المصالحة السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، انعكس إيجابيا على الأوضاع في اليمن، فيما تأتي مسألة إعادة تأهيل النظام السوري كخطوة ثانية لتأثيرات هذه المصالحة.
يعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الوجه الجديد للسعودية على خلفية الإصلاحات التي يقوم بها لتلميع صورة بلاده منذ اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية الرياض في اسطنبول بتركيا في أكتوبر-تشرين الأول 2018، خاصة وأن تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلُص إلى أنّ ولي العهد "أجاز" عملية قتل خاشقجي وهو الأمر الذي نفته الرياض، وأشارت إلى ضلوع ما سمّته عناصر مارقين في الجريمة المروّعة.
وبالرغم من الإصلاحات ،التي نفّذها في بلاده، يتعرّض ولي العهد لانتقادات بسبب حملة قمع للنشطاء والمعارضين حتى من قلب العائلة الحاكمة.
الملف السوداني
تخوض الرياض وساطة بين طرفي النزاع المسلح في السودان حيث تشرف إلى جانب الولايات المتحدة على المحادثات بين الفصائل العسكرية المتصارعة. وتسعى السعودية إلى الرمي بكامل ثقلها على أمل التوصل لوقف فعّال لإطلاق النار، لاسيما بعد خرق هدن سابقة. وهي ساهمت بشكل كبير في إجلاء الرعايا الأجانب من السودان.
على ضوء الاجتماعات أعربت السعودية عن أملها في التوصل إلى اتفاق بشأن السماح بدخول المساعدات الإنسانية بُعيد الحصار الذي فرضته أعمال العنف على سكان الخرطوم بسبب القتال، فيما نزح عشرات الآلاف من المواطنين الآخرين في شتى أرجاء السودان والدول المجاورة.
عودة سوريا إلى الحضن العربي
بعد الدور الجزائري في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، جاء التأثير السعودي في قرار عودة دمشق للجامعة العربية، مستفيدة من الزخم الذي تحقق لدبلوماسيتها إثر المصالحة مع إيران.
وخلال الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية قرر وزراء الخارجية العرب استئناف مشاركة وفود النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من الـ 7 مايو/ أيار الماضي.
المصالحة مع إيران
من الواضح أن المملكة العربية السعودية تسعى للعب دور إيجابي فيما يتعلق بـ "التهدئة" مع إيران، وهو ما يعتبر تحولا كبيرا في العلاقات بين الرياض وطهران. وعبر إعادة العلاقات مع "الجارة" إيران، تأمل المملكة في أن تساهم الدبلوماسية في الحد من تعرضها للهجمات المباشرة لطهران ، فضلا عن الأضرار الجانبية الناجمة عن العلاقات الأمريكية الإيرانية المتدهورة.
وقد ساهمت الوساطة الصينية في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، وكان ذلك بمثابة مؤشر على أن المملكة قادرة على "تنويع" شركائها الدوليين حتى لو تطلب ذلك أن تنسج علاقات مع "خصوم" واشنطن التي اعتبرت التقارب السعودي الإيراني تحديا لها.
استقرار الوضع في اليمن
أشرفت المملكة العربية السعودية على عديد الترتيبات بين أطراف يمنية ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والصين والولايات المتحدة لبحث تطورات الوضع في اليمن وإطلاق عملية سياسية شاملة لإنهاء الحرب في البلد الذي يشهد حربا مدمرة منذ سنوات.
كما أشرفت المملكة على مشاورات غير مباشرة رعتها الأمم المتحدة وسلطنة عمان خلال الأشهر الماضية بين الأطراف الحكومية من جهة والحوثيين من جهة أخرى حيث تمّ تناول "إطار" خطة السلام المقبلة، وتجديد الهدنة ووضع إطار عام لمفاوضات الحل النهائي وعملية تبادل الأسرى.
وبالتالي، فإن اليمن أصبح أمام أمل تحقيق انفراجة بين أطراف الحرب، خاصة وأن المحادثات اختلفت هذه المرة عن الجولات السابقة.
وكانت وفود سعودية قد زارت صنعاء، وهذا بحدّ ذاته تأكيد واضح على أن المفاوضين يسعون لإعادة الهدنة والانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من اليمن.
التصالح مع قطر وإنهاء الأزمة الخليجية
أنهت قمة العلا قبل عامين الأزمة التي اندلعت عام 2017 وتسببت في انهيار العلاقات بين الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة من جهة والدوحة من جهة أخرى حيث أدت إلى غلق الحدود الجوية والبرية والبحرية بين هذه الدول وتوقيف جميع التبادلات التجارية والسياسية.
وقد شدّد البيان الختامي للقمة على "عدم المساس بسيادة أي دولة أو استهداف أمنها وتطوير العلاقات الراسخة، واحترام مبادئ حسن الجوار". وتمّ التنويه بـ "دور الرياض في تطوير العمل الخليجي المشترك".
انتخاب رئيس للبنان
تقود الرياض حركة كبيرة للتوفيق بين الأطراف اللبنانية للخروج من أزمة الاستحقاقات الدستورية المتمثلة باختيار رئيس للبلاد وتشكيل الحكومة.
تحتفظ المملكة بنفوذ كبير في لبنان في وقت عيّن فيه الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان "مبعوثًا خاصًا إلى لبنان" لمحاولة المساعدة في التوصل إلى مخرج من المأزق السياسي.
وفشل البرلمان اللبناني مؤخرا للمرة الثانية عشر في انتخاب رئيس للجمهورية وسط انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه وينذر بإطالة الشغور الرئاسي، على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وقد تلعب الرياض "دورًا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران، للتوصل لحلّ وسطي" بشأن الرئاسة في لبنان، فربما "تساهم مصالحة السعودية وإيران في تهدئة الساحة السياسية في لبنان".
تكثيف التعاون مع الصين
انطلاقا من مصلحتها الوطنية تسعى الرياض إلى تكثيف التعاون مع الصين من خلال بناء شراكة استراتيجية بالمفهوم العالمي الاقتصادي التجاري. وترغب المملكة في الرفع من مستوى العمل للخروج بنتائج تليق بالشراكة بينها وبين بكين في جميع المجالات الاستثمارية الحيوية وكذا تعزيز العلاقات الثنائية.
وتعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الجانبين 430 مليار دولار في عام 2022، بمعدل نمو بلغ 31 في المائة مقارنةً بعام 2021. وتمثل الرياض ما نسبته 25 في المائة من إجمالي التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 105 مليارات دولار العام الماضي، وهو ما يؤكد أن السعودية هي أكبر شريك تجاري للصين.
وشهدت نهاية العام الماضي إطلاق أول قمة عربية صينية وقمة خليجية صينية، أثمرتا عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار، شملت قطاعات حيوية عدة.
تنامي التعاون السعودي-التركي
شهدت العلاقات بين السعودية وتركيا نموا كبيرا بعيد زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين. وقد تمّ تتويج مختلف الاجتماعات بين مسؤولي البلدين بعقد منتدى الأعمال والاستثمار التركي السعودي بمدينة إسطنبول في ديسمبر-كانون كانون الأول 2022، بمشاركة كبار المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين الأتراك والسعوديين.
وتم طرح إمكانيات الاستثمار في كلا البلدين، في الوقت الذي ارتفع فيه حجم التبادل التجاري بينهما من 3.7 مليار دولار العام 2021 إلى 4.3 مليار دولار هذه السنة. ويهدف الطرفان إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار خلال عام 2030.
علاقات متينة مع فرنسا
تشهد العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا تطورا في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الدفاعية، وتتوافق وجهات نظر البلدين حيال عدة قضايا مشتركة.
وتعتبر باريس الرياض "حليفاً" رئيساً في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة، وبالتالي فهي تعمل على التشاور مع القيادة في المملكة في شأن القضايا والأزمات وسبل معالجتها على غرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب حيث منحت الرياض مائة مليون دولار في إطار "تحالف الساحل" لمحاربة الإرهاب.
كما يجمع البلدان بروتوكولُ اتفاق بين شركات فرنسية وأخرى سعودية بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار، تشمل المجال الاقتصادي الصناعي والثقافي والصحي.
هل تقود السعودية وساطة بين روسيا وأوكرانيا؟
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يسعى لإقناع الدول غير المنحازة في الملف الأوكراني، بالضغط على موسكو لإنهاء غزوها لأوكرانيا.
في أيار/مايو، وضع ماكرون طائرة فرنسية تحت تصرف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي أقلّته إلى مدينة جدّة السعودية لحضور القمة العربية، ثمّ إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي حضرتها أيضًا البرازيل والهند اللتان تنتميان إلى مجموعة الدول الناشئة.
ورأى الرئيس الفرنسي أن زيارة زيلينسكي لجدّة سمحت "بالحصول على دعم واضح جدًا من السعودية وعدة قوى كبرى أخرى في المنطقة".
في يوليو-تموز الماضي، قام ولي العهد السعودي بزيارة لباريس التقى خلالها ماكرون، في خضم ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية الحرب في أوكرانيا. وشدد الرجلان خلال لقائهما آنذاك على "ضرورة إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا وتكثيف التعاون لتخفيف آثاره في أوروبا والشرق الأوسط والعالم". ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير-شباط 2022 وما تسبب به من ارتفاع في أسعار الطاقة، يسعى الغرب لإقناع المملكة، المصدِّر الأول للنفط عالميا بزيادة إنتاجها على أمل تخفيف الضغط عن الأسواق.
وقدمت السعودية حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، تتضمّن "تقديم مساعدات إنسانية من المملكة لأوكرانيا بقيمة 100 مليون دولار".
لا بديل عن روسيا
تسعى السعودية لتطوير علاقاتها مع روسيا من خلال تنمية العلاقات الثنائية، التي تهم البلدين والتحديات التي تمس العالم. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعرب مؤخرا عن الارتياح الكبير لمستوى علاقات بلاده مع المملكة، مؤكدا أن تطوير العلاقات مع الرياض من الأولويات لدى روسيا.
وأكد أهمية التنسيق الدائم المتبادل على مستوى الوزارات والهيئات الحكومية المعنية في البلدين، في مجال قطاع التجارة والاقتصاد والاستثمارات، مع التشديد على التواصل الدائم والاتفاق على الخطوات اللازمة لتطوير هذا التعاون. ورحبت موسكو باهتمام السعودية للمشاركة بشكل نشط في تسوية القضايا الإقليمية والدولية.
ما مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية؟
سبق وأن أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن علاقة واشنطن مع الرياض لا تزال "قيد المراجعة". وجاء ذلك عقب اغتيال خاشقجي وتوجيه اتهامات لولي العهد السعودي بالضلوع في مقتله.
ولكن يبدو أن مقتل خاشقجي لم يكن السبب الوحيد الذي تسبب في فتور علاقات واشنطن بالرياض حيث تراجعت مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة نحو السعودية بسبب تدخل الأخيرة عسكريا في اليمن.
كما تراجعت واردات واشنطن النفطية من النفط الخام السعودي. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، التي لم تتردد في رفع وتيرة مبادلاتها التجارية مع الهند.