محمد الجراح: التلفزيون يحاصر الممثل والحرية في المسرح

منذ 1 سنة 214

اشتهر محمد خير الجراح بتقديم الشخصيات الكوميدية وكان أبرزها على الإطلاق شخصية "أبو بدر" في مسلسل "باب الحارة" التي أطلقت شهرته عربياً، ومع أن المخرجين رأوا فيه الممثل القادر على تجسيد الكاراكتيرات التي تضحك الناس، إلا أن حاتم علي والليث حجو غامرا بتقديم هذا الدور بطابع بعيد من الكوميديا. تأثر بوالده المسرحي عبدالوهاب الجراح الذي عارض دخوله مجال الفن فاختار التخصص في العلوم الاقتصادية، لكنه وجد من خلال العروض التي شارك فيها على مسرح الجامعة متنفساً يرضي شغفه بالتمثيل.

نجاحه كممثل تلفزيوني لم يبعده من المسرح، فهو شارك في العديد من الأعمال المسرحية ومن بينها "سانتو مان الرجل الخارق" و"هوب هوب"، وما لبث أن قدم نفسه كمخرج وممثل مع فرقته المسرحية الخاصة في آخر أعماله "سلطان زمانه".

طرب آخر الليل

وبعد تجارب غنائية مختلفة أقدم الجراح على طرح "ميني ألبوم" في خطوة فنية جديدة، وهو يجد أنها لا تتعارض مع تجربته كممثل إذ يقول "أنا ممثل مخضرم وأعمل منذ فترة طويلة على خشبات المسارح وشاشات التلفزة والإذاعات ، كما قدمت أغان منفردة، لكنني أخطط لتقديم استعراض غنائي مسرحي متكامل، كما أنني أعبر من خلال الأغنية عن أفكار لا يمكنني التعبير عنها كممثل، حتى لو شاركني كاتب وملحن في صناعتها، عدا عن أن الأغنية هي عمل فني مكثف لا تتجاوز مدته أربع دقائق، أقدم من خلالها دراما كاملة أو قصة كاملة يمكن أن أقدمها مئات المرات، لأنها من نوع المونولوغ وتعيش طويلاً، في حين أن المسلسل لا يعمّر كثيراً، بل نحن نكتفي بمشاهدة مسلسل نحبه مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات وليس أكثر".

thumbnail_23.jpg

ويؤكد الجراح أن مشروعه الغنائي يتوافق مع مشروعه المسرحي ويوضح "قدمت كثيراً من العروض المسرحية، وقبل أزمة كورونا قدمنا في سوريا مشروعاً مسرحياً لإعادة إحياء حال المسرح الشعبي لأنه يستقطب الجمهور العام، في حين أن جمهور مسرح النخبة لا يتعدى 500 أو 600 شخص، فنحن فتحنا شباك التذاكر للسواد الأعظم من الناس، وهذا النوع من المسرح منتشر في جميع أنحاء العالم، وقدمه الراحل شوشو وأبو سليم وفهمان في لبنان وناجي جبر وسعد الدين بقدونس وحسن دكاك في سوريا، أما عملي الغنائي فلا يتعارض مع عملي كممثل لأنني لن أتحول إلى مطرب مطاعم أو مطرب نوادي الليل".

ويحكي الجراح عن تأثره بتجربة والده المسرحي عبدالوهاب الجراح قائلاً "تكويني الفني والفكري ورغبتي في تقديم مسرح شعبي يقف وراءها والدي، لأنني نشأت وتربيت في مسرحه وكنت أعمل معه أنا وأخي عمار الذي يقدم عروضاً وحفلات مونولوغ في حلب، ولكنها مختلفة عن أعمالي التي أقدمها بطريقة جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وفي الماضي كانوا يقدمون فن المونولوغ غناء وبعضهم يسير على الطريقة نفسها حتى اليوم، بينما أنا توجهت نحو الاستعراض".

ويتابع، "مع والدي كنا نمضي يومنا بالعمل كممثلين على المسرح في دكانه كما كنا نساعده في الإعلانات والتذاكر والصالة والإضاءة والصوت والديكور، ولم يبق أي شيء لم أشتغله في المسرح، بدءاً بالباب ووصولاً إلى مستودع الملابس، وكنت شغوفاً جداً بالفن وبالمسرح بشكل خاص، ومع أنني تأثرت بوالدي كثيراً لكنني في الوقت نفسه تمكنت من ابتكار أسلوب جديد خاص بي يشبه نهج عبدالوهاب الجراح، ولكنه لا يشبه طريقته".

ويشير الجراح إلى أنه درس الاقتصاد على رغم حبه الكبير للمسرح، لأن والده وكل من كانوا يعملون في المجال خلال الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات، لم يكونوا يشجعون أولادهم على العمل في الفن لأنه لم يكن يطعم خبزاً، ويعقب "والدي كان يعمل في بيع الألبان والأجبان في دكانه لكي يدعم عمله في المسرح، لذا فهو لم يسمح لي بدخول معهد التمثيل بل قال لي أن أحمل شهادة تحميني في الحياة، لكن يبدو أن شيطان المسرح كان يسكنني، وخلال دراستي قال لي أستاذي الدكتور اسماعيل شعبان عندما شاهدني على مسرح الجامعة إن مكاني ليس هنا بل على خشبات المسارح، لكن الجمهور عرفني أكثر من خلال الشاشة الصغيرة والتلفزيون يؤطر الممثل لكونه يعمل تحت إدارة المخرج، بينما مساحة الحرية في المسرح أكبر وتساعده في التعبير عن نفسه وفي إبراز إمكاناته".

غيرة إيجابية

thumbnail_الدومري.jpg

لا ينكر الجراح أنه أسس "فرقة مسرح سوريا" بسبب غيرته من "فرقة مسرح مصر" التي أسسها الممثل أشرف عبدالباقي ثم يستدرك، "لكنها كانت غيرة إيجابية ولم تكن سلبية، إلا أن تجربتنا اقتصرت على عمل مسرحي واحد هو "سلطان زمانه" التي عرضناها بداية عام 2019، لكن كورونا حال دون استمرارنا مع أننا قدمنا 40 عرضاً منها، وأنا أفكر بإعادة إحياء هذه الفرقة وتقديم المسرحية نفسها لأن الجمهور لم يشبع منها". ويبرر الجراح الذي طرح نفسه كمخرج للمرة الأولى في هذا العمل إلى جانب كونه ممثلاً فيه، بأنه يحق له أن يجرب بعد تجربة طويلة في المجال الفني، ويوضح "قررت أن أكون مخرجاً لهذا العمل لكي أتمكن من تحقيق الصورة التي تخيلتها عنه، فلم تكن تهمني "فلسفة" العرض وطريقة تقديم المادة، بل كنت أريد عملاً بسيطاً ممتعاً وفي الوقت نفسه عميقاً، ويحمل مضامين غير معقدة وغير عصية على الجمهور الذي هو في معظمه بمستوى ثقافي وتعليمي بسيط، ومع أنني أجد أن من الأفضل أن أتعامل مع مخرج آخر لكنني على قناعة تامة بأنه يحق لي أن أقدم نفسي كمخرج بتجربة أو أكثر". وإن كان يعتبر أنه نجح في مهمته كمخرج يجيب، "الصحافة أثنت على العمل ويمكن القول إنني وصلت إلى بر الأمان، لأن العرض كان متماسكاً حتى إنني أخرجت مسرحياً حفل إطلاق ألبومي في دبي، لأنه كان يحتاج إلى فنان يقف وراءه لكي يكون متماسكا وممتعاً".

وفي المقابل ينفي الجراح الذي حصل على شهرته من خلال التلفزيون أن يكون قد شغله عن المسرح ويقول، "عندما كنت في سوريا لم يكن يمر عام من دون أن أشارك في عمل مسرحي، ومعظم العروض التي شاركت فيها كانت على المسرح القومي، كما خضت تجربة خاصة مع فرقة ’فضا‘ والمخرج غزوان طوجي، وكذلك قدمنا بين دمشق وحلب عروضاً للشاعر والمسرحي الكبير محمد الماغوط، فالمسرح شغفي الأول والأخير ومتعتي فيه تفوق متعتي في التلفزيون، لأنني أكون على اتصال مباشر مع الجمهور، ينعكس ألقاً ولمعاناً على الخشبة، ولكن التلفزيون يؤمن مدخولاً مادياً أكبر".

حاتم علي والليث حجو

في تجربته التلفزيونية برز اسم الجراح في الأعمال الكوميدية، وهو يعيد السبب إلى تأطير المخرجين للممثل في نوع محدد من الأدوار موضحاً، "قلائل هم المخرجون الذين قدموني خارج إطار الكوميديا ومن بينهم حاتم علي والليث حجو اللذان تعاونت معهما في الكوميديا وفي الدراما، بينما قدمني باقي المخرجين بأدوار شر أو بأدوار كوميدية".

هل هذا يعني أنه يدين لهما أكثر من غيرهما؟ يجيب "كلا ولكنني صورت مع الليث حجو مسلسليّ ’خربة‘ و’بقعة ضوء‘ وهما عملان كوميديان، كما تعاونت معه أيضاً في مسلسل ’الانتظار‘ وهو عمل درامي اجتماعي، والأمر نفسه ينطبق على تجربتي مع حاتم علي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هما مخرجان مغامران يريان في الممثل إمكانات لا يراها فيه غيرهما من المخرجين، لكنني أدين لكثير من المخرجين ومن بينهم المخرج بسام الملا الذي تعاونت معه في مسلسل ’باب الحارة‘ الذي حصدت بفضله شهرة عربية واسعة، كما أن بعض المخرجين منحوني الفرصة لكي أطل ببطولات باكرة عام 1999 مثل المخرج رياض ديار بكرلي".

الجراح الذي خاض تجربة يتيمة في مصر من خلال مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" مع الممثل عادل إمام، يوضح أنه قدم شخصية سورية في هذا العمل الذي صوّرت معظم مشاهده في لبنان، وعن سبب عدم تكرار التجربة في الدراما المصرية يقول، "هي كانت تجربة محصورة ومحدودة ونحن ممثلون من نوعية خاصة ولسنا أصحاب مواصفات إعلانية ودعائية، وأنا أشارك في المسلسلات العربية بالطريقة التي شاركت فيها في مسلسل ’فرقة ناجي عطا الله‘ فأنا مثلاً أقدم دوري في مسلسل أردني كفرد ضمن عائلة سورية تعيش في الأردن".

ويشير إلى أنه يقصد بأنه ممثل من نوعية خاصة، أي ممثل من بين كثير من الممثلين الذين يقدمون كاريكاتيرات ويلعبون أدواراً مركبة، ويوضح "أنا نجم من نجوم الصف الثاني الذين يحرّكون العمل ولا مشكلة عندي في ذلك".

وعما إذا كان يعتبر أن بعض الممثلين ربحوا نجومية لا يستحقونها مع رواج موضة الدراما المشتركة، يؤكد أنه لا يستطيع أن يقيم تجربة أحد ولا يرى أنهم لا يستحقون النجومية، ولكنهم تأطروا بأدوار معينة ويستحسن أن يجربوا أكثر، ويضيف "لا بد من أن يكون للممثل حد أدنى من الحضور الفني التمثيلي، ومن ليست لديه تجارب سابقة يجب أن يخضع لبعض الدورات، فهناك ممثلون أتوا إلى المجال من عالم عرض الأزياء ولكنهم تطوروا وأصبحوا جيدين، وهناك آخرون كانوا راقصي فنون شعبية ثم أصبحوا ممثلين ومخرجين". 

وسينمائياً خاض الجراح تجارب محدودة، وهي "رؤى حالمة" مع واحة الراهب و"علاقات عامة" للمخرج سمير ذكرى و"ما وراء الوجوه" للمخرج أيهم عرسان و"سيرينا" للمخرج حاتم علي، ولكنه يشير إلى أن التجربة الأجمل كانت من خلال فيلم "ليلى والذئب" للمخرج محمد عبدالعزيز، إلا أنه لم يتم الإفراج عنه بسبب الخلافات بين الكاتب والشركة المنتجة.