اضطر أشهر مخرجي هوليوود الأميركي ستيفن سبيلبرغ، إلى تقديم اعتذاره «إزاء التراجع الكبير في أعداد أسماك القرش بعد نجاح فيلمه المعروف (الفك المفترس) (JAWS) الذي طُرح سنة 1975»، في إشارة إلى نقمة البعض على هذه السمكة الفتاكة.
وكان ذلك اعترافاً صريحاً بالمشكلة من أيقونة هوليوود الذي قدم لنا روائع أفلام الديناصورات، التي صار في مقدورنا تخيلها، حيث يرى المخرج أن القرش الضخم في فيلمه الذي يفترس البشر في منطقة بحرية بالساحل الشرقي الأميركي، قد شكل رعباً حقيقياً حول العالم. وربما كان ذلك وراء انخفاض أعداد أسماك القرش عالمياً بنسبة 71 في المائة منذ السبعينات، حسب مجلة «نيتشر» العريقة.
وأعترف أنني أحد ضحايا ذلك الفيلم، الذي شاهدته مراراً على شاشة تلفزيون الكويت، وبعد عقود اكتشفنا أن أسماك القرش أنواع عدة ليست كلها «شريرة»، وظهر غواصون على الشاشات العربية يشرحون لنا كيفية التعامل بوداعة مع أسماك القرش.
وكان المخرج سبيلبيرغ صريحاً حينما قال حرفياً: «أنا آسف حقاً لأن أعداد أسماك القرش تراجعت بشدة بسبب الكتاب والفيلم. لدي أسف حقيقي»، في تلميح إلى خلق الفيلم عدوانيةً مفرطةً تجاه تلك السمكة، وفق تقرير لـ«سكاي نيوز» نقلاً عن إذاعة «بي بي سي» (انتهى كلامه).
أذكر أنني قد قرأت معلومة صادمة في إحدى وسائل الإعلام، ثم وجدتها في جداريات مؤتمر عالمي، وهي أنه بحلول عام 2050 سيكون عدد قطع البلاستيك في أعماق المحيطات أكثر من عدد الأسماك. وقد أثرت بي هذه المعلومة، وصرت أتذكرها كلما مررت قرب ساحل بحري. وهي ما دفعتني إلى تصديق ما قاله أحد الباحثين من أن كثيراً من قطع إعادة تدوير المخلفات والبلاستيك تلقى في عرض البحر قبل أن تصل إلى موانئ بلدان إعادة التصدير «المزعومة». كان يقصد أن إعادة التدوير خدعة.
بإمكان الإعلام، أن يدهش، ويبكيك، ويحزنك، ويفرحك، بل ويخدعك. ويتوقف ذلك على قوة المحتوى وطريقة عرضه. وما كان يصدق في عصر الشاشات الحكومية لم يعد كذلك في عصرنا. فصار في مقدور الإنسان العادي كشف زيف الأخبار، وحدث ذلك عندما تعارضت الأنباء الواردة عن مسار إحدى الطائرات المنكوبة، ليكتشف الناس من خلال تطبيق هاتفي مسارها الحقيقي ولحظة اختفائها من الخريطة.
وصار الإعلام فناً أو «خدعة»، فإذا ما أرادت حكومة ما أن تشغل الناس عن فضيحة سارعت إلى إطلاق قضية أكثر إثارة للجدل فينشغل الناس بها عن القضية الأولى الأخطر.
كما أن تأثير الإعلام كبير، فقد أسقط أحزاباً، وحكومات، ووزراء. وأسقط الرئيس الأمريكي نيكسون في فضيحة «واترغيت» التي ما زالت تدرس في كليات الإعلام. ويشعل الإعلام فتيل الاضطرابات والقلاقل التي سرعان ما يعض المشاركون في تأجيجها أصابع الندم بعد أن تضع الحرب أوزارها.
الإعلام بات يؤثر أكثر من أي وقت مضى، ولذلك يرصد مكتب الرئيس الأمريكي خلاصة مزاج الرأي العام يومياً. وصار الإعلام يؤثر في «البزنس»، فبلقطة إعلامية صارت تنفد مخازن الشركات من منتج مغمور، استخدمه أحد المشاهير.
ورصدت هجمات إرهابية متطابقة مع ما تصوره الألعاب الإلكترونية، مثل من اقتحم مسجداً في نيوزيلندا وفي جبهته كاميرا بث حي توثق كل طلقة راح ضحيتها شخص بريء.
قبل الإعلام الجديد، لم يكن يعرف السفيه والتافه سوى جيرانه والمقربين منه، ثم صار بفضل الشاشات الصغيرة أيقونة التفاهة في مجتمعه!