أكّد الرئيس الصيني شي جينبينغ إثر لقائه في بكين الإثنين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ البلدين أحرزا تقدّماً" على صعيد تحسين علاقاتهما الثنائية وتوصّلا إلى "أرضيّات تفاهم"، لكن من دون أن يحلاّ أيّاً من الخلافات الجذرية بينهما.
والتقى بلينكن شي في ختام زيارة استمرت يومين لبكين. وهو أعلى مسؤول أمريكي يزور الصين منذ خمسة أعوام تقريبًا، في ظلّ توتر شديد في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
والتقى شي وبلينكن في قاعة الشعب الكبرى في بكين بُعيد الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر وقد استمر اللقاء نصف ساعة.
وقال شي لبلينكن إنّ "الجانب الصيني أوضح موقفنا واتفق الجانبان على متابعة التفاهمات المشتركة التي توصلت إليها أنا والرئيس بايدن في بالي".
وأضاف شي بحسب مشاهد بثّتها القناة الصينية التلفزيونية الرسمية إنّ "الطرفين أحرزا تقدّماً وتوصّلا إلى أرضيّات تفاهم حول نقاط محدّدة"، معتبراً هذا الأمر "جيّداً".
التكنولوجيا وحظر واشنطن أشباه الموصلات الصينية
وبعد المحادثات قال بلينكن "في كلّ اجتماع، شدّدتُ على أنّ المشاركة المباشرة والتواصل المستمر على المستويات العليا هما أفضل طريقة لإدارة الخلافات بمسؤولية وضمان عدم تحول المنافسة إلى صراع".
وأضاف خلال مؤتمر صحافي "لقد سمعت نفس الشيء من نظرائي الصينيين. كلانا متّفق على الحاجة إلى استقرار علاقاتنا".
لكنّ بلينكن أكّد "وضوح رؤيته" بشأن الصين التي تدهورت علاقاتها مع الولايات المتحدة بشدة في السنوات الأخيرة، وأضاف "ليست لدينا أوهام بشأن تحديات إدارة هذه العلاقة. هناك الكثير من القضايا التي نختلف بشأنها بشدة".
وفي رفض منه لانتقادات وجّهتها الصين، أصر بلينكن أن الرئيس جو بايدن لا يسعى إلى "تقويض" اقتصاد الصين عبر حظر واشنطن الشامل لصادرات أشباه الموصلات.
وقال "نرغب برؤية النمو ونرغب برؤية النجاح في كل جزء من العالم بما في ذلك بالتأكيد الاقتصادات الكبرى مثل الصين ... لكن في ذات الوقت، ليس من مصلحتنا تزويد الصين تكنولوجيا قد يتم استخدامها ضدنا".
وبحسب بلينكن فإنه "في الوقت الذي تنخرط فيه ببناء برنامج أسلحتها النووي بطريقة غامضة للغاية وعندما تقوم بانتاج صواريخ تفوق سرعة الصوت، وعندما تقوم باستخدام التكنولوجيا لأهداف قمعية، كيف سيكون من مصلحتنا توفير هذه التقنيات المحددة إلى الصين".
وفي حديث للصحافيين بعد فعالية بشأن المناخ في كاليفورنيا، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن بلينكن قام "بعمل رائع" في زيارته إلى العاصمة الصينية، مضيفا "نحن على المسار الصحيح".
الحرب الروسية الأوكرانية "تعاون أو خلاف"
وبحث الوزير الأميركي والرئيس الصيني في الغزو الروسي لأوكرانيا، وأكّد بلينكن أن الصين جدّدت تعهّدها عدم تزويد روسيا أسلحة فتّاكة.
وقال "نحن ودول أخرى- تلقّينا ضمانات من الصين أنّها لا تقوم ولن تقوم بتزويد مساعدة فتّاكة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا".
وتابع "لم نر أيّ دليل يتعارض مع ذلك. ما لدينا مخاوف مستمرة بشأنه هو الشركات الصينية التي قد تقوم بتوفير التكنولوجيا التي يمكن لروسيا استخدامها لتعزيز عدوانها في اوكرانيا".
وفي ملف تايوان، جدّد بلينكن التأكيد على أن بلاده لا تدعم حصول تايوان على استقلالها متمسكا بموقف واشنطن بالحفاظ على الوضع القائم هناك.
لكنّه قال "لدينا وغيرنا مخاوف عميقة بشأن بعض الاجراءات الاستفزازية التي اتخذتها الصين في السنوات الأخيرة منذ عام 2016".
تايوان وكوريا الشمالية
وتطرّق بلينكن أيضاً إلى مسألة إقليمية اخرى وطلب من الصين الضغط على حليفتها كوريا الشمالية التي قامت مؤخرا بإطلاق سلسلة من الصواريخ.
وأكد الوزير الامريكي أنّ "كل أعضاء المجتمع الدولي لديهم مصلحة في تشجيع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية على التصرف بمسؤولية ووقف إطلاق الصواريخ".
وتابع "الصين في وضع فريد للضغط على بيونغ يانغ للدخول في حوار وإنهاء سلوكها الخطير".
إلى ذلك أعرب بلينكن عن قلقه للمسؤولين الصينيين بشأن شينجيانغ والتيبت وهونغ كونغ.
وخلال زيارته التي استمرت يومين أجرى بلينكن محادثات مع مسؤولين صينيين زادت مدّتها مجتمعة عن عشر ساعات.
وفي دار ضيافة في حدائق دياويوتاي القديمة، أكّد كبير مسؤولي الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي لبلينكن الاثنين ضرورة اختيار بكين وواشنطن بين "التعاون أو الخلاف".
وبعيدًا عن الكاميرات، قال وانغ لبلينكن، بحسب تلفزيون "سي سي تي في" الرسمي، إن زيارته "لبكين هذه المرة تأتي عند منعطف دقيق في العلاقات الصينية الأمريكية".
وتابع "علينا عكس مسار دوامة التدهور في العلاقات الصينية الأميركية والضغط من أجل العودة إلى مسار سليم ومستقر والعمل معًا لإيجاد طريقة صحيحة لتنسجم الصين والولايات المتحدة".
وأكّد أعلى مسؤول في الدبلوماسية الصينية أن بلاده لن تقدم "أي تنازلات" بشأن تايوان، قائلًا "على هذا الصعيد لا مجال للصين للتسوية أو التنازل".
وأضاف "يجب على الولايات المتحدة أن تحترم فعلا مبدأ الصين واحدة واحترام سيادة الصين وسلامة أراضيها".
وقبل اجتماعهما، ابتسم الرجلان أمام الكاميرا وتبادلا النكات، ثم بدأ الاجتماع بحضور مساعديهما الذين وضعوا كمامة، على عكس بلينكن ووانغ، التزامًا ببروتوكولات الحماية من كوفيد-19.
وأعلن البلدان الأحد أن وزير الخارجية تشين غانغ وافق على زيارة واشنطن في وقت لاحق.
أهمية التواصل المباشر والدبلوماسية
والأحد التقى بلينكن نظيره الصيني تشين غانغ مدة سبع ساعات ونصف ساعة. واتفق الطرفان على الابقاء على التواصل لتجنب أي خلاف.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن بلينكن شدّد على "أهمية الدبلوماسية والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بشأن كل القضايا للحد من مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير"، واصفا المحادثات بأنها كانت "صريحة وجوهرية وبنّاءة".
وأسف وزير الخارجية الصيني من جهته أمام نظيره الأمريكي لكون العلاقات بين بكين وواشنطن "في أدنى مستوى" لها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1979، على ما جاء في محضر الاجتماع الذي نشرته الدبلوماسية الصينية.
وأضاف "إن ذلك لا يتماشى مع المصالح الأساسية للشعبين، ولا يلبي التوقعات المشتركة للمجتمع الدولي".
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه إن اللقاء تجاوز المحادثات الاعتيادية حتى في ما يتعلق بتايوان.
وأضاف "كانت محادثة فعلية".