متى يتجاوز الزوجان متلازمة "كوب الشاي" و"كيس القمامة"؟

منذ 1 سنة 159

ليس في الأمر قانون ولا قاعدة، وما بين "كوب الشاي وكيس القمامة"، تلك العبارة المستخدمة للتندر حول الواجبات في منزل الزوجية، تثار القضية ما بين حديث جاد وساخر في آن، في المجموعات المغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي أو الحسابات الشخصية، ما بين تعليقات متناقضة وآراء متباينة.

في العالم غير الافتراضي تبدو الصورة أكثر واقعية، إذ يرفض بعض الرجال أداء أعمال منزلية باعتبارها مقتصرة على السيدات، وأن القيام ببعض المهمات، مثل غسل الصحون أو ترتيب الملابس أو حتى تغيير حفاضات الأطفال، شيء ينتقص من رجولتهم، وهو رأي يختبئ خلف عباءة "هذا دور المرأة"، تختلف ألفاظ الجملة ويتفق المعنى.

ثقافة العيب

"سيكون المشهد غير اعتيادي حين أقف في بلكونة المنزل وأضع الملابس على حبال الغسيل"، هذا مبرر ساقه حسني السيد إلى زوجته حين طلبت منه ذات مرة أن ينشر الملابس المغسولة حينما كانت مريضة، ليقرر وضعها في أماكن مختلفة داخل المنزل لتجف بدلاً من تعريضها للهواء الطلق، ففي تلك الحال سيراه كثيرون يفعل ذلك التصرف.

يقول حسني الذي يعيش في منطقة شعبية بمحافظة القليوبية في مصر إن هذا الموقف كان في بداية زواجه منذ 17 عاماً، وحتى الآن لا يقوم بأعمال في المنزل باعتبار أن لكل دوره في البيت، "حين أذهب للعمل فهذا وقت ومجهود وتعب كبير، ومن حقي أن أعود للبيت من دون المشاركة في شيء، وهذا أمر منطقي"، يحكي الرجل ذو الـ 44 سنة لـ "اندبندنت عربية".

لكن لحسني مواقف يتذكر فيها حين ساعد زوجته وكثيراً ما كانت في أوقات مرضها، لكنها تظل داخل نطاق التخفي خشية أن يتهمه أحد بأنه ناقص الرجولة أو أنه غير مسموع الكلام في منزله، وهو بحسبه أمر يعيبه، خصوصاً في منطقة شعبية، "قد أساعدها في المنزل في بضعة أمور فقط لو كانت مريضة، لكن للحقيقة سأكون محرجاً أن أفعل ذلك في العلن، لم أشاهد والدي يفعل مثل هذا قط في بيت أمي أو زوج آخر أعرفه".

ما وجدنا عليه آباءنا

في ولاية الأغواط بالجزائر نشأ رشيد شريف في عائلة لا يقوم الأب فيها أو الزوج بمساعدة زوجته في شؤون البيت، ويدلل على الأمر بأن الزوجة حين تلد على سبيل المثال فإنها تذهب إلى بيت أمها لترعاها إلى أن تتعافى ثم تعود لبيت الزوجية لخدمة من فيه "لم أر في حياتي رجلاً يقوم بهذه الأمور من تجهيز طعام أو غسل صحون وغيره من تلك الأمور".

يقول الشاب ذو الـ 32 سنة الذي لم يتزوج بعد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن ثقافته وتربيته ترفضان مثل تلك التصرفات، وهو أمر شائع حوله، بحسب حديثه "لدينا ثقافة أن الزوج لا يساعد في تلك الأمور، وإذا فعلها فهو إما مسحور أو رجل يخاف من زوجته".

وفي حال اضطرار الرجل إلى خدمة زوجته في أمور المنزل بمنطق شريف، فإن عليه تأجير خادمة لتقوم بذلك الدور كمعاونة للزوجة، "لكن بعض الأمور الأخرى مثل اصطحاب الأطفال من المدرسة وقضاء الأمور الخارجية وإصلاح الأعطال في المنزل أو حتى التبضع وشراء الفاكهة والخضراوات وحاجات البيت، فمن الطبيعي أن يقوم بها الرجل".

ويعتبر الشاب الذي تخرج في كلية الإعلام والاتصال بإحدى جامعات الجزائر أن تلك الثقافة حول المساعدة المنزلية لا يعيبها شيء، لأن هذا ما تربى ونشأ عليه ورآه في محيطه، ولن يغير قناعته حول الأمر وإن كانت خاطئة حينما يتزوج، "صعب أن أغير قناعتي حول هذا الأمر وأرى أن ذلك أمر سليم بشكل كامل، لكل شخص في المنزل دور وهذا ليس دور الرجل"، يقول رشيد.

وفي الجزائر قد تكون الزوجة مجبرة على خدمة أهل زوجها، وبات ذلك السبب أحد الأسباب الرئيسة للانفصال بين الطرفين، بحسب بيانات لوزارة العدل الجزائرية، وهي خدمة إضافية تضيف أعباء إلى الزوجة، وتتشارك فيها دول عربية أخرى تؤمن بأن من واجب الزوجة خدمة بيت أهل زوجها.

عملية التنشئة

تعتبر أستاذة علم الاجتماع واستشارية حقوق الطفل والأسرة عبلة البدري أن ثقافة العيب في ما يتعلق بخدمة الزوج زوجته، "تحمل ازدواجية خطرة"، إذ إن كثيراً من النساء يعملن إلى جانب الزوج أو العائل للمشاركة في الإنفاق على الأسرة، "وكانت هناك ثقافة مغلوطة في شأن عمل المرأة لكن وتيرة الحياة والضغوط الاقتصادية، إضافة إلى حق المرأة في التمكين والمساواة بالعمل، دفعت النساء إلى سوق العمل، وفي وقت مضى كان ينظر إلى الزوج الذي يسمح لامرأته بالمشاركة في الإنفاق على المنزل بأنه أمر معيب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول البدري في حديثها إلى "اندبندنت عربية" إن الشعور بالخجل من الإسهام والمساعدة في أمور المنزل "إرث ثقافي سلبي" من المفترض أن يجري تغييره، لكنها تشير إلى نقطة أخرى تتعلق بالتنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية في الطفولة، "يقولون من شب على شيء شاب عليه، فإذا لم يجد الولد والده يقوم بالمساعدة في أمور المنزل فإنه سيتصور أن هذا هو النموذج الصحيح، وهذا غير حقيقي".

ولا تضع استشارية حقوق الطفل والأسرة حداً لشكل المساعدة في حاجات البيت المختلفة، وتنظر إلى الأمر من ناحية أن العلاقة بين اثنين قوامها الحب والمودة، "وبالتالي فإذا كانت الزوجة مرهقة فلا بأس من المساعدة، أو حتى غير مرهقة لكنها تحتاج إلى من يساندها في تلك الأفعال، وهذه كلها أمور تعود للطرفين، وكلما كانت علاقتهما جيدة كانت المساعدة أوضح".

النساء في سوق العمل

النقطة التي أثارتها البدري حول عمل بعض السيدات وتعرضهن إلى متاعب يومية في سبيل الإسهام في مصاريف البيوت التي تتزايد على خلفية أزمات اقتصادية عالمية، تؤكدها تقارير صادرة عن منظمات ومؤسسات أممية ودولية، فبحسب البنك الدولي فإن نسبة العاملات في العالم العربي بلغ 20 في المئة من إجمال العاملين عام 2021، وبحسب منظمة العمل الدولية فإن عدد العاملات من النساء عربياً بلغ 11 مليوناً.

وتقضي المرأة في المشرق بشكل يومي ضعفي الوقت الذي يقضيه الآباء في رعاية الأطفال، وثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه الآباء في القيام بالأعمال المنزلية، وبالتالي فإن النساء في دول مثل العراق ولبنان والأردن يجدن أنفسهن أمام خيارين، إما البقاء خارج سوق العمل وإما العمل في دوامين، أحدهما في المنزل والآخر في مكان العمل، وذلك بحسب بيانات للبنك الدولي.

وفي هذا الجانب تلقى المرأة أيضاً مشكلات في ما يتعلق بسوق العمل، إذ يشير تقرير للبنك الدولي إلى أن عام 2022 شهد ارتفاعاً طفيفاً في متوسط الدرجة العالمية على مؤشر المرأة وأنشطة الأعمال بمقدار نصف نقطة ليصل إلى 77.1 نقطة، مما يعني أن النساء لا يتمتعن في المتوسط بنسبة 77 في المئة من الحقوق التي يتمتع بها الرجال، وهي وتيرة إذا استمرت فستتقاعد نساء عدة عن العمل في عدد من البلدان، وهو أمر يحذر منه البنك الدولي ومنظمات أممية ترى في عمل المرأة ضرورة ومساواة لتبتعد من التمييز وتضيف إلى الاقتصاد العالمي.

"أنا أيضاً مرهقة"

ومن بين اللواتي يجمعن بين عمل المنزل والعمل المدفوع صفاء محمد، وهو اسم مستعار، التي تعمل في إحدى شركات الترجمة بالقاهرة منذ أربعة أعوام ويقتضي عملها الجلوس داخل مقر الشركة ثمان ساعات يومياً، إضافة إلى ساعة ونصف الساعة للمواصلات في الذهاب والإياب، وهي ساعات عمل يلتزم بها زوجها أيضاً في شركة أخرى.

وتعود صفاء من عملها قبل الزوج، وقد سبق أن جهزت في البيت طعاماً قبل خروجها من منزلها لكنها تحتاج إلى مساعدة في تجهيز أمور البيت الأخرى، من مذاكرة للأطفال وغسل الملابس وترتيبها وغسل الصحون وتجهيز الطعام لليوم التالي، وهي أمور أساسية يومية قد تضاف إليها مهمات جديدة في أوقات أخرى، وفق طبيعة كل يوم، "دوماً ما أحتاج إلى مساعدته فيخبرني أنه مرهق نتيجة العمل، وأتساءل ماذا عني؟ أنا أيضاً مرهقة".

كان الاتفاق بين صفاء وزوجها قبل عقد القران أن يتشاركا أمور البيت ووعدها بفعل الأمر، لكنه تغير بحسب ما ترويه الزوجة إلى "اندبندنت عربية" بعد خمسة أشهر من الزواج، ويكتفي بإحضار متطلبات البيت إن كانت في طريق عودته من عمله، لكن الاتفاق الذي لا يزال سارياً في المنزل الاشتراك في نفقاته ومصاريفه، فهي لا تدخر المال الذي تحصل عليه من عملها لنفسها.

وفي هذا تقول البدري إن تغير المعادلة التي كانت تقول إن الزوج يتولى الإنفاق وحده وينزل إلى سوق العمل والزوجة تقوم على شؤون البيت، تحتاج إلى تغيير المعادلة كفعل تراتبي لذلك التغير، "العلاقة الصحية تفرض ذلك الأمر، أما غير ذلك فسنجد عنفاً منزلياً ومشكلات ربما تصل إلى الطلاق بسبب وجبة طعام أو كوب شاي".

غير ملزمة

في سبتمبر (أيلول) الماضي انتشر وسم على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وامتد إلى بعض البلدان العربية تحت اسم "غير ملزمة"، وكانت شرارة هذا الوسم الذي أحدث حال جدل كبيرة هي تصريحات حول إرضاع الأم طفلها، وأنها وفقاً لنصوص دينية "غير ملزمة بالأمر"، قالتها عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان المحامية المصرية نهاد أبو القمصان، لكنها أوضحت في ما بعد أن الكلام جرى تحريفه وإخراجه من سياقه، "لم أقل إن السيدة غير ملزمة بالرضاعة أو أن تأخذ أجراً على الأمر، قلت إن عليها أن تعمل وأن تحقق وأن تقرر متى تتزوج أو تنجب، ومتى تكمل في علاقة صحية أو تأخذ قراراً بوقف تلك العلاقة".

وفي إطار ذلك الجدل الذي جمع بين مشكلات واقعية وأمور هزلية عاد الحديث إلى "كوب الشاي وكيس القمامة"، ويعبر بعضهم بذلك الفعلين عن الأدوار في المنزل، إذ على الزوجة أن تعد الشاي لزوجها وعلى الزوج أن يأخذ القمامة من المنزل ويلقيها في مكب نفايات في الخارج.

للقاعدة شواذ

تتذكر نها عبدالجواد، مدرسة لغة العربية في إحدى مدارس القاهرة، ذلك الجدل وترى أنه أبرز إلى السطح مشكلات عدة تعانيها المرأة في ما يتعلق بمساعدتها في أمور البيت، لكنها وبشكل شخصي تحرص على إشراك أولادها الذكور في مساعدتها بأمور المنزل حتى يفعلوا ذلك في ما بعد في بيت الزوجية مستقبلاً، "وزوجي يساعدني في أمور البيت وبالتأكيد لا أطلب منه شيئا محدداً، لكنه يعرض المساعدة ويفعلها كتجهيز الطعام معي أو المذاكرة للأولاد أو حتى تغيير الحفاضات لصغيرتي".

زوج نها ليس الوحيد الذي يفعل ذلك الأمر، وقد تحدثت "اندبندنت عربية" إلى أزواج آخرين يقومون بالتصرف ذاته لاعتبارات كان معظمها يتجه إلى أن ذلك من طبيعة المنازل الصحية والسليمة، لكن الرابط المشترك بين أكثرهم هو مساعدتهم في شؤون البيت قبل الزواج ورؤية آبائهم يفعلون ذلك من دون ضجر أو خجل.

للدين رأيه

مسألة إلزام الزوجة بفعل أمر ما بعينه ضمن مهمات البيت سبق للمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن تناولها عبر بيان على صفحته بموقع "فيسبوك"، فأوضح أن "العلاقة الزوجية تكاملية وقائمة على المودة والمسامحة وحفظ حقوق الرجل والمرأة والطفل، وليست علاقة ندية أو نفعية، عدا أن رعاية المرأة بيتها وتخريجها أجيالاً صالحة للمجتمع رسالة عظيمة، وادعاء دونية تلك الأدوار طرح كريه".

كما جاء في ذلك البيان أن للزوجين أن يتراضيا في ما بينهما على أدوار ومهمات حياتهما وفق رؤيتيهما، واعتبر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن خدمة المرأة زوجها وأولادها مثل الشرط الملزم، لكنه لفت إلى أن مساعدة الرجل زوجته "سنة نبوية"، كما تناول إنفاق المرأة على بيتها من مالها الخاص معتبراً أنه غير واجب عليها، لكنه يدخل من باب حسن العشرة والتعاون.

وحول مساعدة الزوج زوجته في شؤون المنزل فقد سبق للمستشار العلمي السابق لمفتي الجمهورية المصرية مجدي عاشور أن اعتبر ذلك من مكارم الأخلاق، قائلاً إنه "يجب على المرأة القيام بما يحتاجه الزوج من خدمة، وإذا كان للزوج قدرة على استقدام خادمة أو خادم لمساعدة زوجته فعليه أن يفعل، وإن كان غير قادر على ذلك فإعانتها بنفسه من مكارم الأخلاق".