ما الحكم إذا أصبح سب الدين كلمة دارجة على اللسان

منذ 2 أشهر 64

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:عنوان الرسالة:

نص الرسالة:

فمما لا شك فيه أن ما قاله الشيخ المذكور خطأ محض، وتقوّل على الشريعة؛ فإن من مسائل الدين الكبار التي دل عليها ما لا يحصى من الدلائل أن ومن نطق بكلمة الكفر كفر متى توفرت شرائط الردة.

 والذي يظهر أن الشيخ ظن أن مجرد النطق بكلمة الكفر لا يكفي حتى يعتقد، وهذا كلام الجهمية؛ ويكفي في بيان ما فيه من خطأ ما ورد في الكتاب العزيز من كفر المستهزء، ومعلوم بداهة أن من تكلم بالكفر مستهزء يكون لاعبًا؛ قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64: 66]، فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه، منعه أن يتكلم بهذا الكلام؛ والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه.؛ قال شيخ الإسلام "الإيمان"(ص: 174-175).

فكل من تكلم بكلمة الكفر طوعاً، بغير إكراه فقد شرح بها صدراً؛ كما قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل: 106].

جاء في "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 524): "فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضا فصار كل من تكلم بالكفر كافرا إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان". اهـ.

وقال ابن نجيم: "إن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعبًا كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده".

وجاء في "الفصل"لأبي محمد بن حزم: كل من ينطق بالكلام الذي يحكم لقائله عن أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً. انتهى.

قال الصنعاني في "تطهير الاعتقاد" ص26،25 : "قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة : أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر ، وإن لم يقصد معناها".

ونقل صاحب المحيط كما في "درر الحكام في الفقه الحنفي" (1/324 ): الإجماع من كافة العلماء على كفر من نطق بكلمة الكفر ولو كان غير معتقد لما نطق به".

أما ظنه أن الناس يظنون أن سب الدين كالشتائم فلا يكفر الساب لهذا الظن، فلا شك في بطلان؛ كما يظهر جليًا من قوله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30]، وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103، 104].

قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: "والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يُقال: إن الله -عز وجل- عنى بقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}، كل عامل عملاً يحسبه فيه مصيباً، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهبانية والشمامسة، وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أي دين كانو.

قال: وقوله الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }، يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به، بل على كفر منهم به. {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }، يقول وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/ 345- 346): " وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال: من بدع أهل الكلام، وأهل التصوف، وأهل الرأي، وأهل الملك= حسبوه منفعة أو مصلحة نافعًا، وحقًا، وصوابًا، ولم يكن كذلك.

 بل كثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس= يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا، ومنفعة لهم: { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنًا.

 فإذا كان الإنسان يرى حسنًا ما هو سيئ كان استحسانه أو استصلاحه قد يكون من هذا الباب، وهذا بخلاف الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا؛ فإن باب جحود الحق ومعاندته غير باب جهله والعمى عنه. والكفار فيهم هذا وفيهم هذا، وكذلك في أهل الأهواء من المسلمين القسمان.

أما حكم من لم يكفر الكافر فقد سبق بيانها في فتوى: هل يهجر من لم يكفر الكافر؟،، والله أعلم.