عام 1970 تسلّم الزميل الراحل نبيل خوري رئاسة تحرير «الحوادث». وبدأ على الفور عملية تطويرها وإدخال أبواب جديدة عليها. اقترحت عليه يومها، زاويتين: الأولى، غير سياسية بعنوان «استراحة المحارب»، والثانية عن الأحداث الدولية بعنوان «هذا هو العالم».
العنوان الأول، مأخوذ من كتاب للروائية الفرنسية كريستين روشفور، والثاني عن مسرحية نيكوس كازانتزاكيس «الكوميديا البشرية». كان العنوانان أول ما خطر لي أمس، وأنا أتفقد مع ملايين الناس بدء الهدنة في جحيم غزة: هل تبدأ فعلاً؟ وإذا بدأت هل تصمد؟ وإذا انهارت ولم تصمد، هل هناك من سوف يفاجأ؟ أليس هذا هو العالم ولا جديد في الأمر: مدينة ترسل إلى العدم، وألوف المقابر المكشوفة، وأنهار الدماء، والدموع، والإفراج عن 50 رهينة من الأطفال و5 آلاف طفل قتلوا دون أن يفرج عنهم؟
الراحلة الجميلة جيزيل خوري، كانت تجمع هذه المقاطع من الفناء والشرور والقهر، وتضعها تحت عنوان واحد هو: المشهد: والمشهد في هذا العالم كان مريعاً. والمحاربون لا يستريحون. والأطفال يئنّون تحت الركام. أي من بقي منهم حياً. منذ أسابيع والمشهد يقزز شرايين الأرض: نحو 15000 قتيل، والفوز استراحة محارب من أربعة أيام، قابلة للتمديد طبعاً. إلا إذا لم يشبع بن غافير وغالانت من رؤية ما يفعلون.
وفي الجهة المقابلة نقف نحن، ومعنا مقياسنا القديم ومكيالنا المعهود: صحيح أننا خسرنا غزة وشوارعها وأهلها ومخيماتها ومستشفياتها، وصار الموت بلا جنازات أو حفر، لكن الانتصار الحقيقي معنوي. وقد انتصرنا. دائماً نحصد الانتصارات المعنوية. خصوصاً في شوارع لندن وباريس وروما. المشهد في ديارنا لا يتغير. كيفما كان المشهد، النصر لنا.
رفع أبو عمار شارة النصر وهو يخرج من بيروت إلى أثينا. وكان ذلك حقاً له. إنه دون شك أب القضية الحديث. اقتنع أن الأفضل للجميع أن يوفر على بيروت مستشفياتها ومدارسها وجامعاتها ومخيماتها. ليس خسارة ولا هزيمة أن تحمي عائلتك وتنقذ أطفالك. الكلام سهل والسؤال رخيص. وليس أغلى من الجسد إلا الروح.