متحدثًا عن ملفات داخلية وإقليمية.. رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي في حوار خاص مع يورونيوز
وكأن شيئًا لم يكن.. لم تغيّر المصائب التي توالت على لبنان خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ صيف 2019 سلوك ساسته.
ولم تدفع مشاهد وقوف مئات المواطنين لساعات أمام طوابير الذل عند المصارف بحثًا عن ودائع سلبت بين ليلة وضحاها، وأمام الأفران للحصول على ربطة خبز، رؤساء الأحزاب والمسؤولين إلى العمل بجدية بعيدًا عن الكيدية السياسية والمناكفات للإسراع في انتخاب رئيس قادر على سحب البلاد من أزمة طاحنة أنهكت مؤسسات الدولة وسوت العملة الوطنية بالأرض.
بل على العكس، يزداد المشهد اللبناني المظلم أصلًا مع انقطاع التيار الكهربائي منذ سنوات، قتامة يومًا بعد يوم، وينقاذف الأفرقاء اللبنانيون التهم محملين بعضهم البعض مسؤولية الفراغ الحاصل في سدة الحكم وبقاء منصب الرئيس شاغرًا منذ 6 أشهر.
ويأتي كل ذلك وسط توتر للأجواء على الحدود الجنوبية ومناورات عسكرية تزيد بحسب البعض "الطين بلة"، بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى؛ تزامنًا مع تلميحات من تل أبيب حول استعدادها لخوض حرب لن تكون سهلة على لبنان الغارق بفساد منظومة تجيد التغريد وتعجز عن تقديم أي حلول فعالة على أرض الواقع، وتنتظر مكتوفة الأيدي التسويات الخارجية على أمل أن يكون لها من الأجواء الإيجابية نصيب.
وللإجابة على كل هذه التساؤلات، إضافة للملفات الطارئة على الساحة اللبنانية بدءًا من النازحين السوريين مرورًا بأزمة الفراغ الرئاسي، وصولًا إلى التحقيقات مع حاكم مصرف لبنان، كان لـ"يورونيوز" لقاء خاص مع رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي.
القمة العربية بين زيلينسكي والأسد
يستهلّ ميقاتي المقابلة بالإجابة عن سؤال حول مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة العربية التي عُقدت في مدينة جدة السعودية، ويرى أن "العرب منفتحون للاستماع إلى الجميع، ونحن لا نغلق الباب أمام أحد".
وإذ يشدد على أن حضور زيلينسكي كان أمرًا طبيعيًا، وفيما يتعلق بالخلافات العربية حول الموقف من أوكرانيا، يقول ميقاتي: "اتخذ لبنان موقفًا مبدئيًا في سياق الحرب الدائرة بين موسكو وكييف، وهو قائم على رفض أي غزو لدولة أخرى أو احتلال أراضيها".
كما يؤكد أن الموقف اللبناني هذا "ليس موجهًا ضد روسيا التي نمتلك علاقات مميزة معها".
وبالعودة إلى قمّة جدة، يوضح ميقاتي أنها كانت "ممتازة"، مشيرًا إلى أن "انتماء سوريا العربي ليس بحاجة إلى أي قرار، فسوريا قلب العالم العربي".
ويقول: "لست مطلعًا على المباحثات التي حصلت قبل الدعوة إلى القمة، لكن المهم أن سوريا ستلعب مستقبلًا دورها الطبيعي في الجامعة العربية".
ويضيف: "الأيام المقبلة ستبرهن دور سوريا في المنطقة"، موضحًا أن "ما يهم لبنان حاليًا هو إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم".
أزمة النازحين السوريين وعلاقات لبنان مع السعودية
وبما يخص أزمة النازحين السوريين، يشدد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني على أن بيروت تقوم بتشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث هذا الملف، "وبالتأكيد ستكون هذه الخطوة بالتنسيق مع اللجنة السداسية المنبثقة عن الجامعة العربية".
وفيما يرى ميقاتي أنه "لا يمكننا إجبار السوريين على العودة إلى بلدهم"، يعتبر أن "لبنان لديه سيادة ويحق له ألا يقبل وجود أي أجنبي على أرضه بطريقة غير شرعية".
ويقول: "الموضوع غير موجه ضد جنسية محددة، ولا يمكن اتهامنا بالعنصرية، بل ما نريده فقط هو ممارسة حقنا في السيادة على كامل أرضنا، ومن هنا يأتي القرار بترحيل أي أجنبي لا يمتلك الوثائق القانونية اللازمة لإقامته في بلدنا".
ويضيف: "وبما يخص اللاجئين، نمتلك خططًا قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لإيجاد حلّ لهذا الملف، وتمت مناقشتها والاتفاق عليها بين جميع القوى اللبنانية في الجلسات الحكومية".
وعن ماهية هذه الخطط، يوضح ميقاتي أنها "عبارة عن 9 نقاط أساسية، وسأطرحها خلال زياتي إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر حول أزمة النازحين السوريين الشهر المقبل".
من جهة أخرى، يتطرق رئيس الحكومة اللبناني إلى موضوع العلاقات مع دول الخليج وتحديدًا المملكة العربية السعودية، ويرى أن "الاتفاق الإيراني السعودي خفف من العصبية المذهبية".
ويشير ميقاتي إلى أن "عودة سوريا إلى الجامعة العربية والعلاقة الممتازة مع الرياض، ستنعكس على لبنان تلقائيًا لأن سوريا هي الجار الأقرب للبنان".
ويلفت لدى سؤاله عن صحة المعلومات التي تتحدث عن دعم سعودي لبيروت "أننا لم نلمس إلى الآن وجود أي استثمارات سعودية قريبة في لبنان، لكن هناك وعودًا وإذا عاد لبنان إلى السكة الصحيحة سيكون له نصيب من هذه الاستثمارات".
العلاقة مع حزب الله والمناورات العسكرية الأخيرة
لا يمكن الحديث عن علاقات لبنان بمحيطه العربي، دون التطرق إلى جانب مهم أثر كثيرًا في السنوات الماضية على تلك الصلات، وهو حزب الله اللبناني.
من هنا، يشير رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى أن "القمة العربية أصدرت توصيات ميّزت بين الإرهاب وسلاح المقاومة، وهذا هو الموقف اللبناني الرسمي، حيث أن الحزب مقاوم حتى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا موجود في البيان الوزاري لحكومتي".
أما داخليًا، فيشدد ميقاتي على أن "لا أحد يسيطر على الدولة اللبنانية، ولا يوجد أحد أكبر من سيادة لبنان، ونحن لا نقبل بوجود دولة داخل دولة وأنا أول المنتقدين لأي ممارسات قد تمس بسيادة البلاد".
ويقول: "لن أسمح باستخدام سلاح حزب الله في الداخل بتاتًا، وأنا ملتزم بالبيان الوزاري لحكومتي من حيث مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية".
ويضيف: "أنا أدعو من هنا إسرائيل إلى النظر في هذا الموضوع والخروج من الأراضي اللبنانية المحتلة لكي لا يكون لنا مبرر بعد اليوم لاستخدام هذا السلاح لا كمقاومة ولا في الداخل".
أما بما يخص المناورات الأخيرة التي قام بها حزب الله، يعرب ميقاتي عن استنكاره لها، مشددًا على أن "هذا الأمر ليس بيد الحكومة اللبنانية بل بحاجة إلى توافق لبناني شامل وكامل بما يتعلق بسلاح حزب الله".
وبما يخص أي مواجهة مستقبلية بين الحزب وإسرائيل، يوضح ميقاتي أن "حزب الله يمتلك الحكمة اللازمة لعدم جر لبنان إلى أي حرب في الوقت الحاضر، مررنا بعدة حوادث حصلت في الأونة الأخيرة، وأعي ما أقول من حكمة ووعي لتجنيب لبنان أي حرب شاملة في المنطقة".
قضايا الفساد والدعاوى ضد رياض سلامة
في سياق منفصل، يجيب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مقابلته مع "يورونيوز" على سؤال حول مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، ويشير إلى أن "القضاء اللبناني هو الذي يلعب الدور الأساسي في هذا الملف".
ويقول: "ما يهمنا هو الحفاظ على المؤسسات، وفي هذا الملف نتكلم عن مصرف لبنان؛ بالتأكيد من الأسهل لنا أن نقيل سلامة الآن، لكن من يتحمل تبعات ذلك؟ ومن سيستلم المصرف؟ من هنا لا يجب النظر إلى الشخص، بل على المؤسسة التي يجب أن تبقى مصدر احترام للعالم وللبنانيين".
وعما إذا كان رياض سلامة يتحمل وحدة مسؤولية تبخر أموال المودعين والأوضاع الاقتصادية المأساوية يضيف ميقاتي "لا فرق بين مصرف لبنان والدولة، فالأخيرة تتحمل مسؤولية كل ما حصل في السنوات الماضية، وعليها مواجهة هذا الموضوع وأن تكون واضحة وصريحة في موضوع إعادة الودائع للمواطنين".
ويتابع قائلًا: "يجب أن يكون لدى الدولة الجرأة لتقول إنها مسؤولة عن كل ما حصل، ومن ثم يمكن البحث عن محاسبة الدولة لمصرف لبنان والمصارف التجارية".
وإذ يلفت إلى "أننا تقدمنا بخطة التعافي التي تتمحور حول إعادة الودائع للمواطنين"، متمنيًا على مجلس النواب دراستها "لكي تستقيم الأمور ونعيد بناء هذا القطاع بطرق حديثة".
وحول الاتهامات الموجهة إلى الدول الغربية، وتحديدًا ألمانيا وفرنسا، حول التدخل بالشؤون اللبنانية بعد الدعاوى القضائية ضد سلامة، يشير ميقاتي إلى "أنني لست مطلعًا على كل الموضوع القضائي، وبالتالي لا يمكنني الجزم في هذا الموضوع".
أزمة الفراغ الرئاسي
يستمر الفراغ الرئاسي في لبنان منذ أشهر، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون وعجز البرلمان عن انتخاب خلف له على مدى عدة جلسات.
وتعليقًا على هذا الواقع، يعتبر ميقاتي أن هذا المشهد بات للأسف جزءًا من تاريخ لبنان السياسي، "فخلال السنوات الـ18 الماضية، عاش لبنان حوالي 5 سنوات بالمجمل دون حكومة، و3 سنوات دون رئيس للجمهورية".
ويقول: "من هنا، يمكن ملاحظة أن هناك خللًا في النظام التشغيلي للحكم يجب تعديله دون المساس بالتنفيذ الكامل لاتفاق الطائف".
ويضيف: "في حال لم نغيّر شيئًا، سنبقى في هذه المتاهات دائمًا دول حلّ. لكن المهم أن نبقى في ظل اتفاق الطائف الذي أرسى السلم للبنان، وهو لا يزال صالحًا على شرط استكمال تنفيذه".
وعن التدخلات الخارجية في اختيار رئيس للجمهورية، يشدد ميقاتي على أنه "عندما يتفق الداخل فلا كلام للخارج، والأساس هو بين الأفرقاء اللبنانيين قبل أي شيء آخر".
من جهة أخرى، يشير ميقاتي إلى موضوع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويلفت إلى "أننا أرسلنا إلى البرلمان الإصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق وأنشأنا هيئة عامة لمكافحة الفساد وعيّنا أعضاءها وهي اليوم تقوم بواجبها".
ويتابع قائلًا: "في الوقت الحاضر، علينا إقرار هذه القوانين بطريقة صحيحة، ومن ثم انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة تكون على المستوى المطلوب لضبط هذه الأمور، وإلا لن يتغير أي شيء".
استجرار الغاز من مصر
في سياق منفصل، يتحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال عن موضوع استجرار الغاز من مصر، ويشير إلى أن "القاهرة لم تضع العراقيل في هذا الموضوع، بل كانت تطالب فقط بالحصول على الاستثناءات في ما يتعلق بقانون قيصر نظرًا لأن الغاز سيمرّ عبر سوريا".
ويضيف: "الإدارة الأمريكية تجري حاليًا اتصالات مع البنك الدولي الذي يموّل هذا المشروع، وبالتالي لا يمكن التقدّم في هذا الملف قبل انتهاء المحادثات بين هذه الأطراف الثلاثة".
وفي ختام المقابلة، يجيب ميقاتي على أسئلة حول حياته الخاصة والاتهامات الموجهة له والتساؤلات حول ثروته، ويقول: "كنت رجل أعمال قبل دخولي عالم السياسة، وأنا لم أستفد من مناصبي في أموري الخاصة".
ويضيف: "ثروتي الخاصة تراجعت في السنوات الماضية عندما توليت المناصب الرسمية، ما يؤكد عدم استفادتي من أي شيء بسبب مراكزي الحكومية، وأتحدى أن يثبت أحد العكس".
ويتابع قائلًا: "في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، من الطبيعي أن تكون اتهامات الفساد جزافًا، وأنا مستعد لأن أفتح كل الملفات وكل الدفاتر وكل التحقيقات المطلوبة".
العلاقة مع باسيل واعتزال الحياة السياسية
وعن سبب عداء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لشخصه واتهامه ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بـ "المتخلفين والرجعيين"، يرى ميقاتي "أنه إذا كان يوجد أي خطأ بالأداء الذي أقوم به، فأدعو باسيل اليوم قبل الغد لانتخاب رئيس للجمهورية، وبهذه الطريقة يكون قد أدى واجبه وارتاح مني".
ويتابع قائلًا: "فليأت (باسيل) برئيس للجمهورية وأنا سأدعمه وأدعو له بالتوفيق. هو يعتبر أنني متمسك بهذا المنصب للاستئثار بالسلطة، لكن فعليًا أن أقوم بالمهام المطلوبة مني وفق الدستور".
ويضيف: "البديل عني هو انتخاب رئيس للجمهورية لذا أدعوه للقيام بذلك وسأكون له من الشاكرين".
وعن نيته اعتزال السياسة كما فعل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يؤكد ميقاتي "أنني لن أتراجع عن العمل الوطني في حياتي، وهذه المهمة يمكن القيام بها في أي مركز كنا، وبالتالي أنا متعالٍ على أي منصب في الوقت الحالي وما يهمني هو أن أخدم بلدي لا أن أبحث عن منصب".