عندما يتعلق الأمر بالاحتفال بمناسبة كبيرة، قلة من الناس قد تفكّر في شراء زجاجة من المشروبات الروحية التركية في سوق تهيمن عليه الشمبانيا الفرنسية والنبيذ الإسباني والبروسيكو الإيطالي.
بدأ النبيذ الفوار التركي يشق طريقه بسرعة إلى موائد المناسبات في تركيا والعالم بفضل منتجين ملتزمين يراهنون على أصناف العنب الأصلية.
يقول كانداس ميسير من مصنع النبيذ فينكارا على بعد ساعة من العاصمة أنقرة "نحن نبيع بسرعة كبرى، ولا يمكننا تلبية الطلب المتزايد خصوصا مع اقتراب احتفالات رأس السنة".
عندما يتعلق الأمر بالاحتفال بمناسبة كبيرة، قلة من الناس قد تفكّر في شراء زجاجة من المشروبات الروحية التركية في سوق تهيمن عليه الشمبانيا الفرنسية والنبيذ الإسباني والبروسيكو الإيطالي.
لكن نبيذ ميسير المصنوع من صنف عنب تركي محلي كاد أن يختفي في الثمانينيات، فاز بالميدالية الذهبية لأفضل نبيذ فوار في العالم خلال مسابقة أقيمت في فرنسا عام 2020.
النبيذ المنكّه بالفاكهة الذي ينتجه، المعروف باسم "ياشاسين" وتعني "تحيا!" باللغة التركية، له رائحة زهرية تذكر بروائح فاخرة تنبعث من مداخن الألزاس في شرق فرنسا.
ويقرّ ميسير بأن الخبراء كانوا في البداية "متشككين" بعض الشيء بشأن فكرة أنّ ينافس النبيذ الفوار التركي، الشامبانيا. وأوضح ميسير: "لقد واجهنا ترحيبا حذرا بعض الشيء في البداية"، مضيفا "كان الناس يقولون: ماذا تقصد بالنبيذ الفوار التركي؟". وتابع: "لكن رشفة واحدة تكفي لتبديد هذه الأحكام المسبقة".
كان فينكارا أول مصنع تركي يبدأ في إنتاج النبيذ الفوار في عام 2009، مستخدما طريقة الشمبانيا التقليدية من الكروم الموجودة حول مدينة كاليجيك الصغيرة.
وقد تبعه آخرون منذ ذلك الحين وارتفع الإنتاج بشكل كبير. رغم الضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومة الإسلامية المحافظة في تركيا لثني الناس عن تناول الخمر، يعمد أتراك بشكل متزايد لصنع النبيذ الأبيض الجاف، وقد تضاعف الإنتاج ثلاث مرات على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وازداد إنتاج النبيذ الفوار بواقع بخمسة أضعاف.
"صحوة"
يرى ميسير أن نجاح النبيذ يعود إلى جودته، حيث يتم قطفه يدويا تقريبا باستخدام العنب المحلي ذو القشرة الداكنة المعروف باسم "أسود كاليجيك".
كان على وشك الاختفاء في الثمانينات لكنه عاد مجددا بفضل باحثين أتراك وخبراء النبيذ.
قال براق ديميريل، عالم الخمور ومدرس صناعة النبيذ في جامعة نامق كمال ومقرها محافظة تكيرداغ بشمال غرب البلاد، إن إعادة اكتشاف أصناف العنب المحلية ساعدت في تحفيز النجاح الأخير للنبيذ التركي الجاف والفوار.
وأوضح أن "الجامعات وصانعي النبيذ يقومون بعمل استثنائي في تركيا. لقد حددوا أكثر من 800 نوع من العنب المحلي". وقال "هذه إمكانات هائلة لم تستغلها تركيا لسنوات... اليوم نشهد صحوة".
من جهتها قالت أندريا لوميو خبيرة النبيذ المقيمة في اسطنبول منذ 11 عاما، إن النبيذ التركي الفوار لا يحظى بعد بمكانة المنتجات الفرنسية والإيطالية المنافسة، "لكن الجودة موجودة".
وأضافت أنّ "الناس مهتمون جدا بالأسعار، وبما أنهم لا يعرفون سمعة النبيذ التركي جيدا، فقد يترددون في إنفاق 50 يورو على زجاجة".
لكنّ مزارعي كروم العنب الخاصة بالنبيذ يعملون على تسويق منتجاتهم، وتساعد المدونات التي يكتبها خبراء أجانب يشيدون بالنبيذ التركي في الترويج.
ضرائب عقابية
وقالت لوميو مؤلفة كتاب "الدليل الأساسي للنبيذ التركي"، إن "هناك الكثير من الأشخاص الذين يكتبون عن النبيذ التركي الآن ويأتون إلى تركيا لتجربة النبيذ. لقد أصبح النبيذ أكثر شهرة". وأضافت أن النبيذ الفوار التركي يباع حاليا في الولايات المتحدة قائلة "هناك اهتمام بالتأكيد".
رغم هذه الشعبية المتزايدة، فإن السوق العالمية لا تزال محدودة حيث صُدّر 30 ألف لتر فقط من النبيذ الفوار التركي السنة الماضية.
مع ذلك، تزرع تركيا كمية هائلة من العنب، وهي سادس أكبر منتج في العالم. وقال علي بسمان رئيس جمعية منتجي النبيذ لوسائل إعلام تركية إن "أربعة في المائة فقط من هذا المحصول مخصص لصناعة النبيذ". وأضاف "نحن بعيدون عن تحقيق إمكاناتنا".
لكن إنتاج وشرب النبيذ أصبح أكثر صعوبة وتكلفة في عهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي شدد القوانين ورفع الضرائب بشكل كبير خلال حكمه المستمر منذ عقدين.
رغم هذه الصعوبات، يعبر ديميريل عن ثقة بمستقبل الإنتاج التركي في هذا المجال. وقال "هناك جيل شاب من المنتجين والمتخصصين في الخمور الأتراك الذين يقومون بالكثير من الأبحاث وهم في طليعة ما هو جديد".
وخلص إلى القول إن "مستقبل النبيذ الفوار والجاف التركي مشرق".