تتطلع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب، في الوقت الذي تتطلع فيه إيران ومصر إلى تحقيقي مكاسب مالية.
في عصر التعددية القطبية الناشئة، لا ينبغي أن يكون تحرك مجموعة البريكس لتوسيع عضويتها مفاجئاً، مع عدم استثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من نظام عالمي متغير محتمل.
تتكون مجموعة البريكس من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويُنظر إليها على أنها ثقل موازٍ لمجموعة السبع، التي تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وتمّ قبول عضوية ست دول جديدة في مجموعة بريكس خلال اختتام قمة المجموعة بجنوب إفريقيا، أربع منها تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي السعودية وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى إثيوبيا والأرجنتين.
يعتمد التوسيع على رغبة المجموعة في توفير ساحة "لعب" عالمية ترى أنها "مُتلاعب" بها ضدها.
وفي هذا الصدد أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في نفس اليوم إن الكتلة ستدعو قريباً مزيداً من الأعضاء، الذين تم اختيارهم نظراً لأهميتهم الجيوسياسية وليس الأيديولوجية، ما يشير إلى أن اختياراتها لمنطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا كانت تستند أيضاً إلى زيادة نفوذ المجموعة.
تحقيق التوازن مع الغرب
انضمت الإمارات العربية المتحدة بالفعل إلى الكتلة. واعتبر محللون أن قبول عضوية إيران ومصر سيكون مدعوماً على الأرجح بالمصالح المالية.
كما أن انضمام المملكة العربية السعودية ربما كان لتحقيق التوازن في علاقتها مع الولايات المتحدة إلى جانب القوى الناشئة مثل الصين.
ووفقاً للمحللين، فإن تحالف المملكة القوي مع الولايات المتحدة قد تراجع بالفعل على عدد من الجبهات؛ وسوف يكون دخولها إلى مجموعة البريكس بمثابة خطوة أخرى إلى الوراء لو أن العلاقات لن تتوقف هنا.
يرى سامي حمدي، مدير شركة "إنترناشونال إنترست" للاستشارات الدولية أن الرياض ستقيس أولاً رد فعل واشنطن، وستدرس أي عروض من الوفود التي سيرسلها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض.
ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، وهي بالفعل رائدة إقليمية، لديها أيضاً دافع طموح لتصبح ذات ثقل عالمي، وهو طموح لا يقل أهمية بالنسبة للرياض عن إقامة علاقات أعمق مع الصين، وفقاً لميشال غريس، باحثة أولى في مجال السياسات بمؤسسة راند.
وقد أكدت أن الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف آخر للولايات المتحدة، تشارك بالمثل هذا الاهتمام بالتوازن.
البحث عن بديل لواشنطن؟
وتضيف غريس أن عضوية البريكس "توفر طريقاً للسعودية والإمارات العربية المتحدة لتحقيق التوازن بين علاقاتهما مع واشنطن ومصالحهما في تعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين".
وأكد حمدي أن دخول الثنائي لن يكون انعكاساً لموقف مناهض للغرب.
وأضاف: "لا أعتقد أن هذا يعني أنهم أصبحوا مناهضين للغرب، بدلاً من ذلك، فهو يعكس مدى خيبة أمل هؤلاء الحلفاء الغربيين تجاه الغرب والشعور المتزايد بأن الغرب لم يعد ملتزماً بمصالحهم وأمنهم".
وقال حمدي إن الولايات المتحدة كانت صريحة بشأن تقليص وجودها في المنطقة، وهو ما يمثل قوة دافعة أخرى للدول الخليجية ذات الوزن الثقيل لتنويع العلاقات.
وأضاف أنّ "هناك شعوراً بأنه بالنظر إلى أن الغرب لم يعد يعطي الأولوية لهؤلاء الحلفاء، فإن تنويع العلاقات والسعي وراء أقطاب وتكتلات ومدارات إضافية أصبح ضرورة سياسية واقتصادية وجودية”.
سياسة شرق أوسطية جديد؟
إن إدراج المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة ومصر، يوضح أن توجه بريكس الجديد قد يتمحور حول الشرق الأوسط، وفقاً لسانوشا نايدو، الباحث بمعهد الحوار العالمي، وهو مركز أبحاث في جنوب أفريقيا يركز على الصين وإفريقيا.
ويقول نايدو: "هذا له آثار جيواقتصادية وجيواستراتيجية وجيوسياسية". ويضيف أن هذه التوسعة الأخيرة ستدفع بعض دول البريكس إلى التفكير أكثر في سياساتها في الشرق الأوسط، وستدفع الصين والهند إلى تعزيز سياساتها الحالية.
ووقعت الهند مؤخراً اتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة للتداول بالروبية الهندية والدرهم الإماراتي بدلا من الدولار الأمريكي.
ويشير نايدو إلى أن الأمر الأهم هو أن قائمة التوسع "تتمحور بشكل كبير حول الطاقة"، مضيفاً أنه بعد الإعلان، علق بعض المحللين في جنوب إفريقيا بشكل ساخر عما إذا كان ينبغي عليهم أن يطلقوا على مجموعة بريكس اسم "بريكس زائد أوبك +".
شركاء اقتصاديون جدد، سياسات نفطية جديدة؟
من جانبها اغتنمت إيران، في ظل علاقاتها "السيئة" بالفعل مع عدة دول غربية، فرصة دعوتها إلى مجموعة البريكس لتزعم أن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ينهار.
ونقلت شبكة "العالم" التلفزيونية الإيرانية الناطقة بالعربية عن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قوله: "إن توسع البريكس يظهر أن النهج الأحادي في طريقه إلى الاضمحلال".
دعمت إيران جهود مجموعة البريكس للابتعاد عن الاعتماد على الدولار الأمريكي. وكانت الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة لإيران، حيث يعاني اقتصادها تحت وطأة العقوبات الأمريكية.
وترى غريس أن دخولها إلى الكتلة كان بالتالي "اتجاهاً أوسع لإيران تسعى إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع القوى غير الغربية".
أما سامي حمدي فيعتبر أن دخول إيران إلى جانب الإمارات والسعودية "سيكون له عواقب وخيمة على تجارة وسياسة النفط"، لأن الثلاثة من المنتجين الرئيسيين للنفط.
ويقول حمدي في هذا الصدد: "مع هذه الإضافات، أصبحت البريكس كتلة ذات تأثير كبير محتمل على النفط العالمي والآليات المالية التي يتم من خلالها تداول النفط".
الخلافات الإقليمية ... لا تهم؟
في حين تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عملية حسابية فيما يتعلق بإقامة علاقات ثنائية "معدلة" بين العديد من البلدان التي كانت علاقاتها سيئة في السابق، إلا أن الخلافات ظلت قائمة.
ومع ذلك، يتساءل محللون عن المشاكل الثنائية بين أطراف البريكس الجدد مستقبلاً ومدى تأثيرها على المجموعة.
ويبدو أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وضعت الخلافات الجماعية جانباً منذ فترة طويلة كأعضاء في أوبك، وبالتالي ستكون هذه البلدان قادرة على فعل الشيء نفسه في كتلة البريكس أيضاً.
لكن حمدي له رأي آخر فهو يقول إن "على الرغم من أن خلافاتهم قد تؤدي إلى تعقيد عمليات صنع القرار، إلا أنه من غير المرجح أن تعرقل عمليات الكتلة".
من جهته يرى أيهم كامل، رئيس فريق أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة أوراسيا، أن القضايا الإقليمية من غير المرجح أن تكون موضع تركيز، وستكون غير مواتية في ما يعتبر ترتيباً مفيداً للمنطقة.
ويضيف كامل: "في خطوة واحدة، يمكن أن تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أربعة أعضاء في منظمة البريكس الموسعة، سيؤدي هذا إلى تعزيز نفوذهم هيكلياً".