ماذا يحدث في "غرف عمليات" الكوارث والحروب؟

منذ 1 سنة 126

تعتبر "غرفة العمليات" إحدى الغرف الأساسية في المستشفيات، وتوجد "غرفة عمليات" من نوع آخر لدى الجيوش وفي الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وهناك غرفة عمليات وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، وهناك أنواع منها تقام بشكل موقت لمعالجة ذيول الكوارث والجوائح الطبيعية، وبالطبع هناك غرف عمليات قراصنة الإنترنت غير الشرعية، وتأتي فوق كل هذه الغرف "غرفة العمليات السياسية" العلنية منها أو السرية التي تعتمدها وكالات الاستخبارات أو منظمات دولية غير شرعية.

كل مؤسسة متوسطة الحجم أو دولة كبرى أو اتحاد مجموعة من الدول في تكتل مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، كلها باتت تحتاج إلى ما اتفق على تسميته في أكثر اللغات "غرفة العمليات" التي تكون مركزاً أو نقطة التقاء مجموعة كبيرة أو صغيرة من أشخاص ذوي اختصاصات مختلفة ومتناقضة أحياناً، يعملون جميعاً من أجل إدارة عمليات معينة أو تنفيذ مشروع يحتاج إلى تضافر جهود كثيرة لإنجازه.

غالباً ما تكون هذه الغرف في مكان آمن ومنظم جيداً ومحمياً بشدة في حال كان مكاناً سرياً، أو مكاناً يجتمع داخله مسؤولون بالمستويات العليا للإدارة، ومن بين سائر غرف العمليات في العالم اشتهرت تلك الموجودة في البيت الأبيض في الولايات المتحدة، حيث يجتمع الرئيس ومستشاروه خلال أوقات الأزمات، وقد تم تصويرها في أفلام هوليوود كقاعدة لقيادة العالم أثناء غزو من الفضاء الخارجي على سبيل المثال.

واضطلعت غرفة العمليات في البيت الأبيض بدور حاسم خلال لحظات مهمة في تاريخ الولايات المتحدة، بما في ذلك أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، فناقش الرئيس جون كينيدي ومستشاروه الاستجابة لعملية نقل الصواريخ النووية السوفياتية إلى جزيرة كوبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غرف "العمليات السرية" أو العمليات الخفية تقيمها وكالات الاستخبارات والوحدات العسكرية الخاصة في الجيوش المؤهلة جيداً، وغالباً ما تكون هذه العمليات مصنفة وسرية للحفاظ على فاعليتها وحماية مصالح الأمن القومي، بينما يمكن أن تبقى بعض العمليات غير معلنة للجمهور العام.

وتشير الإحصاءات حول العالم إلى أنه من الشائع ألا يكون المواطنون على دراية ببعض الأنشطة الخفية التي تجريها حكوماتهم، ولم تعد هذه الغرف مقتصرة على تلك التي تنشئها الحكومات، بل باتت نظاماً حديثاً في إدارة العمل، وأصبح بالإمكان إدارة معركة حربية من خلال غرفة عمليات واحدة، أو إدارة الألعاب الأولمبية أو المونديال من خلال مجموعة من غرف العمليات المنسقة جيداً.

واللقطات السينمائية التي تظهر غرفة تحتوي على معدات كثيرة وخرائط وأشخاص يتحركون ذهاباً وإياباً كما لو أنهم خلية نحل، وتمتد بينهم شبكة من الأسلاك والآلات والاتصالات والأوراق والملفات، أقرب ما تكون إلى مشاهد غرفة العمليات الحقيقية والأمر نفسه ينطبق على غرفة للعمليات الجراحية في المستشفيات.

البداية من الإمبراطور

ومهما تنوعت مهمات "غرفة العمليات" فلا بد من قائد مسؤول يكون صاحب الأمر النهائي فيها وعقد الوصل بين سائر المسؤولين والعاملين داخلها وخارجها، ويكون مسؤولاً عن إدارة الجهود وتوجيهها والتنسيق بين الاقتراحات، ومدير الغرفة مهما كانت مهمتها يحوز ثقة كبار المسؤولين عن المهمة خارج الغرفة بكفاءاته، خصوصاً أن العمليات مهما كان نوعها تقع وتجري خارج الغرفة باستثناء غرف العمليات الجراحية في المستشفيات، وهذا يعني ضرورة وجود وسائل اتصال لنقل القرارات والتوجيهات إلى العاملين ميدانياً، وفي حالات العمليات الحربية، أو الكوارث الطبيعية، فإن كل جدوى غرفة العمليات تصبح مرتبطة بتوافر وسائل الاتصالات الفورية.

المؤرخون العسكريون يرجعون نشوء غرف العمليات العسكرية الحديثة إلى الحربين العالميتين في القرن الـ20، عندما باتت الحروب الحديثة تقوم على جبهات عدة لا بد من التنسيق بينها في الوقت نفسه، مما اضطر الجنرالات إلى أن يكونوا في المكان ذاته، إلا أن هناك مؤرخين كثراً يوافقون على مبدأ أن غرفة العمليات البدائية الأولى كانت قتالية وحربية، لكنهم يرجعون أمر إنشائها إلى قبل القرن الـ20 بكثير، سواء خلال الحروب الرومانية أو الفارسية في العصور القديمة.

على سبيل المثال كان على الوالي الروماني في ولايات الإمبراطورية الشاسعة أن ينفذ قرار الإمبراطور بالاستسلام أو بالقتال حتى النهاية، وعلى الوالي أيضاً أن ينقل هذا القرار إلى قادة الجيش لتنفيذه من دون تردد، والإمبراطور نفسه كان يتخذ قراره بناء على نصيحة مستشاريه بفائدة خوض الحرب، أو بفوائد عقد السلم ولو موقتاً، وهذه التراتبية كانت أشبه بغرفة عمليات فعلية، كتلك المنتشرة في بلدان العالم المتقدم في العصر الحديث.

غرف التحكم والعمليات الطارئة

ثم هناك "غرف التحكم"، وهي نوع من غرف العمليات الدائمة والثابتة وباتت موجودة في كل مكان، في "المولات" الكبيرة والصغيرة وفي محطات القطار وغرف الاتصال بخدمات الطوارئ أو غرفة التحكم في وكالات الفضاء وفي المصانع والمطارات التي تعمل على منع تصادم الطائرات، وهناك غرف التحكم داخل المباني الضخمة والمؤسسات الكبيرة والملاعب الرياضية والموانئ التي تستقبل سفناً وبوارج هائلة الحجم ودقيقة التنظيم.

وبعيداً من غرف العمليات التي باتت في كل مكان تقريباً في زمننا المعاصر، هناك غرف تنشأ فجأة نتيجة لحدث أو حرب أو كارثة وتسمى "غرف عمليات الطوارئ" المسؤولة عن تنفيذ التأهب للأزمة ووضع "الصورة الكبيرة" للأحداث في الخارج، وتتخذ فيها القرارات التنفيذية وتترك القرارات التكتيكية الميدانية للعاملين على الأرض.

خلال العقود الماضية، تطورت الشروط التي تفرض على أعضاء غرفة العمليات أن يكونوا مدربين تدريباً ملائماً ويملكون سلطة اتخاذ القرارات ومنع الازدواجية في تنفيذ المهمات عبر تحديد الأدوار والمسؤوليات المطلوبة من كل جهة من الجهات، ويحدد أعضاء غرفة العمليات الحاجات الحقيقية للإغاثة والإنقاذ عبر توفير البيانات العامة عن الأخطار التي نجمت عن الكارثة والأخطار المحتمل حدوثها.

ولمدير الطوارئ أو المشرف على غرفة العمليات حق طلب المساندة إذا كان حجم الكارثة كبيراً ويفوق قدرة المؤسسات الحكومية على المجابهة، وتقوم غرفة العمليات أثناء الكارثة بالإنذار الفوري للمناطق المعرضة للخطر وإبلاغ الجهات ذات العلاقة بالتعامل مع الحدث بحسب الاختصاص وحصر الإمكانات المتوافرة المادية والبشرية وتحديد حجمها واستدعاء المسؤولين عن إدارة الموقف وتنفيذ خطط الكوارث التي سبق وضعها بمرونة تتلاءم مع المستجدات، وإنشاء قيادة لمركز الحوادث بمثابة غرفة عمليات مصغرة لتكون حلقة وصل بين الميدان وغرفة عمليات الطوارئ.

وتتعامل غرف العمليات الناجحة بحذر مع وسائل الإعلام ويكلف متحدث رسمي للإدلاء بجميع التصريحات عن الكارثة، يكون مدرباً على كيفية التعامل مع الرأي العام وإبعاد حال الهلع منه. ويترأس غرفة عمليات الطوارئ مسؤول من قطاع أساسي ذي رتبة عالية يملك سلطة اتخاذ القرار من دون أن يضطر إلى الرجوع لرؤسائه، خصوصاً في الحالات التي تتطلب قرارات سريعة وآنية ولا تحتمل التأخير.

وظهرت خلال العقود الأخيرة اختصاصات جامعية تؤهل خريجيها للاشتراك في غرف العمليات على أنواعها، وبات علم إدارة الأزمات علماً مستقلاً يتضمن إضافة إلى الدراسة النظرية، تدريب المتخصصين فيه تدريباً عالياً يتناول شخصياتهم وحالاتهم النفسية وقدراتهم على اتخاذ القرارات في الأوضاع الطارئة، إذ لم يعد بالإمكان الطلب من الدفاع المدني مواجهة كارثة "تسونامي" ولا من جهاز الإطفاء مواجهة نتائج انفجار بركان ولا من الإسعاف الطبي مداواة ضحايا تسرب نووي على سبيل المثال لا الحصر.