من إصبع الصبي حديث الولادة الملتف حول يد الأم حديثة العهد في الصور العائلية ذات الوضعيات المثالية، إلى صور تحول الجسم "وعودته إلى سابق عهده"- لا يمكننا اعتبار الضغط الذي يوضع على أكتاف الأمهات حديثات عهد من جيل الألفية لكي يقدمن صورة مثالية عن مرحلة ما بعد الولادة أقل من ساحق. ولهذا السبب، بصفتي أماً حديثة عهد ومستخدمة نشطة جداً لوسائل التواصل الاجتماعي سابقاً، قررت عدم المشاركة في سيرك التواصل الاجتماعي- وعدم نشر صور لطفلي أبداً.
مع بداية المرحلة الأولى من حملي، ومعاناتي مع إعياء الحمل وتقلبات العواطف شعرت فجأة بأن أخبار التواصل الاجتماعي والفيديوهات المنمقة اللامعة أمور سطحية وسخيفة. عروض أولى وحفلات؟ كانت حياتي على وشك أن تدور حول عربات الأطفال والحفاظات - لفترة على الأقل - وأردت أن أرى أموراً تعكس هذا التحول، أشخاصاً يمرون بما أمر به أنا، ومعلومات تخبرني كيف سأنجو وأستمر، أنا الأم حديثة العهد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سرعان ما قامت الخوارزمية بعملها، وأصبحت صفحاتي على مواقع التواصل تعج بصور حمل مغنيتكم المفضلة، وصور الأطفال الجدد للمشاركين السابقين في برنامج جزيرة الحب (Love Island)، ونجوم التلفزيون برفقة عائلاتهم المذهلة، مليون "أم مؤثرة" أنيقة وفيديوهات تقدم كماً كبيراً من المعلومات "الأساسية" إنما المتناقضة.
كيف كان من المفترض بي أن أحلل الرموز لكي أعرف ما الصواب وما الخطأ؟ هل احتضان الطفل عند النوم هو أفضل مقاربة لسلامته ونموه، أو يفترض بي أن أعلم طفلي النوم في مهده كل الوقت كي يعتاد الروتين والاستقلالية؟ هل عليَّ البدء بممارسة التمارين الرياضية الآمنة بعد الولادة فوراً كي أتخلص من انتفاخ بطني وأبين للعالم بأنه ليس من الضروري أن تظهر الأمهات بمظهر رث- أو عليَّ أن أتقبل جسدي بشكله الجديد الذي لن يشفى كلياً قبل 12 شهراً في الأقل بعد الولادة، وألا أخضع للضغط الأبوي؟ هل عليَّ أن آخذ عطلة لمدة سنة في الأقل لكي أنشئ رابطاً قوياً مع طفلي، أو عليَّ العودة إلى العمل لكي أظهر بأن الأمهات قادرات على فعل كل شيء في الوقت نفسه؟
فيما راقبت جسمي وهو ينتفخ ويكبر، تحولت هذه الصور عن الحمل والأمومة التي ملأت صفحاتي على وسائل التواصل من صور ملهمة ومساعدة إلى صور مربكة للغاية، تسبب لي الضغط النفسي. يجب ألا أتفاجأ بذلك. تجد دراسات كثيرة (منها هذه الدراسة التي أجرتها بلوسون) أن الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، في هذه الحالة)، غالباً ما يفيدون عن معاناتهم من مستويات مرتفعة من القلق المرضي والضغط النفسي.
في هذه الفترة التي تعاني فيها أساساً الهشاشة النفسية - تقول إحصاءات هيئة خدمات الصحة الوطنية إن سيدة من كل 10 تعاني اكتئاب ما بعد الولادة في غضون سنة من الإنجاب - آخر ما نحتاج إليه كأمهات حديثات عهد هو مزيد من الضغط على صحتنا النفسية. لذلك، اتخذت خطوة للاهتمام بنفسي، على شكل قرار بالانفصال عن وسائل التواصل وتجنيب طفلي حديث الولادة هذه التطبيقات.
لكن وسط أصدقائي ونظرائي، يعتبر وضعي غير مألوف. نشأت أمهات جيل الألفية مثيلاتي مع صعود الإنترنت. من مي سبيس إلى فيسبوك، نتذكر أيام التواصل الاجتماعي البراقة الأولى. أصبحنا عندها مشاركين فاعلين، بعد طول انتظار، بدلاً من أن نكون مستهلكين سلبيين للوسائط التي كنا نتابعها.
سمحت لنا وسائل التواصل الاجتماعي بأن نبني ونرسخ هوياتنا، وأن نجد جماعتنا، الناس الذين يشبهوننا. لا عجب إذاً في أن نكون من أكثر المجموعات التي يرجح بأنها ستشارك تفاصيل حياتها على الإنترنت - ومن ضمنها طبعاً الأطفال، عندما يحضرون. كشف استطلاع آراء أجرته شركة سيكيوريتي أورغ (SecurityORG) في الولايات المتحدة للنظر في ممارسات "مشاركة التربية" لألف أب وأم وأطفال، أن نحو 75 في المئة من الآباء يشاركون صور أطفالهم وقصصهم وفيديوهاتهم على وسائل التواصل.
كما شرحت لي إحدى السيدات (كيلي، 39 سنة)، والأم لطفل عمره سنة "أحب كثيراً أن أشارك صور طفلي وفيديوهاته على فيسبوك وإنستغرام، هذا يبقي أصدقائي وعائلتي على اطلاع بالأحداث، ويمكنني من خلاله أن أخزن كل تلك اللحظات الثمينة لكي أعود وأتأملها لاحقاً". وبالنسبة إلى موضوع الخصوصية، قالت "إن حسابي على إنستغرام خاص بينما حساب فيسبوك محدد للأصدقاء فقط، لذلك لست قلقة فعلاً بهذا الشأن".
تعتقد أمهات كثيرات أعرفهن بأن هذا كافٍ لتقليص عدد الذين يمكنهم رؤية صورهن، لكنني غير مقتنعة بأن الصفحات الخاصة هي الحل. حتى لو كانت الصور لا تشارك إلا مع الأصدقاء "الحقيقيين"، لا يزال موضوع الموافقة مطروحاً.
أظهرت الدراسة مثلاً بأن 24 في المئة من الآباء فقط حصلوا على موافقة أطفالهم قبل النشر - وكما نعلم، لا يمكن للأطفال أن يعطوا موافقتهم أبداً، ثم تصبح صورة ذلك الطفل متوفرة إلى الأبد لأي شخص يختار أن يخزن صورة الشاشة أو ينقلها - وعلينا ألا ننسى بأن بصمتنا الرقمية باقية إلى الأبد.
ربما أبالغ في رد فعلي، وربما يكون هذا التخويف غير مفيد في عالم يفرض علينا في المستقبل أن نتقبل دمج العالم الرقمي و"الحقيقي" أكثر فأكثر، لكن باعتباري أماً جديدة، تصيح كل جوارحي وغرائزي "احمي، احمي!" أن أحمي طفلي وأن أحمي صحتي النفسية وأن أحمي هذا الوقت الثمين.
في عالمنا اليوم الذي تسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح كل شيء أرضاً خصبة لإجراء المقارنات وإطلاق الأحكام، حيث أصبح كل جزء من حياتنا معروضاً للاستهلاك العام، لا يسعني سوى أن أشعر بأن الشيء الوحيد الذي يمكننا التحكم به فعلاً هو أن نحتضن صغارنا ونطفئ مصدر الضجيج.