ما يقرأه الطلاب قبل الخروج في المظاهرات

منذ 6 أشهر 97

عندما كنت طالبة جامعية قبل 25 عاماً، كانت الكلية الفاخرة التي التحقت بها تقدم ما وصفته بأنه «المنهج الأساسي»، مع أنه لم يكن في واقع الأمر شيئاً من هذا القبيل. وبدلاً عن إعطاء الطلاب مجموعة من الدورات والواجبات التأسيسية، وقاعدة مشتركة من الأفكار والحجج المهمة، تولت الكلية تجميع مجموعة من الدورات التدريبية من مختلف التخصصات، ودعتنا للاختيار من بينها.

دارت الفكرة حول أننا نختبر مجموعة متنوعة من «مقاربات المعرفة» ولا يهم المعرفة المحددة التي اكتسبناها. لم يكن هناك فرق حقيقي بين الالتحاق بدورة الدراسة الاستقصائية الرائعة للراحلة هيلين فيندلر بعنوان «قصائد وشعراء وشعر» أو دورة تدريبية حول «الكاتبات في الصين الإمبراطورية: كيفية الهروب من الصوت الأنثوي».

في ذلك الوقت، كنت أتطلع بحسد جنوباً، إلى جامعة كولومبيا، حيث كان المنهج الأساسي لا يزال يقدم ما وعد به الاسم: مجموعة محددة من الأعمال المهمة التي كان من المتوقع أن يواجهها كل طالب جامعي. ولا يزال هذا النهج قائماً حتى اليوم: فجامعة كولومبيا التي أصبحت المرحلة الأولية للدراما السياسية في الولايات المتحدة، لا تزال تتطلب من طلابها مواجهة ما تسميه «الأفكار والنظريات الأساسية من مختلف أطياف الأدب والفلسفة والتاريخ والعلوم والفنون».

بالتأكيد هذا هدف مثير للإعجاب، ومفيد كذلك، لأنه يعطي نظرة واضحة على نوع «الأفكار والنظريات» التي يعدها الإجماع الحالي للنخبة الأكاديمية مهمة لتشكيل المواطنين وقادة المستقبل - بما في ذلك قادة المستقبل الذين يحتجون اليوم داخل جامعة كولومبيا وجامعات أخرى بمختلف أنحاء البلاد. الحقيقة يساعد هذا الهدف في تحديد الدوافع العامة المحركة للمجتمع، داخل إطار منهج معين.

وتتضمن المتطلبات الأساسية لكولومبيا الكثير من «الكتب العظيمة» التقليدية - سفر التكوين وأيوب، وإسخيلوس وشكسبير، وآدم سميث وألكسيس دي توكفيل - إلى جانب قراءات في العلوم والتعرف على الموسيقى والفنون الجميلة، ناهيك عن مصادر تهدف بوضوح إلى تنويع الجوهر التقليدي وتحديثه - بعضها من العصور الوسطى ومطلع العصر الحديث، والكثير منها من القرن العشرين.

والآن، أود أن ألقي نظرة على وجه الخصوص على منهج «الحضارة المعاصرة»، الذي يمثل الجزء الأساسي الذي يتعامل مع الحجج السياسية والكتاب السياسيين. تتبع قراءات ما قبل القرن العشرين الأنماط التقليدية (أفلاطون، أرسطو، أوغسطين، هوبز، لوك، روسو) مع ملاحق محددة لتنويع القائمة: المزيد من الكتاب الإسلاميين في العصور الوسطى، وكريستين دي بيزان إلى جانب مكيافيلي، إضافة إلى مجموعة كبيرة من القراءات عن غزو الأميركتين، وإعلان استقلال هايتي، والدستور، إلى جانب إعلان الاستقلال الأميركي ووثيقة حقوق الولايات المتحدة.

إلا أنه بعد ذلك يأتي القرن العشرون، وفجأة يضيق النطاق إلى الانشغالات التقدمية حصراً: مناهضة الاستعمار، وقضايا الجنس والجندر ومكافحة العنصرية، علاوة على قضايا المناخ. المؤكد أن الكثير من هذه القراءات جدير بالاهتمام، ومع ذلك تظل الحقيقة أنها تجسد مجموعة محددة للغاية من التوجهات الآيديولوجية.

وسعياً لفهم العالم قبل عام 1900، طالع طلاب جامعة كولومبيا مجموعة من النصوص والمؤلفين المهمين في محاولة لاستيعاب الأوضاع داخل أميركا والغرب بوجه عام: اليوناني والروماني، والديني والعلماني، والرأسمالي والماركسي.

ومن أجل التفاعل مع العالم المعاصر ـ العالم الذي يستعدون للتأثير عليه وقيادته ـ فإنهم يطلعون على نصوص مهمة فقط لفهم منظور اليسار المعاصر.

بالطبع يمكن أن تتغير قوائم القراءة هذه، وستختلف طريقة تدريسها باختلاف المعلم. ومع ذلك، يبدو لي أن أولويات المنهج الدراسي في جامعة كولومبيا تعكس اتجاهاً عاماً أوسع. وأتحدث هنا عن طلاب الكليات والمدارس الثانوية في كثير من الأحيان. الحقيقة كثيراً ما ألتقي أطفالاً يقوم كامل إدراكهم للتحديات السياسية المعاصرة، على قضايا العنصرية والتغييرات البيئية. وينبغي التنويه هنا بأن هؤلاء عادة ما يكونون من أبناء الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة. (في المقابل، نجد أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يبدون اهتماماً أكبر، بوجه عام، بالقضايا الاقتصادية). ولا يتبنى هؤلاء الفتيان هذه القضايا بالضرورة بحماسة، لكن هذا هو نطاق الأفكار التي يجري تقديمها لهم حول ما يجب أن يجده الشخص المتعلم مثيراً أو جديراً بالاهتمام.

ولهذا الأمر تأثيران، أحدهما عام والآخر خاص بالاحتجاجات الحالية داخل جامعة كولومبيا على وجه التحديد. يتمثل التأثير الأول العام في تضييق أفق فكري وتاريخي دراماتيكي. عند النظر إلى قراءات مناهج جامعة كولومبيا للقرن العشرين، نجد أن عصر الشمولية يختفي ببساطة، الأمر الذي يترك مسألة إنهاء الاستعمار باعتبارها الدراما السياسية الكبرى الوحيدة في الماضي القريب.

وتغيب كذلك أي قراءات تلقي الضوء على الأفكار التي يصطف ضدها اليسار المعاصر: لا يوجد تيار محافظ جديد، ولا تيار ديني محافظ، ولا أي شيء يمكن أن يجعل النيوليبرالية بمختلف أطيافها تبدو منطقية. وبالمثل، لا نجد كتابات فرنسيس فوكوياما، ولا نجد نقاشاً حول «نهاية التاريخ». كما أن الكتابات النقدية الطبقية غير مرئية في الغالب، وجرى تركها في القرن التاسع عشر مع كارل ماركس.

بدوره، يترك هذا التضييق أمام الطلاب قائمة ضيقة للغاية. وبالتالي، ليس ثمة سبب واضح للتعامل مع كثير من الملاحم الدرامية الرئيسة في عصرنا، مثل تجدد المنافسة بين عدة حضارات، وضغوط الوجود الرقمي.

بوجه عام، يبدو من الصعب للغاية الانشغال بمكافحة الاستعمار في ظل عالم تتقدم فيه أوروبا الغربية في السن وتنحسر شيئاً فشيئاً، ويملأ السكان الذين كانوا تحت نير الاستعمار ذات يوم مدنها الكبرى، ناهيك عن تحول مركز القوة العالمية إلى آسيا، حيث أكثر أنظمة العالم استبداداً وإمبريالية.

وإذا كنت على استعداد لتبسيط التاريخ - تاريخ القرن العشرين على وجه الخصوص - فمن الأسهل جعل هذه القضايا محل الاهتمام مناسبة لقضية إسرائيل وفلسطين. وبسبب موقعها الاستثنائي في الشرق الأوسط، وتأسيسها الحديث نسبياً، وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة، ومستوطناتها والاحتلال الذي تمارسه، أصبحت إسرائيل كبش فداء وحيدا لخطايا الإمبراطوريات الأوروبية البائدة وأنظمة تفوق العرق الأبيض.

بعض الأحيان، تبدو مسألة طرح كبش الفداء هذه لا شعورية، لكن في كثير من الأحيان تبدو حرفية تماماً - كما الحال في الفيديو الذي جرى تداوله الأسبوع الماضي لأحد منظمي احتجاجات جامعات كولومبيا شبه فيه «الصهاينة» المعاصرين، بشكل واضح، بملاك العبيد في هايتي ما قبل الثورة، والذين قال إنهم قتلوا عن حق على أيدي عبيدهم. (أصدر الطالب بوقت لاحق بياناً اعتذر فيه عن المبالغة الخطابية).

ومع ذلك، فإن ظهور إسرائيل في صورة العدو السهل أمام رؤية عالمية يسارية تفتقر نظرياتها إلى الارتباط بالواقع، لا يبرر إخفاقات الحكومة الإسرائيلية، ولا أي صورة من سوء معاملة الطلاب المحتجين.

ويسهم ذلك في تفسير لغزين يرتبطان بهذه الاحتجاجات. أولاً: يفسر لماذا يجذب هذا الصراع هذا النطاق الواسع من الاهتمام داخل الحرم الجامعي، في حين أن كثيرا من الحروب والأزمات الأخرى (السودان، الكونغو، أرمينيا، بورما، اليمن ...) يكاد لا يراها أحد. ثانياً: يفسر لماذا يبدو أن الاهتمام يقفز بسرعة كبيرة من التعاطف مع الفلسطينيين إلى تقديم مبررات لجماعة «حماس»، ومن إدانة السياسات الإسرائيلية إلى معاداة السامية.

* خدمة «نيويورك تايمز»