الأرقام تحدد حياتنا. كم عدد غرف النوم في منزلنا؟ كم عدد المرات التي استغرقناها لاجتياز امتحان القيادة؟ كم عدد الأزواج الذين حظينا بهم؟ واللائحة تطول. ولكن هنالك سؤال يبدو أنه يحمل معاني أكثر من أي سؤال آخر: كم عدد الأشخاص الذين أقمنا معهم علاقة حميمة. بالنسبة للكثيرين، قد يُخيل أنه من الصبياني تتبع ذلك الرقم (على رغم أن العديد من البالغين يحتفظون بلائحة لذلك على هواتفهم). وبغض النظر عما إذا كان ذلك أمراً تتبعونه، أراهنكم بأنكم تعرفون الرقم وتحفظونه عن ظهر قلب لأنه بالنسبة للكثيرين منا، يشكل ذلك رقماً لا نزال نعلق عليه معاني كبيرة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، كتبت امرأة في عمود "ميدالتس" Midults الذي يُعني بمنح النصائح في صحيفة "ديلي تليغراف" معبرةً عن قلقها من عدد الرجال الذين أقامت علاقة معهم. وكتبت "أتمنى لو أنني لم أقم علاقات مع هذا العدد الكبير من الرجال. أنا في منتصف الأربعينيات وأنا حالياً في علاقة مع رجلٍ رائع منذ سنوات، ولكنني أجد نفسي فجأة مسكونة بكل الأجساد التي التقيتها في السابق، خصوصاً أن غالبية العلاقات الجنسية كانت غير مرضية. لا أعلم لماذا أصبح الأمر يزعجني فجأة".
وفي الرد على السؤال، أكدت الكاتبتان أنابيل ريفكين وإيميلي ماكميكان بأن تلك المرأة "احتفلت بشكلٍ جامح" في شبابها. كما طمأنتا المراسلة بأنه لا يجب على سقف التوقعات المجتمعية أن يؤدي بها إلى الشعور بأي قدرٍ من الخجل من ماضيها الجنسي. في الواقع، لا يجب أن يحصل ذلك بالفعل. ولكن الأمر ليس غالباً بهذه البساطة، خصوصاً بالنسبة للنساء. وفي هذا السياق، تقول إيما-لويز بوينتون، مؤسسة ومضيفة مدونة "أحاديث جنسية" Sex Talks: "ما زلنا نملك نظرة بالية إلى كيفية مقاربتنا لهذا الموضوع. يبدو أن هنالك الكثير من الأحكام التي تُطلق على المرأة لإقامتها "علاقات جنسية متعددة"، في حين أنه بالنسبة للرجال، يُعتبر ذلك مدعاة فخرٍ واعتزاز وليس أمراً يخجلون به".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يُعد هذا التفاوت تفكيراً من الماضي. إنه ما يُطلق عليه اسم "عقدة مادونا والعاهرة" Madonna-whore complex [هي عدم القدرة على الحفاظ على الإثارة الجنسية خلال علاقة ملتزمة ومحبة]: فالنساء اللاتي يملكن الجرأة على الشعور بأنفسهن ككائنات جنسية يندرجن ضمن الفئة الأخيرة، في حين أن اللواتي يتظاهرن بأنهن لسن كذلك تتناسبن تماماً مع الفئة الأولى. شاهدنا هذا الأمر بأم العين وبشكلٍ واضح على قناة "آي تي في2" ITV2 ضمن برنامج تلفزيون الواقع الخاص بالمواعدة "جزيرة الحب" Love Island. موسم تلو الآخر، شهد البرنامج تغيراً في أنماط اللعبة نفسها والتي من شأنها أن تجعل المتسابقين من الذكور والإناث يخمنون عدد الأشخاص الذين أقام الآخرون علاقات معهم. بشكلٍ نموذجي تقليدي، تلقى الرجال الذين أقاموا علاقات مع العديد من النساء تصفيقاً وصيحات وابتسامات. أما النساء اللواتي حظين بالعدد نفسه من "الشركاء الجنسيين" فخضعن للانتقادات والتدقيق وغالباً ما ترافق ذلك مع عبارات على غرار "لا أصدق عدد الرجال الذين أقامت علاقات معهم" وهو أمر لم يؤدِ بطبيعة الحال سوى إلى تفاقم قساوة الأحكام التي أُطلقت عليهن.
وفي سياقٍ متصل، تقول عالمة النفس الدكتورة لويز غودارد -كراولي: "إن الشعور بالخجل الذي يرتبط بإقامة علاقات مع العديد من الأشخاص ينبع غالباً من المعايير الاجتماعية البالية والقيم الثقافية التي مر عليها الزمن ومن التنميط الجنسي. على مر التاريخ، رافقت النساء وصمة عار لانخراطهن في العديد من العلاقات مقارنةً مع الرجال. تكرس ازدواجية المعايير هذه فكرة أن المرأة يجب أن تكون متواضعة ومتحفظة جنسياً، فيما يُشجع الرجال على السعي خلف أكبر عدد من المغامرات الجنسية. نتيجةً لذلك، قد تعمد النساء اللواتي ينحرفن عن هذه التوقعات إلى إيواء مشاعر العار أو الإدانة، مما يؤثر على تقديرهن لذاتهن وعلى رفاههن النفسي".
ويمكن أن يستغرق الأمر كماً هائلاً من العمل على نبذ المعتقدات الراسخة وعلى تطوير الذات لتخطي مشاعر العار والخجل التي من شأنها من دون شك أن تؤثر على مقاربتنا للجنس والمواعدة بشكلٍ عام. وتضيف بوينتون: "إنه أمر عشوائي لأنه في حال كنتم عازبين في معظم سنوات العشرين من عمركم، ستكونون لاحقاً مع عدد أكبر من الأشخاص مقارنةً مع أولئك الذين كانوا مرتبطين بعلاقة. ليس هذا أمر سأشعر بالقلق بشأنه بتاتاً، لأنني بذلت الكثير من الجهد لفصل نفسي عن العار الذي يلاحق النساء والجنس والذي يربطهما. أملك فعلاً قائمة على هاتفي ولكن الهدف منها هو إحداث صدمة لذاكرتي".
لعلكم تعتقدون أنه في عام 2024، سنكون قد تخطينا هذه الأطر الثقافية منذ فترة طويلة. لكنها تستمر حيث يركز الناس على "الرقم" الخاص بهم ويتساءلون عما يكشفه عنهم.
وفي سياقٍ متصل، تقول مدربة الجنس ماري موريس: "بصفتي متخصصة في علم الجنس السريري وأعمل مع النساء، فإن بعض الأسئلة الرئيسة التي أتلقاها من عملائي تتطرق إلى هذا الموضوع. كم مرة في الشهر تُعتبر ’طبيعية‘ في إقامة علاقة؟ ما هو عدد الشركاء الجنسيين الذي يُعتبر ’طبيعياً‘؟ قد يعني هذا السؤال ’هل أنا مقبولة (متحررة) اجتماعياً؟ أو تقليدية؟‘ ودائماً ما يكون جوابي أنه عندما يتعلق الأمر بالجنس والمتعة الجنسية، لا وجود لكلمة ’طبيعي‘ في القاموس".
ليست النساء وحدهن من يطرحن هذه التساؤلات ويشعرن بالندم والخجل في حال عدم حصولهن على الجواب الذي ترغبن بسماعه. وفي هذا الإطار، يقول مايك*، 39 سنة: "أعتقد أن تزامن بلوغ سن الرشد مع العقد الأول من قرن العشرين، وهو وقت كان يُعتبر فيه الرجال أبطالاً يستحقون تمثالاً على ممارستهن الكثير من العلاقات الجنسية مع عدة أشخاص، أفسدني بشكلٍ أو بآخر. كنت في مدرسة مليئة بالذكورية السامة، ومنحتني إقامة علاقات متعددة الشهرة والمكانة". فضلاً عن ذلك، يضيف أن ذلك لم يؤد إلى العديد من التجارب التي لا تُنسى. ويشرح قائلاً: "ليس بوسعي تذكر أسماء نصف الأشخاص الذين أقمت علاقات معهم. يجعلني ذلك أشعر بالاشمئزاز من نفسي وهو أمر مزعج للأشخاص الذين تربطني بهم علاقات سليمة وذات معنى".
كما أن هنالك مستويات متعددة لذلك. وفيما يخشى بعض الأشخاص من أنهم أقاموا علاقات مع عدد كبير جداً من الأشخاص، يخشى آخرون من أنهم أقاموا علاقات مع عدد قليل من الأشخاص. وفي هذا الصدد، تقول ميا*، 31 سنة: "غالباً ما أشعر بالقلق من تجربتي الجنسية المحدودة. من المفترض أن النساء في مثل سني يعشن ذروة نشاطهن الجنسي. ولكنني كنت في علاقة عاطفية في القسم الأكبر من سنوات العشرين من عمري وما زلت أعمل على تحديد هويتي من الناحية الجنسية. انطلاقاً من ذلك، أشعر بالخجل بأنني لم أقم ما يكفي من العلاقات مع عدد أكبر من الأشخاص".
ولعل التركيز على مثل هذه المسألة التي لا تحمل ظاهرياً أي معنى يشير إلى مشكلة أوسع تتعلق بكيفية حديثنا وتفكيرنا في الجنس. مما لا شك فيه أن قيامنا بإيلاء أهمية كبيرة على مثل هذا الأمر يسلط الضوء على مدى المعتقدات المجتمعية المشوهة والخاطئة التي تدور حول الجنس ومدى قلة حديثنا عن هذا الموضوع بشكل علني. وتتابع بوينتون: "نملك ذلك التصور بأن الجميع يمارسون الجنس بشكل أفضل منا وبتواترٍ أكبر وهو ما يرسي ثقافة مقارنة غير صحية".
وبغض النظر عن عدد الشركاء الذين حظيتم أو لم تحظوا بهم، إن مقارنة حياتكم الجنسية مع الآخرين لن يسهم سوى في زيادة الثرثرة العقلية غير المفيدة ويبني سردية سلبية يفاقم الشعور بانعدام الاستقرار لديكم سواء كان ذلك يتعلق بنفسكم أو بجسدكم أو بنشاطكم الجنسي. وبالتالي، تضيف بوينتون: "يظهر هذا الأمر كيف أننا لا نتحدث بما يكفي من المراعاة عن الجنس، وحتى ذلك الحين، لن نتمكن من قلب تلك المفاهيم أو عكسها".
*تم تغيير الأسماء في المقال