هذا المقال نشر باللغة الإنجليزية
في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي الضغط على قوات حفظ السلام لكي تغادر جنوب لبنان، يبدو المجتمع الدولي متردداً إزاء الرد على ذلك، وهو ما يحول اليونيفيل إلى مهمة "هل يجب أن تبقى أم يجب أن ترحل؟".
تبحث الدبلوماسية الأمريكية عن وقف إطلاق نار في لبنان في اللحظة الأخيرة، قبل الانتخابات الرئاسية، وفي الوقت عينه، يكثف الجيش الإسرائيلي ضغوطه على مخابئ مزعومة لحزب الله في جنوب لبنان وبيروت.
والأحد، هدمت جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي برج مراقبة تابعة لقوات حفظ السلام اليونيفيل في مروحين، وهو ما دفع وزراء دفاع مجموعة السبع للتعبير عن "قلقهم إزاء كل التهديدات لأمنها وجددوا دعمهم للبعثة لضمان استقرار لبنان".
ويقول وزير الخارجية الإيطالي السابق وأستاذ القانون بجامعة لويس في روما، إنزو موافيرو ميلانيزي لـ "يورونيوز": "إن الجيش الإسرائيلي يسعى لدفع قوات الأمم المتحدة إلى الانسحاب. وإن انسحاب الخوذ الزرقاء سيمهد الطريق لإعادة احتلال المنطقة دون وجود عناصر ثالثة مثل قوات الأمم المتحدة".
وتعد فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا من بين أكبر المساهمين في قوة القبعات الزرقاء، والخميس الماضي، تمكنت سفينة حربية ألمانية من إسقاط طائرة مسيرة "متطفلة للغاية".
وهذا السبب الذي يوضح أن بقاء قوات اليونيفيل عنصر مهم، إن لم يكن حيوياً، في الوجود الأوروبي في الشرق الأوسط، والسبب وراء شعور العواصم الأوروبية بأنها ستتعرض لضغط إضافي سيعتمد على ما قد يحدث لهذه القوات.
وقال ميلانيزي: "إن فشل اليونيفيل قد يتحول إلى فشل ذريع للأمم المتحدة، وإلى حد ما، ربما يشكل الأمر فشلاً مثيراً للقلق بالنسبة إلى أوروبا، لأن هذا ربما يعني تفاقم صراع آخر على مقربة شديدة من حدودها".
قواعد الاشتباك: جدار الحماية السياسي
انتشرت معظم قوات اليونيفيل بعد حرب صيف 2006 بين إسرائيل وحزب الله، بهدف تعزيز الحاميات الصغيرة التي كانت موجودة منذ عام 1978.
وتولت هذه القوة مراقبة انسحاب الجيش الإسرائيلي وتنسيق نزع سلاح حزب الله في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق (الحدود بين إسرائيل ولبنان) ونهر الليطاني.
ووفقاً لإسرائيل، فمن الواضح أن أصحاب الخوذ الزرقاء لم يقوموا بعملهم على النحو الصحيح على مدى السنوات الـ18 الماضية، ولم يمنعوا حزب الله من تجميع ترسانته الصاروخية.
وتعرضت قوات الأمم المتحدة لنيران حزب الله في مناسبات مختلفة أيضاً، وخاصة أثناء محاولتها منع أنشطته العسكرية غير المشروعة في جنوب لبنان.
وحتى لو كانت الاتهامات الإسرائيلية تستند جزئياً إلى حقائق، فهل ذلك سبب وجيه لإطلاق النار على الخوذ الزرقاء، وكيف ينبغي لقوات حفظ السلام أن تتصرف في حالة وقوع هجوم عسكري؟
ويقول الجنرال الفرنسي أوليفييه باسو لـ "يورونيوز" إن بعثات حفظ السلام العسكرية التابعة للأمم المتحدة عادة ما يتعين عليها التعامل مع ما يتناقض وصلاحياتها، مما يحد بشكل كبير من استخدام القوة من خلال ما يسمى بـ "قواعد الاشتباك".
وقال باسو، وهو ضابط سابق مخضرم في اليونيفيل في إجازة وباحث مشارك في المدرسة العسكرية الفرنسية للدراسات الاستراتيجية: "إن اليونيفيل ليست أداة قتالية، ولم تشارك في القتال منذ عام 1978. وفي هذه الحالة، أطلقت النار بشكل عشوائي".
وذكر باسو أن "رد الفعل القوي، في هذه الحالة المحددة، يمكن أن يقود إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين قوات الأمم المتحدة والجيش الإسرائيلي".
وتابع: "بالنسبة إلى جنود اليونيفيل، كان ذلك يعني خوض تحدي عملية قتالية حقيقية ضد خصم مثل الجيش الإسرائيلي، لكن ماذا بعد؟".
وقال الضابط الفرنسي: "إن جنود اليونيفيل لا يملكون ـ أصلا ـ الأسلحة اللازمة لذلك، فلا يملكون سوى أسلحة خفيفة، وليس من ضمن تفويضهم إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على الميركافا الإسرائيلية".
وعلى الرغم من صلاحيات الرد المحدودة، فإن قوات حفظ السلام لديها مجال للمناورة عندما يتعلق الأمر بالدفاع المشروع، بحسب الضابط الفرنسي الذي أضاف: أن "الدفاع المشروع متأصل في قواعد الاشتباك ويسمح بالرد على النيران فورا، واتخاذ القرار بهذا الشأن يعود لقائد المفرزة. تلك هي القاعدة".
وأضاف: "أن قائد المفرزة، في الواقع يتعين عليه أن يفكر. وربما يتردد خشية إثارة حادث سياسي، وربما يرحج تجنُّب إطلاق النار، على الرغم من أن له كامل الحق في الرد على مصادر النيران، من الناحية النظرية".
وقوات اليونيفيل هي تحالف متعدد الجنسيات يتألف من جنود من 50 دولة حول العالم.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمليات البرية، فإن خط القيادة يكون وطنيا لأن الأنشطة العسكرية عادة ما تتم على مستوى الكتيبة تحت إشراف قائدها، وهو عقيد يحمل نفس الشارات الوطنية والعسكرية التي تحملها الحامية التي شاركت في الحادث.
ويوضح باوس: "إذا كان الوضع أكثر تعقيداً، فيجب على القائد أن يقدم تقريراً إلى رئيس الأركان الذي يبعد بضعة أميال عن منطقة تبادل إطلاق النار. ومن المحتمل جداً أن يقدم رئيس الأركان والقائد العام لقوات اليونيفيل تقريراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك".
ويتابع: "في نهاية المطاف، فإن هذا الإجراء يترك مبادرة محدودة للغاية للقائد التكتيكي المحلي".
إن جميع دول الاتحاد الأوروبي التي تشكل جزءا من قوات اليونيفيل لديها علاقات ودية إلى حد كبير مع إسرائيل. لذا فإن إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي قد يؤدي إلى نتائج سياسية غير مرغوب فيها.
ومع ذلك، فإن ممارسة الحرب تجبر الجنود في بعض الأحيان على إزالة أي نوع من العوائق، وفي بعض الحالات، قد يعتبر الإسرائيليون أن مواقع اليونيفيل بمثابة غطاء غير طوعي لأنشطة حزب الله.
وفقاً لقيادة الجيش الإسرائيلي، فإن حزب الله بنى أنفاقا ومخابئ ومنصات لإطلاق صواريخ على بعد أمتار قليلة من مواقع اليونيفيل.
وقال ميلانيزي: "إن مهاجمة الخوذ الزرقاء هي أعمال تتعارض مع روح ونص أحكام الأمم المتحدة".
قرار للأمم المتحدة في عداد الموتى؟
الاتهامات المتبادلة بين الخوذ الزرقاء والجيش الإسرائيلي تصاعدت، وتجاوزت نطاق ساحة المعركة.
فوفقاً لإسرائيل، فإن القرار 1701 فشل في توفير الأمن لإسرائيل ضد أنشطةحزب الله العسكرية، وأصبح القرار بمثابة وثيقة قانونية ميتة تحرم اليونيفيل من أي شرعية قانونية دولية للعمل في جنوب لبنان.
ولكن الخبراء يختلفون مع هذا الرأي.
يقول ميلانيزي: "يجب تقييم العمل البري الملموس على أساس كل حالة على حدة. يجب أن ننظر إلى القواعد المحددة لاشتباك قوات حفظ السلام وهدف مهمتها. ولا يمكن إلا لطرف ثالث القيام بذلك، وليس الأطراف المشاركة بشكل مباشر في الصراع".
وأضاف: "لا يوجد شيء اسمه قرار ميت. وحتى إذا لم يتم تطبيقه، فإن قرارات الأمم المتحدة تظل ملزمة. والسبب وراء استمرار اليونيفيل في مهمتها هو أنها قوة فاصلة. ولا يمكن سحب قواتها إلا من قبل الأمم المتحدة أو الحكومات الوطنية أو هما معا".
إن دور قوات حفظ السلام لا يقتصر على تجنب القتال المباشر مع العدو، بل إنها تقدم تقارير ميدانية إلى المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، الأمر الذي يجعل مهمتها تشمل جمع المعلومات إلى حد كبير.
يقول خافيير جونزالو فيجا، أستاذ القانون الدولي في جامعة أوفييدو: "حتى لو لم يتم كتابة ذلك رسمياً في القرار 1701، فإن نوعاً من النشاط المعلوماتي المحلي المحدود ضمني في نصه".
ويضيف لـ"يورونيوز": "بصرف النظر عن ذلك، فإن القرار لم يتم تنفيذه جزئياً وهذا يعطي إسرائيل المبرر للتدخل".
ويتابع: "يتعين على السلطات اللبنانية أن تسيطر على أراضيها بشكل كامل، لكي تؤدي الالتزامات اللازمة. لكن هذا لم يحدث، بل بقي حزب الله هناك".
الدور المنفصل لفرع الاتصال
أكد باسو أن هناك وظيفة أخرى ذات صلة تماماً لقوات اليونيفيل وهي وظيفة غير معروفة إلى حد ما.
وأضاف: "يضمن فرع الاتصال الفصل بين الجانبين: اللبناني والإسرائيلي. بحيث لا يتحدثون مباشرة بعضهم مع بعض". وأوضح الجنرال الفرنسي أن "هذه الوظيفة مهمة للغاية في المراحل المنخفضة من الصراع، وقد تجنبت ما يسمى بالتصعيد غير المقصود للصراع مئات المرات".
وأضاف قائلا: "في بعض الأحيان، تتخطى دوريات صغيرة من الجانبين الخط الأزرق عن غير قصد. وعلى الجانب اللبناني، هناك الكثير من المدنيين الذين يتجولون بالقرب من خط التماس. يصل جنود اليونيفيل إلى هناك، ويوقفون هؤلاء الأشخاص، ويتصلون بنظرائهم للإبلاغ عن عدم وجود تهديدات فورية".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها البعثات العسكرية التابعة للأمم المتحدة لانتقادات بسبب عدم فعاليتها المفترضة في الصراعات.
وأشار باسو إلى أنه خلال حرب البوسنة في الفترة 1992-1995، كانت قوة الأمم المتحدة للحماية ، التي ضمت قوات فرنسية وإسبانية وبريطانية، هدفا لهجمات مختلفة من جانب الأطراف المتحاربة دون إمكانية الرد بسبب قواعد الاشتباك.
وقال: "لقد أرادوا أن يجعلونا نعتقد أن خصمهم هو الذي يستهدفنا. تسللوا إلى خطوط العدو لإطلاق النار علينا. وكانت القوات الفرنسية في مطار سراييفو تتعرض لإطلاق نار متكرر".
وخلص إلى القول: "كان من الصعب في تسعينيات القرن العشرين اكتشاف مصادر الهجمات. ففي بعض الأحيان كانت قناصة، وفي أحيان أخرى مدافع آلية ثقيلة، وفي أحيان أخرى قاذفات صواريخ صغيرة".