♦ الملخص:
مراهق محافظ على العبادة والذكر، تعرض لحوادث تحرش كثيرة، ويشكو أن الله لا يحفظه، ولا يستجيب دعاءه، رغم استقامته على دينه، في حين يحيا الكُفَّار حياة أفضل منه حياته، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا شابٌّ في السادسة عشرة من عمري، أحافظ على الصلوات في المسجد، وعلى النوافل، وأغضُّ بصري، وأتْرُكُ الذنوب لوجه الله، مشكلتي بدأت منذ كنت في سن الثالثة عشرة؛ حيث تعرضت لحوادث تحرش كثيرة، وكنت أسكت عن حقي، حتى رزقني الله الشجاعة، وأصبحت أدافع عن حقي، لكن الأمر استمر، حتى إنني لم أعُد أثق في صداقة أحد، وأصابني وسواس بالشك في رجولتي، وفي أغلب تصرفاتي، سؤالي: أين الله مما يحدث لي؟ ففي كل مرة أتوكل عليه، وألجأ إليه أن يحفظني، وأردد الأذكار، وآخذ بجميع الأسباب، أليس الله يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]؟ فلماذا يحدث لي العكس؟ أليس الله يقول: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]؟ فالاستغفار لا يفارق لساني، ومع ذلك حياتي كلها عذاب، أخذت بأسباب استجابة الدعاء جميعًا، لكن الله لم يستجِب، تَعِبَتْ نفسيتي، وأريد الانتصاف ممن يتحرش بي، فهل يجوز أن أتحرَّش بهم أو أقتلهم؟ كلما نظرت إلى كافر أو مشرك أو عاصٍ يحيا حياة جيدة، أشعر بالقهر، فلماذا لا يحفظني الله كما يحفظ الكافر والعاصي؟ لقد أصبحت العبادات ثقيلة على قلبي، وصرتُ أدعو بلا ثقة، تكررت حوادث التحرش أكثر من خمس عشرة مرة، وتسيطر عليَّ فكرة قتل من تحرَّش بي، ثم أنتحر، فهل هذا بلاء؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله يا ابني، وأسأل الله أن يثبتك على طاعته، وأن يوفِّقك لكل خيرٍ، وأن يصرِف عنك وساوس الشياطين، ولي معك وقفات:
• الابتلاء هو اختبار من الله للعبد، يبتليه حتى يجعله يستحق الثبات والجنة؛ قال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، فهذه سُنَّة من سُنَنِ الله في كونه.
• ألَا ترى يا بني أن الأنبياء هم أشد الناس بلاء، هل سمعت قصة نوح عليه السلام مع قومه؟ جلس معهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، ومع ذلك؛ قال الله سبحانه عنهم: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36].
هل يئس؟ هل تضجَّر؟ هل قال: أنا فاشل؟ هل قال: يا رب، أعْفِني من هذه المهمة؟ هل الأفكار السلبية سيطرت على عقله وقلبه؟
ومع ذلك صبر واحتسب الأجر؛ لأنه يعلم أنه على الصراط المستقيم، وأنه على الحق، مهما واجهته المشاكل والمتاعب، وماذا كانت النهاية؟ قال تعالى: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 119 - 121].
• يا بني، انتبه من وساوس الشيطان، هو يريدك أن تيأس وتقنط من رحمة الله، ويريدك أن تكفر وتتلفظ بألفاظ الكفر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، يا بنيَّ، أحْسِنِ الظن بالله، وبإذن الله سيشرح قلبك للإيمان والخير.
• يا بني، ما تمر به من مشكلة "التحرش"، أنصحك أن تستشير أحد المختصين الذين تثق بهم؛ حتى يساعدوك في التخلص من هذه المشكلة، سواء أكان والدك، أو أخاك الكبير، أو المعلم، أو المرشد الطلابي، أو الاتصال بإحدى الجمعيات الأُسَرِيَّة التي تقدِّم الاستشارات الأسرية، فمن الضروري أن تستمع إلى نصيحة وخبرة هؤلاء.
• الستر - يا بني - مطلوب من كل إنسان، مرَّت عليه مشكلة أو خطأ شرعي أو اجتماعي، لكن إذا كان الإنسان لم يستطع باعتماده على نفسه التخلصَ من هذه المشكلة، هنا عليه أن يستعين بأحد المتخصصين حتى يساعدوه.
• تذكر أن البعد عن الصحبة الصالحة، يجعلك لقمة سائغة للشيطان وأصحاب السوء؛ لذا التزم بالأصدقاء الصالحين؛ فإنهم يعينونك على طاعة الله والبعد عن المعاصي، وكذلك تجعل أصحاب السوء يبتعدون عنك.
• أنت تحتاج إلى تنمية مواهبك وقدراتك، انظر إلى نفسك ماذا تحب؟ ثم التحق ببعض المؤسسات التي تساعدك على تنمية مواهبك.
• لا تنسَ - يا بني - الانضمام إلى مجموعة العمل التطوعي، سواء في المدرسة، أو أقرب جمعية تُعنى بذلك؛ لأن العمل التطوعيَّ يجعل للإنسان قيمة في هذه الحياة، فكلما ساعدت إنسانًا شعرت بالفخر والإنجاز.
• اقرأ سِيَرَ الصحابة والصالحين والمتميزين، واقتدِ بهم وسِرْ على منهاجهم، حتى تصبح مميَّزًا ومتميزًا في مجتمعك.
• يا بني، إن من أهم وسائل الثبات على الدين الاستمرارَ على طاعة الله وذكره، وطلبَ العلم ومجالسة العلماء، والصحبة الصالحة والابتعاد عن الجلوس مع رفقاء السوء، ولو كانوا من أقاربك.
• انتبه من علاج الخطأ بخطأ أكبر منه، فكلما جاءتك هذه الأفكار السلبية، تعوَّذْ من الشيطان، وغيِّر مكانك، واستمع لمقطع يزيد إيمانك، ثم صلِّ ركعتين، أو اتصل على من تحبهم، وأشغل عقلك بحوارات تنسيك هذه الأفكار.
• لا تيأس من الدعاء الصالح، وألحَّ على الله؛ فأنت لا تعلم متى تأتي الاستجابة، وقد يكون الخير لك أن تنتظر حتى تراها حسنات في الجنة.
أسأل الله العظيم أن يشرح قلبك، وأن يهديك لكل خير، وصلى الله على سيدنا محمد.