداني، الذي يعُدّه زعيم الأغلبية السنية في العراق، كنوع من التعويض عن فترة الاستبعاد التي تعرض لها سابقًا، والتي يصفها الحلبوسي بأنها كانت نتيجة "مؤامرة من الحزب الإسلامي".
في مسيرته السياسية، عُرف المشهداني بمواقفه الجريئة والانتقادات الحادة للقيادات الشيعية، خصوصًا خلال فترة توليه رئاسة البرلمان في ذروة العنف الطائفي في البلاد. وقد اضطر إلى التنحي عن منصبه عام 2008، فيما اعتبره مراقبون أقرب إلى الإقالة في ظل تصاعد التوترات الطائفية.
وعلى الرغم من تقلباته السياسية وتغير مواقفه، إلا أن دخول المالكي على خط دعمه في الانتخابات الحالية ساهم في توفير بيئة توافقية لانتخابه، حيث رأى فيه بعض الأطراف السنية شخصية تجمع ولا تملك طموحات سياسية قد تهدد توافق القوى السياسية التقليدية.
وتتسم الساحة السياسية العراقية بالتشرذم والانقسامات، وسيتعين على المشهداني مواجهة تحديات عديدة، من بينها معالجة الفساد المتفشي والانقسامات الداخلية التي قد تعيق استقراره في منصبه. كما يواجه تحديًا كبيرًا في التعاطي مع مشاريع قوانين مثيرة للجدل، أبرزها تعديل مقترح على قانون الأحوال الشخصية يثير قلقًا واسعًا لاعتباره ممهداً لإضفاء الشرعية على زواج الأطفال.
يأتي انتخاب المشهداني في وقت حساس، حيث يسعى العراق للحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع إيران والولايات المتحدة في ظل النزاعات الإقليمية. وقد زادت التوترات مع مواصلة جماعات مسلحة متحالفة مع إيران شن هجمات على قواعد عسكرية تضم قوات أمريكية في العراق وسوريا، كردٍّ على دعم واشنطن لإسرائيل.
من الجدير بالذكر أن عودة المشهداني إلى البرلمان قد تكون مؤشرًا على تغييرات قادمة في الساحة السياسية، فيما يراهن بعض المراقبين على أن هذه الخطوة قد تشجع أنصار المالكي على التفكير في عودته هو الآخر إلى منصب رئيس الحكومة في الانتخابات المقبلة المقررة في 2025.