متى تكون ضحية للتلاعب الافتراضي المؤذي.. وكيف تتحرّر منه؟

منذ 11 أشهر 120

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "يحبني، لا يحبني، يحبني".. عبارة قد تبدو بريئة لكنّها تجسّد تجربة مؤلمة لبعض الأشخاص الذين يبحثون عن علاقة في مشهد المواعدة الحديث، فإنّ الالتزام المراوغ للشريك المحتمل قد يجعلهم معلّقين بين شعورَي الأمل واليأس.

وأوضح الدكتور ديوغو بالان، معالج نفسي متخصص في الصدمات والتعافي من التعلّق، في منطقة خليج سان فرانسيسكو الأمريكية، أنه في هذه الأيام، يُعرّف عن هذا السلوك الضار باسم "التنقل التفصيلي"، وهو عبارة عن مبادرات اهتمام متقطّعة لن تعتبره الضحية ربما ذات معنى.

وشرحت الدكتورة مونيكا فيرماني، وهي باحثة كندية، وعالمة نفس إكلينيكي، ومؤلفة كتاب "العافية الأعمق: التغلب على التوتر والمزاج والقلق والصدمات"، أنّ التنقل التفصيلي يشير إلى أحد أشكال التلاعب، أكان مقصودًا أم لا، الذي يتضمّن شخصًا ’يتظاهر بالاهتمام ويتصرّف كما لو أنّ مشاعره صادقة، وفي الوقت عينه يستثمر في علاقة مع شخص آخر عندما لا يكون كذلك‘".

من يتصرّفون عمدًا بطرق مضلّلة قد يقدمون على ذلك من أجل الاهتمام، أو تأكيد فاعلية (تلاعبهم)، أو السيطرة، أو للحصول على الأجزاء الممتعة من العلاقة من دون الحاجة إلى الالتزام.

وأضافت فيرماني أنّ تقييد شخص ما يمنعه "من البحث في مكان آخر عن تواصل أكثر استقرارًا وموثوقًا وحقيقيًا، ويظل متفائلًا ويركّز عليه".

ويرى الخبراء أنّ البعض الآخر قد يختبر مشاعر متضاربة بشأن ما يريدونه، أو غير مرتاحين للعلاقة الحميمة بسبب تربيتهم، أو جرّاء صدمة تعرّضوا لها. كما يشعر هؤلاء الأشخاص ربما بعدم الكفاءة وعدم القدرة على الانخراط في علاقات صحية وحقيقية أيضًا.

وبحسب بالان، يمكن أن يحدث التنقل التفصيلي في العلاقات العائلية، وفي مكان العمل، لكنّه أكثر شيوعًا في السياقات الرومانسية، خصوصًا مع ظهور المواعدة الافتراضية عبر الإنترنت، حيث يكون من الأسهل على الأشخاص تقديم فترات قصيرة من الاتصال والمودة من خلال إجراء مكالمة سريعة، أو بعث رسالة نصية، أو إبداء إعجاب على منشور. 

لِمَ يسعى المتلاعب لإبقاء ضحيته في مرماه، معتمدًا على مبدأ علم النفس المتمثل ب"التعزيز المتقطع"، الذي يحرك دورة الإدمان ونجاح سلوك المقامرة؟ أجابت الدكتورة كيلي كامبل، أستاذة علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا بسان بيرناردينو، أنه "مع ماكينة القمار، تكون نسبة الفوز  ضئيلة لكنك تستمر باللعب على أمل تحقيق ربح مجددًا. لكن في حال الخسارة الدائمة لن تستمر في اللعب".

وقال الخبراء إنه بغض النظر عن السبب الذي دفع بشخص ما إلى التعرّض لهذا النوع من التلاعب، فإن أثر ذلك قد يلحق به ضررًا كبيرًا، خصوصًا إذا استمر ذلك لسنوات.

إليك كيفية التعرّف على أنك تتعرّض للتلاعب، وكيف تنهي العلاقة عندما يحين الوقت.

علاقة متقطّعة

وأشارت فيرماني إلى أنّه في مكان العمل، قد تواجه صعوبة في التقدم إذا لم تترجم ثناءات مديرك ووعوده الغامضة ماديًا. وأضافت: "قد يتظاهر الصديق بالاهتمام والتواصل من دون أي نية للقاء، أو السفر، أو الانخراط في صداقة حقيقية، لكنه في الواقع لا يتصل بك إلا عندما يحتاج إلى شيء منك".

وتابعت أنه "في أحيان كثيرة، بهذا النوع من العلاقات، يشعر الهدف بأنه مستغل وليس أولوية حقيقية للمعتدي". 

في السياقات الرومانسية، قد تتلقى رسائل نصية، أو قصائد، أو أغانٍ، أو مجاملات، أو محتوى عبر الإنترنت حول الاهتمامات المشتركة، أو رسائل غزلية طويلة أو صادقة.  لكن هذا النوع من التواصل يتضاءل، ويستمر بشكل متقطع.

ولفت الخبراء إلى أنّ خطط الخروج في مواعيد غرامية، أو الالتزام ببعضها تفشل أو نادرًا ما تحدث، وعندما تحدث، غالبًا ما تقوم الضحية بالتخطيط لها.

وأضافت فيرماني أن بعض "المتلاعبين المخضرمين" قد يتحلّون بالغموض بشأن مكان وجودهم أو ماذا يفعلون، فيشعر الطرف الآخر بأنهم بعيدوا المنال.

أثر عاطفي مؤلم

وقالت فيرماني إن التنقل التفصيلي يمكن أن يخلق ارتباكًا وضيقًا هائلين للمستهدف. وأضافت: "مع مرور الوقت، يتم التلاعب بالهدف عاطفياً وخداعه وعدم احترامه".

وتابعت "إنهم يشعرون بالقلق، والحزن، والارتباك، والوحدة، وعدم الكفاءة، والتخلي عنهم، والإحراج.. يائسون ومتأملون، غاضبون ولا يستحقون الحب أو الاهتمام".

وأشارت كامبل إلى أنه نتيجة لذلك، قد يكتفي شخص ما بقلة الاهتمام، معتقدًا أنه أمر طبيعي أو هذا ما يستحقه، وبالتالي يقلّل المرء من توقعاته بشأن العلاقات، ويبحث بشكل متكرر عن علاقات ذات أنماط مألوفة، فيمنع نفسه من العثور على شيء أفضل.

التعافي من التلاعب العاطفي

لفتت كامبل إلى أنه إذا كان هناك خلاف في علاقة مهمة بالنسبة لك، فإن مواجهة الشخص تستحق العناء.

وأضافت: "عليك أن تمنحه الفرصة لتصحيح سلوكه وتبيان أنه كان على خطأ، وأن عليه التصرّف بشكل أفضل مستقبلًا".

وتابعت: "إذا عبّرت عمّا يضايقك ولم يتغيّر، عندها يمكنك القول: ’لن أفعل هذا بعد الآن‘". إذا كان يجب عليك بدلاً من ذلك تجاوز الشخص، فقد يكون التعافي عملية صعبة، لكنها قابلة للتنفيذ.

وقال الخبراء إن القدرة على التعرف على مسارات التنقل التفصيلي تمثّل الخطوة الأولى والأكثر أهمية. لكن عليك بعد ذلك، تحديد السبب الجذري الكامن وراء قبولك لمثل هذه المعاملة السيئة، وهو ما يمكن أن يساعدك على بدء رحلة بناء احترامك لذاتك. قد يكون العمل مع خبير في مجال الصحة العقلية للقيام بذلك مفيدًا بشكل خاص.

وأوضح بالان أن السبب الآخر الذي يجعل العلاج مفيدًا هو أن العملية يمكن أن توضح لك ماهية العلاقة الصحية، بخلاف ما اعتدت عليه.

وأضاف أن المعالج النفسي، من الناحية المثالية، هو شخص يقر باستمرار، ويتعاطف، ويتحمل المسؤولية، ويستمع بصدق ويُظهر الاهتمام، وعندما يشعر بتقصيره، يعتذر ويعطي "أهمية لمشاعر ذلك الشخص".

وقال بالان إن العلاقة الصحية لا يمكن فرضها بالقوة، "لأنها إذا لم تكن أصيلة، فهي ليست حقيقية . إذا لم تأت بشكل عضوي، إذا لم تأت من قلب الشخص.. فمجرد القيام بالفعل من أجل الفعل نفسه من دون عواطف والتزام لا معنى له على الإطلاق". 

وقالت فيرماني: انظر إلى الناس على حقيقتهم و"تخلص من شعورك الزائف بالأمل". قم بإنهاء الاتصال بالشخص لأنّ ظهوره مجددًا قد يجرّك مجددًا إلى دائرة الإدمان.

وأضافت: "الناس الذين يعانون من الألم ينقلونه إلى الآخرين. لا تترجم تصرفات الناس تجاهك بأنها شخصية. تذكر أن الناس يظهرون لك من هم، وليس من أنت".

إذا كنت على الجانب الآخر من هذه المعادلة وأدركت الآن أنك العامل الرئيسي في عملية التنقل التفصيلي، فإن الخبراء لديهم نصيحة مماثلة: مع المعالج، اعمل على فهم مشاكلك من خلال العلاقة الحميمة والالتزام.