قررت ’جيل’ الشابة البالغة من العمر 27 سنة، حذف جميع تطبيقات المواعدة الغرامية من هاتفها في أول يوم من السنة الجديدة. لم يكن سبب ذلك السأم من المواعدة أو محاولات البحث الطويلة عن شريك فقط، لكن المشكلة الحقيقية كانت الجنس. تقول: "أدركت كم ضاق ذرعي من ذلك... أنا لا أبحث عن ارتباط، لكن بطريقة ما أصبح الجنس الموضوع الوحيد لمراسلاتي الرومانسية مع أي شخص. صار بلا معنى ببساطة ورحت أتساءل لماذا أفعل ذلك أساساً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يبدو الحل غير مألوف، بخاصة بالنسبة إلى شخص في عمر ’جيل’. أليس من المفترض أن تصل رغبتك الجنسية إلى ذروتها عندما تكون في العشرينيات من عمرك؟ فترة من الطيش وعدم الاكتراث بما تقودنا إليه الشهوة؟ على كل حال، ’جيل’ هي واحدة فقط من أبناء جيل الألفية [المولودون بين عامي 1981 – 1996] الذين اختاروا بدء عام 2023 بالتزام التبتل [حال الامتناع عن الزواج والعلاقات الجنسية] والابتعاد عن الجنس تماماً، أو لفترة وجيزة في الأقل. تعريفياً، هذا امتناع عن ممارسة الجنس وليس التبتل المرتبط أكثر بالدين. لكن المفهومين اختلطا في أوساط الإنترنت.
إبحث عن "تبتل 2023" على "تويتر" وستجد آلاف المستخدمين من أمثال ’جيل’ الذين يتعهدون بالتخلي عن الجنس في بداية العام، حتى إنه كان أحد اتجاهات المواعدة الغرامية التي أشارت إليها جيسيكا ألدرسون، خبيرة العلاقات والمؤسسة المشاركة لتطبيق المواعدة ’سو سينكد’ So Syncd لـ"اندبندنت" في وقت سابق من هذا العام التي قالت: "نحن نرى أعداداً متزايدة من الناس الذين يختارون التعامل مع تبتلهم بوعي بهدف تطوير حب الذات والاحترام والاستقلالية... إضافة إلى اكتساب فهم أفضل لنوع العلاقات التي يريدونها".
تعرض "حب الذات" في الأعوام الأخيرة للاستهجان والاحتضان بالقدر نفسه. لكن يبدو أن التحول نحو التبتل قد انبثق منه أو هو في مكان منه في الأقل. من المؤكد أن هذه هي الحال بالنسبة إلى ’جيل’ التي تعتقد بأن الامتناع عن الجنس لفترة ربما يسمح لها بتغيير تركيزها. تقول: "يدخل جميعنا في روتين معين بسرعة شديدة واتباع ما يفعله الآخرون من دون التفكير فيه... آمل أن تعلمني التجربة مزيداً من المرونة واحترام الذات".
يشير الخبراء إلى إمكانية وجود فوائد كبيرة لفترات الامتناع عن الجنس بين الأشخاص المرتبطين، بخاصة إذا كان الثنائي يعاني مشكلات في التواصل أو العلاقة الحميمة
جذب منطق مماثل صوفيا البالغة من العمر 32 سنة التي جربت التبتل بعد الخروج من علاقة طويلة. تقول: "عدت إلى المواعدة الغرامية وأدركت أنني بحاجة إلى مساحة لأتعرف على نفسي قبل الإلقاء بها في فراش شخص جديد... أردت بناء تقديري لذاتي وثقتي بنفسي". استمرت فترة تبتلها لعامين. تتابع: "كانت تجربة ناجحة... لكنني بدأت بالمواعدة مجدداً أخيراً وشعرت بالإرهاق بسببها، هذا ما دفعني إلى تجريب التبتل مرة أخرى. أدركت أنني كي أستطيع المضي قدماً علي أخذ خطوة إلى الوراء ومراقبة وتيرة سير العلاقات، ومحاولة صياغة سرد جديد لنفسي".
وصلت جاذبية التبتل إلى حد جعل المشاهير يتحدثون بصراحة عن تجاربهم معه. فلقد كشفت الممثلة الأميركية درو باريمور في أكتوبر (تشرين الأول) الفائت عن أنها قررت الامتناع عن ممارسة الجنس بعد انفصالها عام 2016 عن زوجها السابق ويل كوبلمان. أوضحت: "الآن وقد اقتربت من عمر 48 سنة، لدي مشاعر تجاه العلاقة الحميمة تختلف كثيراً عما كنت أشعر به في بداية شبابي... منذ بدأت حياة الأم العازبة لم أتمكن من إقامة علاقة حميمة". وتابعت الأم لطفلين أنها ستفكر في إقامة علاقة في المستقبل، لكنها تصب تركيزها على نفسها في الوقت الحالي.
إذا كانت لديك مشكلات في العلاقات العاطفية، هناك أسباب عدة تجعل التبتل مناسباً لك، في الأقل لفترة قصيرة، ولا يعني هذا أن عليك التوقف عن المواعدة. في برنامج المواعدة الناجح الذي تعرضه "نتفليكس"، "مثير فوق التحمل" Too Hot to Handle، نرى مجموعة من الشباب المثيرين وأصحاب الأجساد اللافتة في العشرينيات من العمر يتنافسون للحصول على جائزة نقدية من خلال الامتناع عن ممارسة الجنس. الهدف من ذلك، كما كررته، لانا، مقدمة البرنامج الشهيرة و"المساعدة الافتراضية" هو تكوين "روابط أعمق" تتجاوز الرغبة الجنسية النهمة. لكن الوصفة لا تصلح للجميع، ففي نهاية المطاف، هذا برنامج تلفزيون الواقع، إلا أن التحدي ينجح في تحقيق نمو شخصي ملموس لدى قلة قليلة. يفسح غياب الجنس المجال لشيء آخر.
هناك فوائد لا حصر لها من امتناع المرء عن الجنس لفترة، لأن الهدف في نهاية المطاف هو تنمية الذات، وهذه ممارسة ستؤدي دائماً إلى نوع من التنوير بغض النظر عما إذا كنت مرتبطاً أو لا
تشرح تامارا هويتون، المستشارة والمعالجة الجنسية في مؤسسة ريليت Relate المعنية بالعلاقات: "ربما يختار بعض الأشخاص تجربة التبتل لمعرفة كيف سيكون التواصل مع الآخرين على مستوى مختلف... أو قد يرغبون في موازنة ما يرونه اعتماداً مفرطاً على الجنس والعلاقات". تشير هويتون إلى أن عودة الظاهرة قد تكون نتيجة لثقافة الانسجام المعاصرة، فتقول: "في مجتمع اليوم، قد يبدو بطرق مختلفة أن كل شيء متاح طوال الوقت، سواء كان ذلك الموسيقى أو الطعام أو المواد الإباحية... يميل بعض أبناء الألفية إلى تبني روح الحياة النظيفة كعلاج لهذا، مثل الأكل الصحي والوعي. بالنسبة إلى بعضهم، قد يمتد هذا ليشمل فكرة التبتل. يقول بعض الأشخاص إنهم يشعرون بالقوة بفضل التبتل. يمكن اعتباره تهذيباً صحياً يمارس على أنه تطهير".
علاوة على ذلك، ليس الأمر حكراً على العازبين. يشير الخبراء إلى إمكانية وجود فوائد كبيرة لفترات الامتناع عن الجنس بين الأشخاص المرتبطين، بخاصة إذا كان الثنائي يعاني مشكلات في التواصل أو العلاقة الحميمة. في بعض الحالات، يشار إلى هذا الشكل من إعادة الضبط باسم "التركيز الحسي".
تقول ماريان جونسون، اختصاصية علاقات ومعالجة نفسية جنسية: "يستخدم هذا الأسلوب لتكثيف العلاقة الحميمة من خلال إبعاد الجنس والتركيز على التجارب الحسية الأخرى والأشكال المختلفة للمس... قد يكون من المفيد اتباع نوع من ’إعادة الضبط’، مما يسمح للثنائي [بتعلم] ما يناسبهما و[صرف] الانتباه عن الجنس الموجه نحو هدف معين". لا يشبه الأمر التبتل في حد ذاته، لكن الأهداف متشابهة. تضيف: "إنه طريقة لصرف التركيز عن الفهم النمطي لما قد يعنيه الجنس".
هناك فوائد لا حصر لها من امتناع المرء عن الجنس لفترة، لأن الهدف في نهاية المطاف هو تنمية الذات، وهذه ممارسة ستؤدي دائماً إلى نوع من التنوير بغض النظر عما إذا كنت مرتبطاً أو لا. تعتزم صوفيا هذه المرة تجربة الامتناع عن الجنس بينما تواعد شخصاً ما. تقول: "أعلم أن الأمر لن يكون سهلاً في البداية... لكنني أعتقد بأنه سيكون من الرائع استبعاد الأشخاص الذين ربما لا تتوافق قيمهم مع قيمي. فكما قال ألبرت أينشتاين: ’من الجنون تكرار الأسلوب عينه دائماً وتوقع نتيجة مختلفة‘".