ما سر رواج الفيديوهات الهابطة على "تيك توك"؟

منذ 1 سنة 176

منذ إطلاقه في عام 2016، قلب تطبيق "تيك توك" مفهوم الشهرة والربح رأساً على عقب، وشكل مساحة أفسحت المجال لكثيرين للتعبير بحرية، وأيضاً لتحقيق الشهرة والأرباح بغض النظر عن طبيعة المحتوى وقيمته الفعلية، لطالما تطلب تحقيق الشهرة جهوداً كبرى وسنوات من الكد والعمل، إلا أن المعايير اختلفت مع التطبيق الصيني، تحصد فيديوهات البعض ملايين المشاهدات أحياناً، وإن كان المحتوى الذي ينشرونه يلقى كثيراً من الانتقادات، ويعد دون المستوى المطلوب وفيه جانب من السخافة.

 فتح "تيك توك" باب الشهرة واسعاً لهؤلاء الأشخاص، فإذا بفيديوهاتهم تحقق انتشاراً غير مسبوق ويجنون أرباحاً، ونرى حالياً كثيرين صنع منهم هذا التطبيق نجوماً وأصبحت مقاطع الفيديو التي ينشرونها مصدر الدخل الأساسي لهم. فكيف لمحتوى "دون المستوى" أو "مهين" أو "سخيف"، كما تصفه الأكثرية، أن يحقق هذا القدر من الانتشار؟ وكيف ينجح أصحابه باكتساب هذه الشهرة الواسعة على رغم الانتقادات التي تتوجه إليهم؟

gettyimages444.jpg

انتشار وسخرية

وبمعزل عن المشكلة القائمة حالياً بين الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية و"تيك توك"، التي لها طابع أمني أساسه استغلال البيانات لمصلحة الدولة الصينية، منذ انطلاقته، استقطب التطبيق بشكل أساس الشباب والمراهقين، ولاقى رواجاً بينهم، قد يبدو محتوى معين ينشر فيه دون المستوى ويتعرض للانتقادات، لكن عندما يزيد تداول هذا النوع من المحتوى ذي المستوى المتدني على المنصة، يصبح مقبولاً أكثر ويلقى رواجاً أكبر، ولو بدا غير مناسب في مرحلة أولى، بهذه الطريقة، يصبح محتوى معين أو فيديو "ترند"، على رغم كل سخرية الأكثرية منها. على سبيل المثال تواجه فيديوهات كتلك التي تنشرها بتول عبدالله على "تيك توك" أو تلك التي لـ"دكتور فود" أو لـ"ناريغ وإنغريد" أو لـ"كلاريتا نخله"، كماً هائلاً من الانتقادات ويصنف كثيرون المحتوى بـ"السخيف" أو "غير اللائق"، لكنه يحصد في الواقع ملايين المشاهدات ويحقق انتشاراً هائلاً، بحسب الخبير في التحول الرقمي زياد عون، يبدو واضحاً أن المتطلبات قد اختلفت، ويتماشى معها من ينشر هذا النوع من المحتوى، خصوصاً أنها مساحة حرة تفسح المجال من دون عوائق وحدود، وأكثر بعد، يدعم تطبيق "تيك توك" أصلاً محتوى معيناً يمكن أن يحقق رواجاً، ما يزيد من انتشاره على نطاق أوسع. "إذا كان المتابعون يصفون محتوى معيناً بالسخيف أو أنهم لا يتقبلونه، من المفترض وقف المتابعة بدلاً من الإسهام بنشره، ولو على سبيل السخرية. حتى لا يحقق الفيديو انتشاراً واسعاً، ولو لم يكن للمحتوى أي قيمة حقيقية".

بهذه الطريقة يحقق أصحاب فيديوهات بمستوى متدن، شهرة واسعة ويجنون أرباحاً، وفي نظام الـ coins يمكن أن يشتري المستخدم منها ويرسلها إلى صانع المحتوى فيحصل على نسبة 80 في المئة من البدل النقدي، هي طريقة أساسية لجني الأرباح على "تيك توك"، لكن يمكن جني الأرباح بشكل خاص في التصوير المباشرLive . لكن للبدء بالتصوير المباشر، يجب أن يكون لصانع المحتوى 1000 متابع على الأقل فيُفتح له الباب لتحقيق الشهرة والأرباح.

بشكل عام، قد لا تكون هناك معايير واضحة لتحقيق الشهرة على "تيك توك"، فقد يحقق محتوى معين انتشاراً واسعاً دون أن يظهر سبب لذلك، كون مستخدميه من الأصغر سناً بشكل عام، ويمكن ألا يحصد هذا الكم من المشاهدات لو نشر على منصة أخرى، لذلك قد تحظى أغان هابطة بنسبة عالية من المشاهدات، وتتحول فيديوهات دون المستوى إلى "ترند"، خصوصاً أن نسبة كبيرة من مستخدمي "تيك توك" من المراهقين، الذين يفتقدون أحياناً النضج، ولا يضعون معايير صارمة في تقويم مستوى المحتوى، علماً أن الهدف الأساسي من إنشاء التطبيق لم يكن كذلك في البداية، لكنه اتخذ هذا الاتجاه في مرحلة لاحقة، وقد تكون المشكلة في سهولة تحقيق الأرباح فيه، فهذا التطبيق يفسح المجال للشهرة السريعة والربح السريع في أي بلد كان، ويجني البعض ما لا يقل عن 10 آلاف دولار شهرياً بهذا الشكل.

190109-tiktok111.jpg

متطلبات عصر السرعة

في المقابل، يشيد مدير التواصل الاجتماعي في إحدى شركات الإعلانات مجد دعبول، بتطبيق "تيك توك"، معتبراً أنه تميز بقدرة على تحفيز الشباب لنشر المحتوى بحسب الموهبة أحياناً، إلا أن الشهرة الواسعة التي يلقاها البعض فيه لها أسباب عدة. أصبح الكل يبحث حالياً عن السرعة في الانتشار والسرعة في المشاهدة. خصوصاً أن مستخدمي "تيك توك" في معظمهم من الشباب والمراهقين الذين يشكلون ما يعرف بالـ Generation Z أي الذين ولدوا بعد عام 2000، اهتماماتهم مختلفة تماماً، ويفكرون بطريقة مختلفة أيضاً عمن هم أكبر سناً، بشكل عام لا تهمهم المثالية في الأمور كما هي مهمة لمن هم أكبر سناً الذين يبحثون عن المستوى اللائق والجيد، حتى التنسيق والتنظيم لا يعنيان لفئة الشباب والمراهقين شيئاً، وينعكس ذلك بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعي، بالنسبة إلى مستخدمي "تيك توك" الأصغر سناً، الأهم أن يكون لهم حضور فعال، "من جهة أخرى، يعمل "تيك توك" من حيث الخوارزميات بشكل مختلف تماماً عن (ميتا)، ففي التطبيق الصيني في حال مشاهدة محتوى معين مرة، يتكثف ظهور محتوى مماثل ويصعب عندها الخروج منه بأي شكل من الأشكال، وكأنه يحاصر المستخدم، هذا لا ينطبق على (ميتا)، إلا من خلال فيديوهات "الريلز" (reels) التي أتت لتنافس (تيك توك) بالمبدأ نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعمل تطبيق "تيك توك" على أساس مبدأ معين يسهم في صنع نجوم، ويمكن حتى أن يسلبهم هذه الشهرة لاحقاً، بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه، وبعد تحقيق الشهرة قد يستمر نجوم "تيك توك" في تقديم محتوى من المستوى نفسه، أو يمكن أن يختاروا تقديم محتوى أرقى ذي هدف معين، فيستمرون في تحقيق الانتشار، علماً أن التطبيق يعطي هؤلاء الأشخاص الدفع ليحققوا مزيداً من الانتشار.

أسهمت المفاهيم السائدة على "تيك توك" وأسلوب تحقيق الشهرة فيه في خفض مستوى المحتوى، "هناك انحدار واضح في المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص على "تيك توك" وهذا ما يزيد من التحديات أمام العلامات التجارية التي تبحث عن أشخاص مناسبين ليكونوا سفراء لها على وسائل التواصل الاجتماعي. فالعلامات تبحث عن صانعي محتوى من مستوى معين وتتبناهم وتتعاون معهم.

قد يكون المعيار الأبرز للشهرة على "تيك توك"، بحسب دعبول، أن يكون صانع المحتوى، مستعداً للتصرف بطريقة بعيدة من المألوف، سواء أكانت تشبهه أو لا، ولو أثار سلوكه السخرية. هذا أكثر ما هو مطلوب لتحقيق الشهرة والأرباح، ولعل نجاح البعض بمحتوى لا قيمة له خير دليل على ذلك، معظم من حقق الشهرة في التطبيق الصيني بدأ بهذه الطريقة، ثم تحول أحياناً في وقت لاحق نحو محتوى ذي قيمة، فمستخدمو "تيك توك" من الفئة العمرية التي تسعى إلى كسر القواعد وقلب المقاييس وتحدي المعايير المتعارف عليها، هؤلاء يعبرون عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة.